عندما يصبح الوطن منطقة للظلم

19.02.2023 12:35 PM

كتب : د.جمال السلقان 

قلة مستفيدة لا تتظلم (متهمة بالطبع)، وسواد أعظم من الشعب بجميع شرائحه تقريبا يشعر بالظلم والاستبداد، لا تكاد تصادف أحدا بلا مظلمة، يشتد الظلم في البلاد التي لا تولي أهمية للقضاء وتفشل في إنشاء وإدارة قضاء عادل، وعندها تكتمل دائرة الظلم.

ينشأ الظلم في كل مناسبة أو حدث يحق فيه باطلا ويبطل فيه حقا، وإذا نكص القضاء عن رسالته المقدسة في تصويب الأمور، تصبح جميع المناسبات والأحداث والحراكات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية تعمل وفق دالة المصلحة وصراع المصالح وليس وفق دالة العدل والميزان المنصف الذي يقبل به الجميع، ليس هناك من وصفة أخرى لسلم المجتمعات الداخلي غير هذه، ليس هناك من ثورة تنتصر بالظلم،  ليس هناك شيخ عشيرة يمكنه قيادة عشيرته بغير العدل، ليس هناك رب أسرة يمكنه قيادة أسرة ناجحة بالظلم، وبالطبع، ليس هناك مجتمع يستمر بمادة لاصقة بين أفراده وجماعاته بلا عدل ولا الدولة يمكنها الاستمرار بغير ذلك.

لا يكاد يمر يوم بلا حادثة أو خبر أو حديث ينطوي على مظلمة لأحد؛ هذا لا يجد وظيفة لابنه أو ابنته، هذا لا يجد ما ينفق على إعالة او تعليم أبناءه (هؤلاء يرون ويسمعون كل يوم تعيين ابن فلان سفيرا وابنة فلان مديرا عاما أو صديق فلان وكيلا أو مرافق فلان عقيدا ولواءا )، هذا معلم مقهور لا يكفيه راتبه واذا اراد المطالبة بحقه يقولون له عبر عن نفسك عبر اتحاد معلمين لم يختاره لا هو ولا زملاؤه (كيف لاتحاد معلمين معين أن يكترث بمظالم من لم يسألهم رأيا في فهلوة ومسرحية تعيينه عندما أصبح اتحادا شبه حكومي وليس منظمة نقابية مهنية مستقلة)، وهكذا تستمر الأحداث والأخبار في كل متر يخطوه كل فرد من أبناء السواد الأعظم من الشعب المسكين، كل له قصته، لكنها بمجملها ظلم يفتح على ظلم يفتح على ظلم أنكى وأشد!

عندما يصبح الوطن منطقة ظلم وفساد، يصبح من غير المنطقي ممارسة واجب التحرير الوطني بمعزل عن النضال من أجل العدالة الاجتماعية، انها ليست مجرد مسألة منطق، بل ضرورة حياة، ضرورة موضوعية (لا تقررها استنتاجات الأفراد ومستوى ثقافتهم)، هذا لأن غياب العدالة الاجتماعية يصبح كابحا للنشاط الوطني ومثبطا له، ضرورة يصبح معها من يناضل من أجل تحرير الوطن مناضلا من أجل العدالة الاجتماعية، وكذلك كل من يناضل من أجل العدالة يصبح مناضلا من أجل تحرير الوطن، هذه متلازمة لم يعد ممكنا الاستغناء عنها لئلا تذهب تضحيات مناضلينا سدى وحتى يفهم كل من ينخرط في النضال الوطني أن لا خشية من ضياع حقوق الناس - هذا مهم عندما يتسائل المناضلون عن جدوى نضالهم - وان الوطن بجميع شرائحه وفئاته على تنوعها عندما ينشد نشيد الوطن يكون قد نشد نشيد العدالة التي تحق الحق وتزهق الباطل، اني على يقين أن إحقاق الحق في تفاصيل حياتنا اصبح شرطا هاما ومفتاحا لمستقبل ننعم فيه بوطن حر ومتقدم.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير