راسم عبيدات يكتب.. حكومة نتنياهو.. سيطرة الكنيس على الكنيست والعصابة على الدولة

في القراءة المعمقة لما يحصل في دولة الكيان، نرى أن شكل الحكومة الإسرائيلية المقبلة سيترك تأثيراته السلبية العميقة على وحدة المجتمع الصهيوني، وكذلك على "هوية دولة الكيان" وإعادة تعريف اليهودي، ناهيك عن العديد من القضايا الأمنية الإستراتيجية،التي أجلت عمداً، لكن الآباء والمؤسسين للحركة الصهيونية حسموها،حتى لا تحدث تصدعات وتشققات تلقي بظلالها على وحدة الكيان الصهيوني المتبلور.
واضح أن تلك الدولة تنتقل من دولة يهودية إلى دولة شريعة، وبأن الأصولية الصهيونية تنتقل من أطراف المشروع الصهيوني إلى قلب هذا المشروع، وباتت المتحكم في مفاصل القرار السياسي لدولة الكيان، وكذلك ستصبح المتحكم في الحكومات الإسرائيلية من حيث البقاء والسقوط، وما تحدث عنه مؤسس الحركة الصهيونية بن غوريون، أن "بوتقة الصهر" للمجتمع الإسرائيلي، والتي يقف في مقدمة أدواتها الجيش، مدركاً أهمية إقامة جيش عسكري واحد موحد يمثل دولة الكيان، بديلاً لجيش العصابات الصهيونية الذي ساد قبل نكبة شعبنا الفلسطيني عام 1948،عصابات الهاغانا والأرجون وشتيرن والإيتسل والبلماخ ذراع النخبة للهاجانا.
وضمن هذه الرؤيا والقناعة لم يتردد بن غوريون بعد مضي وقت قصير على إقامة دولة الكيان على إتخاذ قرار بحل كل التشكيلات والعصابات الصهيونية ودمجها في الجيش الناشيء، وفي سبيل تكريس احتكار السلاح والعسكرة في يد الجيش لم يتورع عن إغراق السفينة "التلينا" التي كانت تهرب السلاح لعصابات ايتسل في 23/6/ 1948،وعندما رفض القائمين عليها تسليم السلاح للجيش،أمر بقصفها حيث قتل 16 عنصراً من طاقمها وثلاثة من جنود الكيان.
إعطاء صلاحيات حرس الحدود بالضفة لـ "بن غفير" يعتبر أول تأثير على وزارة الجيش، فهذا الأمر سيُحدث تداخل في الصلاحيات وتضارب في نشاطات جيش الإحتلال وحرس الحدود، لأن كل مؤسسة لها مرجعية مختلفة.
فالجيش سيزداد حقداً وتطرفاً تجاه الفلسطينيين أكثر من السابق لأنه بات يركن أنه له ظهر يحميه من الصهيونية اليهودية، وكذلك الجماعات الإستيطانية والمتطرفة ستزيد من وتيرة إعتداءاتها ضد الفلسطينيين، لأنها تعلم أن لديها وزراء في الكنيست يقفون خلفهم، ولا ننسى كذلك تعزيز مكانة الحاخام العسكري الرئيسي، والتي سيجري شرعنة منصبة عبر نص في القانون، يحدد آليات تعينه واستقلاليته.
وبموجب القانون، "سيُعيّن الحاخام العسكري الرئيسي من جانب لجنة برئاسة الحاخام السفاردي الأكبر، ومؤلفة من خمسة حاخامات وسياسي وضابط، ووفق القانون أيضاً، "سيخضع الحاخام للحاخامية الكبرى، وليس لقائد هيئة الأركان العامة للجيش، وكذلك بن غفير سيكون له جيش خاص في الضفة الغربية مكون من المسرحين من الجيش والشرطة وزعران المستوطنين باسم الحرس الوطني، ناهيك عن مسؤوليته عن الجيش والشرطة العاملة في الضفة الغربية والقدس.
"بوتقة الصهر" نتيجة جملة التطورات والتغيرات السياسية والإجتماعية والإقتصادية، والإنزياحات التي تشهدها دولة الكيان منذ عام 1996 نحو اليمين والتطرف، وما نشهده حالياً من تحول الكيان من دولة يهودية الى دولة شريعة باتت أمام تحديات جدية وجذرية، ما ينذر بحدوث تصدعات وتشققات في جيش الكيان، وكذلك أن تنتقل السيطرة للمليشات على الجيش.
رؤوف زيفلين رئيس الكيان السابق تحدث عن أربع قبائل تتقاسم الكيان، العلمانيون 38% و27% عرب، و25% يهود أصوليون دينيون و15% يهود صهاينة متطرفون، وتذوب كتلة العلمانيين برأي زيفلين تدريجياً لصالح تعاظم مكانة كتلتي الأصوليين الدينيين والصهاينة المتطرفين، أي جماعة الكنيس بدلاً من الكنيست.
وفي هذا السياق وجدنا رئيس وزراء دولة الكيان نتنياهو إضطر إلى تقديم تنازلات كبيرة ومثيرة للجدل - على الصعيد الداخلي والخارجي على حد سواء - لحلفائه من الأحزاب اليمينية الدينية القومية المتطرفة، كجزء من الإتفاقات الائتلافية التي تشكلت على أساسها حكومته الجديدة، ومن بين هذه التنازلات التي تؤشر إلى سيطرة سلطة الكنيس على الكنيست، سيتم إدراج ميزانيات المدارس والمعاهد اليهودية الدينية ضمن ميزانية الدولة والتي تشمل رصد ميزانية إضافية ضخمة، كما سيتم إلغاء "الإصلاحات الدينية" التي نفذتها الحكومة المنتهية ولايتها بما يعزز الصبغة الدينية اليهودية للدولة، كذلك سيتم إستحداث تشريع يجيز الفصل بين الجنسين في الأماكن العامة، يضاف إلى ذلك تولي حزب "ناعوم" ،اليمين المتطرف آفي ماعوز، المناهض لمجتمع "الميم"، دائرة "الهوية اليهودية القومية"، وهي مديرية محدثة ستكون مسؤولة عن البرامج الخارجية في وزارة التعليم.
اما عند الحديث عن سيطرة العصابة على الدولة، فيجب أن نلحظ المتغيرات الكبرى التي حصلت وتحصل، والتي تؤشر إلى تعمق أزمة الكيان السياسية والمجتمعية، وخطورة التنازلات التي قدمها نتنياهو لشركائه من الكهانية اليهودية ومجتمع الحرديين "يهوديت هتوراة" و"شاس" ، حيث سيشرف زعيم حزب "الصهيونية الدينية"، المتطرف والمستوطن، بتسلئيل سموتريتش، على وحدة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق (المحتلة) و"الإدارة المدنية" للإحتلال في الضفة الغربية، وهو منصب وزاري مستجد في وزارة الأمن،علماً أن هذه الوحدة والتعيينات المرتبطة بها (المنسقة ورئيس "الإدارة المدنية") والتي كانت تخضع لقرار المؤسسة العسكرية، كما حصل حزبي "الصهيونية الدينية" و"عوتسما يهوديت" على تعهدات من نتنياهو بالدفع قدماً بعملية ضم أراض فلسطينية في الضفة الغربية المحتلة وفرض "السيادة الإسرائيلية" عليها، وتعزيز الإستيطان في الضفة في حين سيتسلم زعيم حزب "عوتسما يهوديت" الفاشي، إيتمار بن غفير، وزارة الأمن القومي مع سلطة توجيه السياسة العامة للشرطة وتحديد "المبادئ العامة لعملها"، كما سيكون مسؤولا عن وحدة "حرس الحدود" العاملة في الضفة والقدس المحتلتين، وستمنح وزارته ميزانية إضافية تقدر بـ45 مليار شيكل لسبع سنوات، وقبل إقرار موازنة العام 2023، سيقدم حزب "عوتسما يهوديت" للكنيست مشروع قانون جديدا يقترح إعدام الفلسطينيين المدانين (في القضاء الإسرائيلي) بتنفذ عمليات ضد قوات الإحتلال ومستوطنيه، وستعترف الحكومة بالبؤر الإستيطانية غير القانونية المقامة في الضفة الغربية بدون موافقة الحكومة خلال 60 يوماً، ولن يخضع مستوطنو الضفة الغربية للحكم العسكري بعد الآن بل سيكونون ذراعاًأمنية لوزارة أمن الإحتلال.
ما يحدث عملياً في حكومة نتنياهو، وما يحصل من تطورات وتحولات في دولة الكيان، تؤشر إلى سيطرة الكنيس على الكنيست والعصابة على الدولة والمليشيا على الجيش، وكل هذه التحولات والتغيرات، بمثابة وصفات الإنتحار في قلعة ماتسادا أو الموت قبل الثمانين لدولة الكيان في حروب أهلية متعددة الجبهات.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء