الانتخابات الأميركية.. تمثيل لكن دون التأثير

15.11.2022 08:27 PM

 

كتب: هاني عرفات


تقترب النتائج النهائية للانتخابات النصفية الأميركية من الصدور . فيما ينتظر الاميركيون سماع صوت جرس البداية، لمعركة جديدة أكثر حدة سوف تبدأ الليلة ، حينما يعلن الرئيس السابق دونالد طرامب ومن بيته في مارالاغو ، عن نيته الترشح لانتخابات الرئاسة الاميركية  ٢٠٢٤م.  فيما ذهبت على ما يبدو مناشدات قيادات الحزب الجمهوري لثني طرامب أو على الأقل تأجيل الإعلان عن ذلك أدراج الرياح.

هناك قلق و توتر في أوساط الجمهوريين ، فإن رياح الانتخابات لم تجري كما تشتهي سفينتهم ، لا سيما بعد ظهور النتائج الاولية لمجلس النواب والتي ترجح حصول الحزب الجمهوري على أغلبية بسيطة تتمثل في ٢٠١٩ مقعدًا من أصل ٤٣٥، فيما يتوقع حصول الحزب الديمقراطي على ٢٠١٦ مقعداً. ورغم أن هذا الرقم يعطي الجمهوريين الأغلبية المطلوبة نظرياً للسيطرة على مجلس النواب ، إلا أن هناك الكثير من الشكوك حول قدرة الحزب على تجنيد كافة هذه الأصوات لصالحه عند الضرورة ، إذ يكفي معارضة عضوين أو امتناعهم عن التصويت ، لإفشال أي قرار يحاولون اتخاذه.

هذه المخاوف ليست عبثية ، ولها ما يبررها، هناك إنقسام حاد في داخل الحزب ما بين مؤيدي  طرامب في المجلس ، أو ما اصطلح على تسميتهم بالمحافظين الجدد ، ونواب آخرون ينتمون للجناح التقليدي المحافظ ، وهناك أربعة نواب ينتمون لجناح يميني أكثر تطرفاً. لذلك تبدو مهمة كيفن مكارثي الناطق المحتمل لمجلس النواب ، وزعيم الاغلبية الجمهورية ، صعبة ومعقدة في آن ، وهو يحاول إمساك الحبل من المنتصف إرضاء للطرفين ، فهذه هي الوسيلة الوحيدة التي يملكها للحفاظ على أغلبيته الهشة. حبل النجاة الوحيد لمكارثي يتمثل في إختفاء طرامب من الساحة السياسية ، وهذا أمر شبه مستحيل، رغم الخسائر التي أوقعها الأخير للحزب في الانتخابات النصفية الأخيرة.  فقد فشل محازبوه العشرين مرشحاً الذين دعمهم طرامب ، ولم يتمكن حتى واحداً منهم من حسم النتيجة لصالحه. آخر هذا الفشل كان في أريزونا حيث حسمت المرشحة الديمقراطية كاتي هوبز منصب حاكم الولاية لصالحها ، بعد أن تغلبت على مرشحة الحزب الجمهوري وحليفة طرامب القوية كاري ليك، وقد كان متوقعاً للأخيرة ، أن تكون مرشحة نائباً للرئيس ، في حال تمكن طرامب من الوصول الى نهاية السباق. ليس هذا وحسب بل وتمكن الديمقراطيون من حسم منصب أمين الولاية وعضو مجلس الشيوخ لصالحهم أيضاً ، الخاسرون الثلاثة بالمناسبة هم من مناصري طرامب ، ومن من يطلق عليهم هنا ( المنكرون ) أي الذين لا زالوا (كما طرامب) يتنكرون لنتائج الانتخابات الرئاسية في العام ٢٠٢٠م والتي خسر فيها طرامب أمام الرئيس الحالي جو بايدن.

وإذا ما أضفنا لذلك نجاح الحزب الديمقراطي في الحفاظ على أغلبية مجلس الشيوخ، والتي حسمت في وقت سابق، فإن إدارة بايدن سوف تتمتع بوضع مريح نسبياً خلال العامين القادمين وحتى إنتهاء مدة رئاسته في ٢٠٢٤م ، بل إن وضع الادارة قد يكون أفضل حال حسم أمر مرشح الحزب الديمقراطي السيناتور أورنوك في جورجيا في جولة الإعادة مطلع الشهر القادم مما يعني ٥١ مقعدًا من أصل ١٠٠ مقعد لصالحهم . وهذا بحد ذاته يخلص الاغلبية الديمقراطية في مجلس الشيوخ من الابتزاز الذي كان يفرضه عليهم السيناتور الديمقراطي اليميني جو مانشن من فرجينيا الغربية، خلال العامين الماضيين ، فهو كان السبب في فشل مقترح رفع الحد الادنى للأجور ، حينما حاول الديمقراطيون تمرير القرار بضغط من الجناح التقدمي في الحزب الذي يتزعمه السيناتور بيرني ساندرز.

وعلى ذكر الجناح التقدمي ، فقد حقق هؤلاء نجاحًا ملموساً في الانتخابات الاخيرة، حيث إجتاز مرشحوه الأساسيون الانتخابات بنجاح ، وأضافوا عدداً آخر لهم أيضاً ، كما تمكن وحسب مصادر مجلس العلاقات الاميركية الاسلامية Cair، ٨٣ مرشحاً من أصل ١٤٦ مرشحاً من أصول عربية وإسلامية  الفوز بمقاعد على مستويات مجالس محلية، و نواب ولايات و نواب فيدراليين.

ومع أن هذا بحد ذاته يمثل تطوراً ملموسا وإيجابياً على صعيد التمثيل ، إلا أنه يبقى بعيداً عن القدرة على التأثير في القضايا الكبيرة والهامة.  لكنها بداية هامة ولا يجوز التقليل من شأنها. 

يبقى أن نشير إلى أن الديمقراطية الاميركية تختلف عن مثيلاتها الاوروبيات ، حتى اليوم لا يوجد أي قانون أميركي لمنع مراكز الضغط ، والأثرياء وأصحاب الاحتكارات الكبرى من ضخ أموال هائلة في الماكينة الانتخابية لكلا الحزبين. رغم مناشدة السيناتور الأميركي بيرني ساندرز المتكررة لسن قانون بهذا الخصوص. مما يحول دون حصول تغيير جذري في السياسات العامة للبلاد ، كون هذا يحصر التنافس في الحزبين الحاكمين وما يمثلانه ، إلا فيما ندر من اختراقات هنا وهناك، وهذه الاختراقات تبقى محدودة لأنها تأتي فقط من خلال الالتصاق بإحدى قوائم الحزبين، ولذلك هي حالات فردية لا يمكن لها أن تتوسع بشكل كبير دون تغيير القوانين ، والتي من الصعب تغييرها في ظل سيطرة الحزبين.

يكفي أن نشير في هذا الخصوص ، كيف تمكن اللوبي الأميركي إيباك اليهودي من إسقاط عشرة مرشحين في الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي الأميركي ، لصالح مرشحين آخرين أكثر ولاء لإسرائيل ، بعد أن ضخ عشرات  ملايين الدولارات في الحملات الانتخابية.

إلا أنه ورغم كل ذلك ، لا يبدو أن هناك بديل آخر أمام المطالبين بالتغيير سوى إستمرار العمل الحثيث على تحقيق أهدافهم وإن كان بطيئاً.  لقد كان من شبه المستحيل قبل عقدين من الزمن أن ينجح عضو في الكونغرس يطالب بالعدالة الاجتماعية، ناهيك عن أن كلمة (اشتراكية) بحد ذاتها كانت أقرب لذكر الشيطان في ذهن غالبية الاميركيين. الآن هناك عدداَ ولو قليل من النواب والشيوخ يتبنون هذه المفاهيم الآن، وأصبحت تلقى تقبلاً أكثر لدى الاميركيين وتحديداً الجيل الشاب.

زد على ذلك الدور المتنامي للنقابات ، وصحوة الأقليات العرقية ، و توفر وسائل التواصل الاجتماعي التي كسرت احتكار وسائل الإعلام المسموعة والمرئية التي كانت على الدوام ركيزة أساسية للسيطرة على المفاهيم العامة في المجتمع. 

السؤال المهم هو مدى قدرة هذه القوى الصاعدة ، على إجراء تغيير وانتقال سلمي ، تحقق أقصى عدالة ممكنة لأفراد المجتمع ، وبالتالي نحو عالم أكثر عدالة وسلماً.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير