الاستيطان الرعوي في الاغوار، أسلوب جديد للسيطرة على الأرض

16.02.2023 02:18 PM

 

كتب محمود دريعات: الفلسطينيون في الأغوار يتعرضون وبشكل يومي للعديد من المضايقات والسياسات الاسرائيلية التي تهدف إلى تهجير المواطن الفلسطيني من أرضه بشتى الطرق. حيث ان الحكومة الاسرائيلية تعمل وبشكل ممنهج على تضيق سبل العيش على المواطنين الفلسطينيين ودفعهم لترك أراضيهم وخصوصا في المناطق المصنفة "ج" والتي تشكل الجزء الأكبر من مساحة الأغوار. تقدر مساحة السيطرة الفلسطينية على الأرض في الاغوار بحوالي 8% من المساحة الكلية للأغوار وهي المناطق التي تصنف على أنها أراضي "أ" والتي تخضع لسيطرة السلطة الفلسطينية، ولكن وبالمقابل يسيطر المستوطنون والحكومة الإسرائيلية على ما معدل مساحته بحدود أكثر من 92% من مساحة الأغوار وهي المناطق التي تصنف كمناطق "ب “و "ج" او مناطق حدودية وعسكرية وبحيث يمنع الفلسطينيين بطبيعة الحال والوضع القائم من الوصول الى غالبية الأراضي في الاغوار بفعل التضييق من المستوطنين وقوات الاحتلال وسياسات الوضع القائم.

تشكل الاغوار ربع مساحة الضفة الغربية ويوجد فيها حوالي 27 قرية وتجمع فلسطيني غالبيتها تقع في المناطق المصنفة "ب “و "ج" والتي تخضع بشكل تام للسيطرة الإسرائيلية. وقد بلغ عدد السكان الفلسطينيون في الاغوار حوالي 65 ألف نسمة غالبيتهم يسكون مدينة أريحا والقرى القريبة منها، وبشكل اقل بكثير تبلغ نسبة الفلسطينيون الذين يسكون مناطق "ب" و "ج" اقل من 10% من العدد الكلي للفلسطينيين في الاغوار وهذا بفعل سياسات الاحتلال في التضيق على الفلسطينيون في هذه المنطقة وخصوصا في الأراضي المنصفة "ج". 

يتعرض البدو على وجه الخصوص في الأغوار الفلسطينية الى مضايقات شبه يومية من قبل المستوطنين وجنود الاحتلال وذلك بهدف التخلص من جميع التجمعات البدوية التي تنتشر على طول الأغوار الفلسطينية بدأ من جنوب مدينة أريحا حتى قرية بردلة وكردلة بالقرب من بيسان في شمال البلاد. حيث يشكل البدو جزء اصيل من التكوين الطبيعي للبيئة الفلسطينية وتعتمد كافة التجمعات البدوية على تربية الماشية كمصدر دخل رئيسي وأساسي، ولكن بسبب المضايقات المستمرة من قوات الاحتلال والمستوطنين والتي تتمثل بتحديد مناطق الرعي وعدم السماح للبدو بالوصول الى المراعي ومنعهم من توفير مصدر مياه ثابت للشرب وللماشية وفي كثير من الأحيان مصادرة قطيع الماشية أو حتى قتل المواشي.

اضافة الى جملة المضايقات والممارسات الإسرائيلية بحق المواطنين الفلسطينيين في الاغوار، يقدم الاحتلال نهجا جديدا في الاستيطان والذي يتمثل بمنع الفلسطينيين من ممارسة حقهم الطبيعي بالعيش والتنقل في أرضهم الفلسطينية، حيث أن هذا النهج الجديد يوظف الثروة الحيوانية لغرض توسيع رقعة السيطرة الاستيطانية ومنع البدو من ممارسة حقهم وأسلوب حياتهم الطبيعي وهو الرعي واجبارهم على مراعي محددة وتضييق سبل العيش عليهم.

ممارسات المستوطنين في الأغوار الفلسطينية تهدف في المقام الأول من الحد من التوسع الفلسطيني وتضييق سبل العيش لإجبار الفلسطينيين على ترك أرضهم، ويتمثل هذا النهج الجديد من الاستيطان الى خلق علاقة مفترضة بين المستوطنين والطبيعة بهدف مقاومة الوجود الفلسطيني وذلك من خلال تقديم شكل ونموذج جديد للمستوطنين الذي أصبح يشبه ويقلد الإنسان الفلسطيني الاصيل بكافة الاشكال، ليس فقط بالسيطرة على الأرض، ولكن بفرض واقع جديد وأسلوب جديد لتهويد الأرض وتغيير الحقائق والتاريخ. الان، ومع هذا الاسلوب الاستيطاني الجديد أصبح هناك مستوطن بدوي يرعى الأغنام والأبقار وأصبح الفلسطيني الاصيل يبحث هنا وهناك على رقعة سمح له بالرعي فيها وبالتالي أصبح يعتمد البدوي على الأعلاف لإطعام ماشيته عوضا عن المراعي الطبيعية.

يمكن الملاحظة أن هذا الأسلوب الاستيطاني يخدم السياسة الإسرائيلية في السيطرة على الأرض الفلسطينية بشكل أسرع بتكاليف اقل، حيث ان عدد قليل من المستوطنين ومن خلال مواشيهم وابقارهم يمكنهم السيطرة على مئات أو آلاف الدونمات من الاراضي ومنع الفلسطينيين من الدخول الى هذه المساحات وتخصيصها لهم للرعي وهذا يعمل على فرض أمر واقع مع الوقت. حيث ان هناك العديد من التجمعات البدوية على طول الطريق الواصل بين أريحا ورام الله والتي تسمى طريق المعرجات والتي تعتمد على المراعي الطبيعية في المنقطة، ولكن خلال الفترة الماضية قامت قوات الاحتلال بإخلاء مجموعة من هذه التجمعات البدوية وإجبار سكانها على الرحيل وذلك لتخصيص هذه المنقطة للمستوطنين لغرض الرعي، ويواجه ما تبقى من هذه التجمعات البدوية مضايقات عدة تتمثل بمنعهم من الرعي بحرية اخطارات الهدم والترحيل لتجمعاتهم.

تم تسليط الضوء على الأغوار الفلسطينية من قبل الاحتلال الاسرائيلي تاريخيا وقد تم تكثيف الهجمة الاستيطانية على هذه المنطقة في الفترة الاخيرة وخصوصا بصعود حكومات اسرائيلية أكثر تطرفا والتي تمرر القانون تلو الآخر بهدف ضم هذه المنطقة إلى إسرائيل باعتبارها الحدود الشرقية التي لن تنسحب منها اسرائيل تحت اي ظرف. بالمقابل وبسبب السياسات الإسرائيلية تجاه هذه المنطقة فإن التواجد الفلسطيني دائما مهدد وخصوصا في مناطق "ج" مما أدى الى توجه الشباب الى ترك بلداتهم والرحيل إلى المدن الرئيسية بهدف البحث عن عمل وتوفير سبل أفضل للعيش. وهذا يسهل على الحكومة الاسرائيلية المضي قدما في مخططات الترحيل والهدم لهذه التجمعات السكانية خصوصا البدوية في الاغوار بسبب قلة الوجود الفلسطيني وطبيعة السياسات الإسرائيلية التي تمنع البناء في غالبية هذه المناطق وعليه فان هذه التجمعات يسهل على الإسرائيليين هدمها ونقلها خصوصا في ظل محدودية المساندة لهذه التجمعات سواء على المستوى الشعبي او الحكومي، حيث ان بعض التجمعات لا يتجاوز عدد سكانها العشرات وبذلك يتم التفرد بكل تجمع على حدا.

المضايقات الاسرائيلية التي تفضي في اخر المطاف الى ترحيل السكّان الاصليين من منازلهم وأراضيهم هي بمثابة نقل قسريّ للسكّان ويعدّ جريمة حرب. سواء الترحيل القسري للفلسطينيين بشكل مباشر او كنتيجة للنهج الاستيطاني في الاغوار واستخدام كافة الوسائل لفرض واقع وظروف قاسية يصعب على الفلسطينيين تحملها بحيث تدفعهم للرحيل هي حالتين لهدف واحد وهو تفريغ الاغوار من السكان الفلسطينيين الاصليين.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير