د. عقل ابو قرع يكتب.. من عام 2022 الى عام 2023...تغييرات مناخية عنيفة سوف تتفاقم

30.12.2022 12:10 PM


غداً ينتهي عام 2022، مع ما سوف يحمله من أحداث دراماتيكية ومدمرة ومؤلمة حدثت على المستوى المحلي الفلسطيني، وعلى مستوى المنطقة والعالم، ومن ضمن الاحداث التي سوف ينتهي بها عام 2022 وما زالت اصداؤها تتردد، التغيرات البيئية والمناخية المدمرة التي حدثت، بل وتراكمت وتوسعت واشتدت حدتها خلال عام 2022،  وكان آخر هذه الظواهر المناخية العنيفة ما حدث في أجزاء من أميركا، وبخاصة في ولاية نيويورك، حيث خلف الإعصار الجليدي العنيف عشرات القتلى ومئات الملايين من الخسائر مع تدمير كبير للبنية التحتية.                     

وتتجلى حدة التغيرات المناخية العنيفة من خلال البرودة الشديدة أو الحرارة الشديدة في بقاع العالم، التي حدثت وتحدث وسوف يتفاقم حدوثها خلال العام المقبل، والأعوام التالية،  بسبب تواصل أحداث التلوث البيئي من الدول الصناعية الكبرى، من خلال بث غازات التلوث إلى طبقات الجو، وما يترتب على هذه الظواهر الحادة من أثار وتداعيات وأحداث لم يعشها أو يعتد عليها البشر خلال السنوات الماضية، والتي وفي ظل عدم الالتزام بالحد من بث غازات التلوث إلى طبقات الجو، سوف تتعمق وتزداد حدتها وتتفاقم آثارها المدمرة على البشر وعلى النظام البيئي الذي إعتدنا عليه.

وسوف تغرق مدن ودول ومنها دول كبرى تحت المياه بسبب الفيضانات الحادة، ومع درجات حرارة فوق الأربعين درجة في دول ومناطق أوروبية وفي دول أخرى في العالم لن تتوقعها في أسوأ السيناريوهات، ومع موجات جفاف قاسية سوف تضرب أوروبا والشرق الأوسط حيث أصبح التصحر هو السمة البارزة فيهما وبالتالي يشكل ذلك تهديداً خطيراً للأمن الغذائي ويصبح خطر المجاعة أصبح أمراً واقعاً، ومع شحة مصادر المياة وبخاصة مصادر المياه الجوفية بسبب قلة الأمطار والاستنزاف المتزايد للمياه وازدياد ملوحة المياه، سوف تتعمق آثار التغيرات المناخية مع تداعيات اقتصادية واجتماعية ونفسية وسياسية حادة.

ومع تسارع ذوبان الجليد وبالتالي ارتفاع مستوى مياه البحار والمحيطات وبالتالي الخطر الشديد لفيضانات مفاجئة مدمرة كما حدث خلال عام 2022 وفي مناطق مختلفة في العالم، وبالتالي احتمال اختفاء مدن وربما دول خلال فترات اسرع مما كان متوقع، ومع احتمال انتشار حشرات واوبئة وامراض جديدة تهدد البشرية والانتاج الغذائي،  ومع الاستنزاف المتزايد لمصادر الطاقة غير المتجددة، مع كل هذه التغيرات البيئية المناخية والتي نحن في فلسطين اصبحنا نتعايش معها، اصبح عالم التغيرات المناخية العميقة يتجسد وسوف تبرز بقوة اكبر خلال عام 2023.

ورغم قمم المناخ العالمية السنوية والتي كانت اخرها في مدينة شرم الشيخ المصرية، والتي في العادة يشارك فيها ممثلي حوالي 200 دوله، ومن بينهم عدد كبير من الرؤساء ورؤساء الحكومات والوزراء والخبراء والباحثين، ويتم التركيز خلال هذه القمه على عرض الأدلة والبيانات ونتائج الابحاث التي قام ويقوم بها المختصين والباحثين، سواء أكانوا يتبعون مراكز ابحاث مستقله أو هيئات أكاديمية، أو حكومات أو هيئات دوليه ومنها ما يتبع منظمة الامم المتحدة، بتخصصاتها وبرامجها المختلفة، لا زالت الدول التي وقعت على نتائج هذه القمم لا تلتزم بالتطبيق العملي لهذه القرارات.

وما زالت الصورة القاتمة التي وصلت اليها الارض وما تحويه من نظام بيئي تتجسد، بسبب تعمق وتفاقم وتواصل النشاطات البشرية التي ما زالت تساهم في التلوث بأنواعه، وبالأخص تلوث الهواء، ومن ثم الاحتباس الحراري وتشكل ما بات يعرف ب غازات الدفيئة، وانعكاسات ذلك من خلال ارتفاع درجة حرارة الارض الكبير والمستدام  خلال السنوات الماضية، وتضاؤل كمية الامطار، وتشكل الامطار الحامضية،  والتصحر أي عدم القدرة على زراعة التربة أو المحاصيل أو الجفاف وتهديد التنوع الحيوي، وتفشي الآفات المختلفة ومنها الجديدة وبالتالي انتشار الامراض المعدية، وتداعي الامن الغذائي، وتلوث المياه، وذوبان الجليد والفيضانات وما يمكن أن يجر ذلك من كوارث لم يعتدها نظامنا البيئي من قبل.

وبغض النظر عن القرارات او الاجراءات التي تم سوف تتم خلال عام 2023 ومنها قرارات قمة المناخ العالمية المقرر انعقادها في مدينة دبي الاماراتية، وبغض النظر عن الالية التي تم وضعها للتطبيق العملي لهذه القرارات والتي تهدف في الاساس الى تقليل كمية الغازات الملوثة التي يتم بثها الى الجو، والى التوجه أكثر نحو مصادر الطاقة النظيفة أو الخضراء، الا أن الاثار والتداعيات البيئية والصحية التي أحدثتها وما زالت تحدثها هذه الدول بفعل الاحتباس الحراري والتغيرات المناخية قد شملت معظم دول العالم، وبالأخص الدول الفقيرة التي لا تساهم بشكل ما في احداث التغيرات المناخية ولكن تتحمل العواقب والاثار بشكل أكثر ايلاما أو بدون أنصاف أو بدون عدل والتي سوف تزداد خلال عام 2023 وهذا سوف يفاقم غياب ما بات يعرف ب " العدالة المناخية" أو بالأحرى عدم وجود أو غياب عدالة مناخية في العالم.

وهذا يعني بالتحديد الصورة القاتمة والظالمة التي باتت تحياها دول فقيره أو ضعيفة ولا تملك المصادر أو الامكانيات للتعامل معد تداعيات بيئية ومناخيه وربما صحيه ونحن من هذه الدول، بسبب النشاطات التي تقوم بها دول أخرى، حيث بتنا هذه الايام نلمس هذه التداعيات على أشكال مثل شحة الامطار وارتفاع حرارة الارض، وذوبان الجليد وبالتالي ارتفاع منسوب المياه والفيضانات، والتصحر اي فقدان قدرة التربة على الزراعة والتلوث وانتشار بعض الامراض بسبب ظهور افات جديده وما الى ذلك، وما ينتج عن ذلك من التداعيات الإنسانية والسياسية والاجتماعية، والتي تأتي افرازا أو نتاجا لغياب العدالة المناخية، والتي سوف تتفاقم خلال عام 2023.

وتحقيق العدالة المناخية تعني الحد من الغازات التي تلوث الجو والبيئة، وهذا يعني الحد من النشاطات الاقتصادية، او الى التوجه نحو الاستثمار اكثر في نشاطات اقتصادية صديقة للبيئة، او نشاطات صناعية نظيفة وخضراء، وهذا يعني او يؤثر على عالم الاقتصاد والمال والاستثمار والعمل والتشغيل، وهذا يعني بالضبط السياسة وتداخل المال مع السياسة، او تداخل وتأثير رجال المال والاقتصاد على السياسيين، وهذا يعني مدى صعوبة نقاش موضوع التغيرات المناخية في قمم العالم وبالأخص قمم الدول الصناعية الغنية.

وفي ظل تعمق اثار التغيرات المناخية وبشكل سريع وعنيف وخطير والتي سوف تتجلى اكثر وضوحا في عام 2023، فأننا في فلسطين، ورغم اننا لسنا بالبلد الصناعي او الزراعي ذو التأثير الملموس على البيئة والمناخ في العالم، الا اننا نتأثر وسوف نتأثر بشدة خلال عام 2023،  بما يقوم بة الآخرون في العالم، وسوف يستمر هذا التأثر ويزداد ويشمل جوانب اساسية من حياتنا مثل المياه والتربة والغذاء والصحة والطاقة،  وبسبب البقعة الجغرافية الضيقة عندنا، والمصادر الطبيعية المحدودة، والزيادة المرتفعة نسبيا في إعداد السكان، فقد يكون هذا التأثير علينا  كبيرا وملموسا، حيث بدأنا نلمس اثاره وسوف يزداد  في مجالات المياه والانتاج والامن الغذائي والجفاف وتداعي محاصيل والتصحر وتراكم النفايات بأنواعها وفي المجالات الصحية والاجتماعية والاقتصادية وربما السياسية، وربما يكون عام 2023 هو العام الذي ستكون اولويات العالم ونحن منهم فيه، هي كيفية التعامل أو الحد من اثار تغيرات مناخية وتداعيات بيئية، تم التحذير منها قبل سنوات عديدة.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير