إلاه المستوطنين غاضب

28.02.2023 02:30 PM

كتب خالد منصور: 

 

    قطيع من الذئاب البشرية اجتاح تلال قرية برقة الفلسطينية، مستوطنون متعصبون يحمل كل واحد منهم رشاشا على كتفه، ومنشارا لقطع الأشجار في يده، نساء ورجالا، أطفالا وعجائز، لحاهم طويلة كما هي سوالفهم، اجتازوا حدود المستوطنة التي اقتلعوا منها قبل بضعة أعوام والتي كانت تسمى حومش، اتجهوا شرقا نحو تلال قرية برقة المجاورة، حيث كان السكان وبمساعدة ( مؤسسة الإغاثة الزراعية الفلسطينية ) قد استصلحوا الأراضي الوعرة، وحولوها إلى جنائن معلقة، وزرعوها بشتى أشجار الفواكه، وشقوا طريقا زراعية تسهل وصولهم إلى حيث أراضيهم، وصل المستوطنون إلى هناك، وعاثوا في الأرض فسادا، وأحدثوا في الكروم دمارا رهيبا، قطعوا أشجار اللوز والخوخ والمشمش والتين والزيتون، وحتى الأشجار الحرجية البرية، وانهالوا بقسوة بالمناشير والبلطات على الأشجار، وكأنهم يخوضون حربا حقيقية ضد عدو-- لم يكن إلا أشجار في أول عمرها، وهدموا الجدران الاستنادية ونثروا حجارتها في كل ناحية، واتلفوا آبار المياه بإلقاء الصخور والبراميل والأتربة في جوفها، أغلقوا الطريق الزراعي الموصل إلى تلك التلال، ببناء المتاريس ووضع الصخور الكبيرة في منتصفها، كانوا كمن يود أن يقول لأصحاب الأرض وللإغاثة الزراعية ( سنهدم كل ما تبنوه ونخرب كل ما تعمروه )..
    كانوا مئات بل ألوف، يمارسون طقوسهم الهمجية بحراسة جيش الاحتلال، الذي أحاط بهم من بعيد، ليحميهم من أي رد فعل قد يقوم به الفلسطينيون أصحاب الأراضي المساكين، وقد قام وبخطوة احترازية، بقطع الطرق الرئيسية الموصلة إلى المنطقة-- التي أعلن عنها منطقة عسكرية مغلقة-- وأقام كعادته العديد من الحواجز، ليقطع احد أهم الطرق في شمال الضفة الغربية-- وهي الموصلة بين محافظتي طولكرم وجنين-- وكان سكان قرية برقة يرقبون من بعيد أفعال هؤلاء الطغاة، عيونهم متحجرة والغضب يشتعل في صدورهم، ولولا تعزيزات جيش الاحتلال لتقدموا حيث أراضيهم ليدافعوا عنها، ولواجهوا المستوطنين بصدورهم العارية، وبكل ما يملكون دفاعا عن حقهم في العيش والحياة.
    كل ذلك يحدث بمناسبة عيد ( العرش ) اليهودي، وكان الإله الذي يزعمون أنهم من عبدته، قد اصدر لهم أمرا بالبطش بالعرب-- بشرا وشجرا وحجر-- وأباح لهم إحداث الخراب في كل ارض يطئوها-- ويبدو أن إلاه المستوطنين هو اليوم غاضب عليهم، بسبب تركهم مستوطنة حومش ( جبل الكبيبات ).. وهم اليوم وبهذه المناسبة الدينية، قد جاءوا ليكفروا عن ذنبهم الذي ارتكبوه، عندما انصاعوا لقرارات حكومتهم ورحلوا عن حومش.. لقد جاؤوا ابتغاء مرضاة ذلك الإله الغاضب، وليقدموا له القرابين-- من دماء العرب وأشلاء أشجارهم، وبعد أن انهوا مجزرة الأشجار وحفلة التخريب والتنكيل بالطبيعة، أقاموا في المكان عرائشهم الدينية-- المبنية من تلك الأغصان الطرية الحزينة، التي قطعوها من شجيرات الكروم العربية.. ثم أكلوا ما طاب من الطعام وشربوا شتى المشاريب، وغنوا ورقصوا، واقسموا اليمين على أن يواصلوا حربهم الدموية المقدسة-- حتى يحرروا الديار التي يقولون كذبا أن الرب قد وعدهم فيها-- وسموها زورا بأرض الميعاد..
  كما يدعون، فان  إلههم المزعوم الغاضب.. اله جبار متكبر.. وتعاليمه التي يحرض بها حاخاماتهم عجيبة غريبة.. وهي ليست ككل الأديان.. فلا حب فيها ولا تسامح، بل كراهية وعنصرية وعدوان، هم شعب الله المختار.. وليس في قلوبهم للغير إلا التعالي والاحتقار.. إلاههم يقول لهم اقتلوا كل من هو ليس منكم، وكل من لا تستطيعون تسخيره لخدمتكم، وحتى الأطفال والنساء والشيوخ.. وأشيعوا الرعب والهلع في قلوب غيركم.. إلههم يقول لهم انتم وحدكم من تستحقون الحياة وانتم وحدكم من له الحق في فعل أي شيء.. إنكم شعب الله المختار..
    إنها همجية ما قبل التاريخ.. إنها همجية تتلبس بثوب الدين.. وهي دعوة صريحة لحرب دينية يسعون إليها، ليعيدوا العالم إلى ما قبل ألفي عام.. وهم إما ان يكونوا قد نسوا أن الحروب الدينية قد أفنتهم أو شتتهم في الزمن الغابر.. أو أنهم قد عميت أبصارهم-- بفعل ما يتلقوه من دعم من زعيمة العالم الجديد أمريكا.. ولكن من المؤكد أن أصحاب الأرض الحقيقيين الذين عاشوا عليها حتى قبل قيام أول مملكة يهودية.. ومازالوا يعيشون عليها.. من المؤكد أنهم سيصمدون وسيتشبثون بكل ذرة تراب من أرضهم، وسيطهروها من رجس هؤلاء المهووسين.

خالد منصور – عضو المكتب السياسي في حزب الشعب الفلسطيني
(مقال كتب بتاريخ 4/10/2007)

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير