القصة الكاملة للقضاء والمحاماة في فلسطين

15.02.2023 01:10 PM

كتب: المحامي خليل قاسم

تبدأ كل قصة بمقدمة بالتأكيد، إلا قصتنا هذه فهي قديمة جديدة لا تحتاج لتقديم، وكون القضاء والمحاماة هما تراكم لتطور المجتمعات، وكون مجتمعنا طبيعته خاصة فستكون قصتنا كذلك خاصة جدا.

سأبدأ من الزمن المعاصر، وهو الزمن الذي نعيشه، فترة ما بعد أوسلو، وهي نقطة التحول وصولا لما نحن عليه اليوم من وضع قانوني واداري. نعم منذ أن تم توقيع اتفاقية اوسلو، بدأ الفلسطينيون يحتكمون أمام محاكم بادارة فلسطينية وبقوانين انتاج فلسطيني تم استيراد كثير من نصوصها، وقد تم اضافة تلك القوانين لمكتبة ضخمة جدا من القوانين السارية من حقب ماضية، منها العثماني، والبريطاني، والاردني، وبطبيعة الحال الاسرائيلي. حيث دخل القضاء والمحاماة في متاهة التطبيق، وكان ذلك أمر جيد للبعض وسيء للآخر، وهنا أقصد الحكومة، الشركات، المؤسسات، والمواطنين. نعم هنالك من هو سعيد جدا بالفجوات القانونية التي تحقق مصالحه وتحميه من المسائلة القانونية، والبعض الآخر متضرر جدا من الفوضى القانونية وغياب العدالة الناجزة في الوقت المطلوب.

وهنا ضاق الامر على أصحاب الاختصاص من قضاة ومحامين، فجميع مكونات المجتمع تبغض القضاء والمحامين، بل يبغضون فكرة الحديث عن القانون ونصوصه وتطبيقه. فالقانون بنظرهم اداة لتحقيق المصلحة وليس لتنظيم المجتمع بجميع مكوناته. وحتى ندخل بالقصة بشكل أعمق، سأذكركم بعدم وجود دستور لدينا وهو النص القانوني الأسمى الذي لا يجوز لأي نص قانوني آخر أن يتجاوزه، نعم لدينا فقط قانون أساسي تعرض لما تعرض اليه من انتهاكات من خلال اصدار وتعديل كثير من النصوص القانونية على شكل قرارات بقانون وانظمة وتعليمات مخالفة للقانون الأساسي من جهة وتمتاز بعدم الانسجام مع القوانين الأخرى من جهة أخرى، وخصوصاً في ظل تعطل المجلس التشريعي وتصدير النصوص القانونية لنا من الخارج. وهنا ضاق الامر على اصحاب الاختصاص أكثر، فتطبيق القانون وتحقيق العدالة في ظل بيئة قانونية معقدة ليس بالأمر السهل، بل أمر بالغ الخطورة ويجلب المتاعب.

وهنا اتسع ضيق الامر وصولا للحكومة والشركات والمؤسسات والمواطنين على حد سواء، وأصبح الجميع يبحث عن مخرج يتناسب ومصالحه، فنشطت المؤسسات الحكومية على مختلف درجاتها وتخصصاتها بتأليف النصوص القانونية التي تسعفها لادارة الشأن العام وادارة المؤسسات والشركات ذات الأهمية على مستوى الدولة، سواء تلك التي تسعفها ادارياً وتلك التي تسعفها مالياً، أما باقي مكونات المجتمع فتطبيق القانون بالنسبة لهم يعتبر ضرورة وحاجة في حالات معينة ويعتبر تضييق مرفوض في حالات أخرى، وذلك جميعه وفق المصلحة، وهنا لا داعي للحديث عن المصلحة العامة والخاصة، فهي مصطلحات لتلطيف الأجواء ليس الا.

فالمجتمع في ظل هذه الفوضى وبجميع مكوناته يعتبر ظالما ومظلوما بذات الوقت، حكومة ومؤسسات وشركات ومواطنين. فلا قانون واضح ولا تطبيق مستقر، والتهرب من تطبيق القانون يعتبر ميزة، والعدالة الناجزة في الوقت المطلوب مفقودة، والتعويض وجبر الضرر يعتبر حلما وترفا، فالجميع يرتكب التجاوزات ويتعدى دون رادع أو مسائلة ودون جبر أو تعويض. فالجميع يقول وبلسان واحد ومتفقين ومتفاخرين اذهب للقضاء ويمكنك الاستعانة بمحام كذلك، وهذا طبيعي إلا في مجتمعنا، فالمقصود هنا المماطلة وضياع الحقوق والعدالة المتأخرة جداً. لذا فالجميع سعيد بالوضع الحالي ومتضرر بذات الوقت، نعم انه مجتمع التناقضات.

نعم اصبح الاصلاح القانوني والقضائي متطلبا، وقد وصل الامر للسلطة القضائية، واتهم القضاء والمحامون بأنهم أصل المشكلة، وبدأت عملية الاصلاح، وقد اتسمت بالمتسرعة والانتقائية والفوضوية، ونتج عنها إنقسام بين أول من ضاق بهم الأمر وهم القضاة والمحامون. فالسلطة القضائية اصبحت عملياً مؤسسة من مؤسسات الدولة بدلا من كونها سلطة مستقلة بحد ذاتها، والمحامون بصفتهم اصحاب اختصاص وهم الاقدر على قراءة الأمور، أصبحوا في موضع المعارضة للإصلاح فهم غير قادرين على استيعاب الاصلاح الحكومي للقضاء والسكوت على التعديلات الانتقائية والفوضوية للقوانين وتلك غير الدستورية، وهنا لن أتحدث عن المصطلحات الجديدة التي أصبح أصحاب الاختصاص يتداولوها حول الاصلاح فسأترك الامر للقارئ للبحث عنها. ومن ثم دخلت نقابة المحامين بصفتها مؤسسة من مؤسسات العدالة وممثلة للمحامين على الخط، لإنقاذ ما يمكن انقاذه في ظل سكوت أصحاب المصالح، وانشغال المواطن برغيف الخبز، وبقي المحامون ونقابتهم يوميا في المواجهة لوحدهم، ووصل الأمر اتهامهم بأنهم يدافعون عن مواردهم المالية، وهذا اتهام طبيعي في هذه الحالة.
هذا بالنسبة للإصلاح القضائي، أما بخصوص الاصلاح القانوني، فيمكن للاجيال القادمة قراءته بكتب التاريخ والدراسات الأكاديمية ان وجد أحد الباحثين الوقت الكافي للكتابة حول هكذا موضوع معقد مستقبلاً، فلا يمكن سرده في قصة قصيرة.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير