المعضلة السورية.. بقلم: فهمي هويدي

19.09.2011 01:30 PM

الوضع السورى تحول إلى مشكلة تتعقد يوما بعد يوم، حتى يبدو كأننا أصبحنا بإزاء حالة مرضية متأخرة يستعصى علاجها، إلا إذا حدثت معجزة لم تخطر على بال أحد. ذلك أنه بعد مضى نحو ستة أشهر على انتفاضة الشعب السورى، وبعد مقتل أكثر من ألفى شخص وإصابة واعتقال أكثر من خمسة آلاف، فإن تصالح النظام مع المجتمع أصبح مشكوكا فيه، بل ميئوسا منه، ذلك أن الدم الذى سال كتب شهادة نهاية النظام التى باتت تنتظر سطورها الأخيرة. ولا يستطيع أحد أن يغفل عن حقيقة «الثأر» الذى أصبح يشكل حاجزا بين الطرفين، لأن ما جرى يصعب نسيانه ويتعذر رأبه أو ترميمه. لأن دم الشهيد لا يجف مهما طال الزمن.

 كما بات متعذرا اطفاء نار الغضب الجماهيرى فإن وقف آلة القتل أصبح متعذرا أيضا، ذلك أنه طوال الأشهر الستة الماضية فإن النظام لم يتوقف عن استخدام القمع وسيلة لإسكات صوت الغاضبين. وحين ذهب بعيدا فى ذلك النهج، فإن تراجعه عن تلك السياسة لم يعد ممكنا، خصوصا أن جميع أجهزة الأمن التابعة للنظام تلوثت أيديها بدماء الغاضبين، وإزاء استمرار القمع الذى مارسته بالأساليب غير الإنسانية التى شهدناها وذاعت صورها بين الناس، فإن عناصر تلك الأجهزة أصبحت لا تجيد شيئا سوى ذلك الذى تورطت فيه حتى أدمنته.

على صعيد آخر، فإن دعاوى الإصلاح التى ترددت على ألسنة مسئولى النظام فقدت صدقيتها بحيث لم يعد يثق فيها أحد. فالكلام عن حوار مع المعارضة، أو عن إلغاء الطوارئ، أو القبول بالتعددية السياسية وإطلاق حرية الإعلام، وغير ذلك من خطوات الإصلاح. ذلك كله لم يعد له معنى. لا لشىء سوى أنه ظل يتردد طوال الوقت فى وسائل الإعلام. ولم يلمس الناس أثرا له فى الواقع. بل إنهم وجدوا دائما أن الأفعال تمضى فى اتجاه معاكس للأقوال.

إزاء ذلك فقد أصبح استمرار النظام مشكلة وخطرا على المجتمع، لأنه يعنى استمرار سياسة القمع والإصرار على إذلال الناس وكسر إرادتهم، وتيئيسهم من أى أمل فى المستقبل. وخطورة هذا الوضع لا تكمن فقط فيما يمثله من قهر السوريين والنيل من إنسانيتهم وكرامتهم، ولكن فيما يترتب عليه من آثار اجتماعية واقتصادية وثقافية. إذ يتعذر على المجتمع فى ظل سياسة القمع أن ينهض أو يتقدم، أو أن يتطور فيه التعليم أو الإنتاج أو الخدمات أو حتى جهاز الإدارة. ناهيك عن أن البيئة القمعية هى التى يرتع فيها الفساد، بما يحول البلد فى نهاية المطاف إلى إقطاعية تتحكم فيها النخبة المسيطرة على السلطة، التى لا يحول حائل دون احتكارها للثروة أيضا، كما هو الحاصل فى سوريا الآن. وإزاء ذلك فلا يستغرب أن يصبح البلد طاردا للكفاءات، حتى أصبح المهنيون والمثقفون السوريون يتوزعون على الشتات والمنافى، ويقدمون خدماتهم وعطاءهم لكل أحد، باستثناء بلدهم وأبناء جلدتهم. كما لا يستغرب أن يفرخ القمع سيلا إلى التشدد والتطرف وزيادة فى معدلات الجريمة.

إذا كان استمرار النظام مشكلة، فإن سقوطه مشكلة أيضا. ذلك أننا لا نتمنى ألا يقترن السقوط بحرب أهلية بين العلويين القابضين على السلطة وبين الأغلبية السنية التى ضاقت ذرعا بذلك الوضع وعانت منه. وليس ذلك هو اسوأ الاحتمالات، لأن من شأن سقوط نظام دمشق أن يوجه ضربة موجعة إلى حزب الله فى لبنان، وأن يقطع الجسور مع إيران التى اختارت أن تصطف إلى جانب النظام وتدعمه بجميع السبل. وإذا ما تم إضعاف حزب الله وقطع العلاقات مع طهران، فإن الطريق يغدو مفتوحا أمام إسرائيل لكى توجه ضربتها العسكرية إلى المشروع النووى الإيرانى، وهى الخطوة التى طالما ألحت عليها وما برحت تتحين الفرصة للاقدام عليها. وإذا ما حدث ذلك فيعلم الله وحده ما الذى سيحدث بعد ذلك، سواء فى العراق أو فيما يتعلق بإسرائيل ذاتها والقواعد الأمريكية فى المنطقة.

 ثمة مشكلة كذلك فى خيار التدخل الدولى، الذى يكرر ما حدث فى ليبيا، وهو خيار مرفوض من النخب ومن المجتمع السورى، إذ الجميع لديهم حساسية شديدة ضد ذلك النوع من التدخل. ولئن ضاقت صدور البعض هناك ودعوا قبل عشرة أيام إلى تدخل لحماية المدنيين من القتل، فقد فهمته بحسبانه استغاثة بالمنظمات الإنسانية وليس دعوة لتدخل حلف الناتو. وللعلم فإن الغربيين لن يجازفوا بتكرار تجربة العراق فى سوريا، خصوصا ان مغانم الأخيرة محدودة للغاية، ولا تقارن بما يرجوه الغربيون من مغانم من وراء التدخل فى العراق أو ليبيا. وهى مقدمة بطبيعة الحال على مسألة حماية المدنيين السوريين.

إذا صح ذلك التحليل فإن الأفق يكاد يبدو مسدودا أمام احتمالات حل المعضلة السورية. ويبقى بعد ذلك خيار آمن وحيد يجنبها كل تلك المخاطر، هو أن يقوم الرئيس بشار الأسد بعملية «استشهادية» يضحى فيها بمنصبه ويسلم السلطة إلى المعارضة بصورة سلمية. ولا أعرف مدى استعداده لذلك، ولكن الراجح أن المحيطين به وعلى رأسهم شقيقة ماهر لن يسمحوا له بالإقدام على هذه الخطوة حتى إذا رغب فيها، وتلك مشكلة أخرى!

[email protected]

عن صحيفة "الشروق" المصرية

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير