قمة المناخ والاحتلال والوعود الآيلة للتبخر

13.11.2022 11:40 AM


كتبت: نهى نعيم الطوباسي:


عقدت الأسبوع الماضي في شرم الشيخ المصرية قمة المناخ العالمية المعروفة بـ (كوب 27)، بحضور زعماء وقادة أكثر من 120 دولة، لتجديد الوعود والالتزامات الهادفة لاحتواء أزمة المناخ ووضع حد لانبعاثات الكربون، والحد من الاحتباس الحراري بحسب ما تم الانفاق في اتفاقية باريس لعام 2015. ومساعدة الدول الضعيفة على مواجهة أزمة المناخ التي يشهدها العالم أجمع. وما ينجم عن ذلك من كوارث طبيعية من فيضانات، وأعاصير، وحرائق الغابات وجفاف وتصحر، وذوبان الجليد وانقراض كثير من الأنواع الحية.

اجتماع القادة في قمة كوب 27، يذكر العالم باجتماع زعماء أكثر من خمسين دولة عام 1945 في المؤتمر التأسيسي لإنشاء الأمم المتحدة، بعد الحرب العالمية الثانية. ذلك المؤتمر تضمن أيضا إطلاق الوعود لاحتواء الحروب، والتعهد بتحقيق السلم والأمن الدوليين، وإنقاذ الشعوب من الويلات والدمار، وتم إقرار ميثاق الأمم المتحدة الذي تعهدت فيه الدول بإنقاذ الأجيال المقبلة، وأكدت على الحقوق  الأساسية للإنسان وكرامة الفرد وقدره، بما في ذلك الرجال والنساء، والأمم كبيرها وصغيرها، من حقوق متساوية.

أكد قادة العالم إذن على تحقيق العدالة، واحترام الالتزامات الناشئة والتعهدات وغيرها من مصادر القانون الدولي، واتفقوا على الدفع من أجل الرقي بالمجتمعات، ورفع مستوى الحياة في جو من الحرية، وعلى العيش بسلام وحسن جوار، ووضع الخطط لكي لا تستخدم القوة المسلحة في غير المصلحة المشتركة. حسب ما ورد في ديباجة ميثاق الأمم المتحدة.

من يتفحص حال العالم بين القمتين، سيعرف مصير تلك الوعود بعد كل تلك السنوات، ويرى العالم الذي اتفق اولئك القادة على إنقاذه ممزقا بفعل ويلات الحروب، وعمليات الإبادة البشرية، والهجرات القسرية، والفقر والمجاعات، والأمراض الناتجة عن سوء التغذية والتلوث.

مثلا، وبحسب منظمة العفو الدولية، وصل عدد النازحين قسريا بفعل الصراعات المسلحة، نحو 80 مليون إنسان، وهو أكبر عدد تم تسجيله على الإطلاق بحلول نهاية 2019، وغير ذلك من ارتفاع عدد ضحايا الحروب، وتفاقم حجم الفوارق وأوجه عدم المساواة في العالم.

تلفت قمة المناخ النظر إلى تلك المفارقات الواضحة، وازدواجية المعايير التي تحكم التنظيم الدولي، فالدول العظمى التي قادت أِشرس الحروب، والتي تسارع إلى التسلح والحروب وامتلاك اسلحة الإبادة الجماعية، هي نفسها التي تساهم بإطلاق أكبر نسبة من انبعاث الكربون ، فأكثر من 80% من انبعاثات الكربون تسببه مجموعة العشرين.

وتتحمل مسؤولية انعدام الاستقرار في العالم، سياسيا واقتصاديا وبيئيا، هي نفسها  التي تقف على منصة القمة لتعد العالم، ببذل كل الجهود لاحتواء أزمة المناخ، من ناحية أخرى فإن معظم الخطابات أشارت إلى أزمة الطاقة والغذاء، التي نتجت عن الحرب الروسية الأوكرانية، ولكن  تم تجاهل النزاعات المسلحة وأثرها على التغيير المناخي في العديد من دول العالم خصوصا في آسيا وأفريقيا.

أما العجيب، فهو وقوف رئيس دولة الإحتلال ليتحدث أمام العالم حول الأشواط التي قطعتها اسرائيل في التصدي لأزمة المناخ، وفي مدى تقدمها في التحول نحو الطاقة النظيفة، والأغرب من ذلك ان يقرأ آيات من القرآن، في محاولة للتحايل على العالم  حول ما تمارسه اسرائيل من عنصرية وانتهاكات سافرة للقانون الدولي بحق الإنسان والجغرافيا والطبيعة والبيئة في فلسطين.   فاليد التي تمدها إسرائيل من أجل شرق أوسط جديد مزعوم، هي ذاتها التي ترتكب جرائم ضد الإنسانية، وهي نفسها التي تؤدي إلى تدهور المناخ في كل المنطقة.

لفت رئيس الوزراء الدكتور محمد اشتية في خطابه،  إلى أن الاحتلال ينتزع ما قيمته 41 مليار دولار من مقدراتنا الوطنية سنويا، وهي مبالغ تفوق كل ما تقدمه لنا الدول المانحة بأضعاف مضاعفة، إضافة إلى استنزاف مصادرنا المائية، حيث أصبح لدينا عجز مائي يصل إلى 135 مليون متر مكعب سنويا، ويستهلك الفلسطيني ثُلث ما يستهلكه الإسرائيلي من مياه".

والاحتلال يدمر الطبيعة الفلسطينية، من خلال المستوطنات ويسرق المقدرات ويدفن مخلفاته الصلبة والخطرة في أراضي الفسلطينين، ويسطو على المياه، ويقتلع الأشجار، حيث اقتلعت إسرائيل أمليونين ونصف المليون شجرة منذ احتلال العام 1967، منها 800 ألف شجرة زيتون، وتشير الدراسات إلى أن البحر الميت يتعرض لخطر وجودي بسبب استنزافه من قبل إسرائيل.  إضافة لكل ذلك فلا يمكن تجاهل  أن إسرائيل بحروبها المتالية على غزة،  قد أدت إلى تلوث  مصادر المياه والتربة والهواء، نتيجة مخلفات الأسلحة ومخلفاتها السامة.

العالم يترقب ماذا سيحل بعد هذه القمة والتي سميت بقمة التنفيذ، فإما الانتحار الجماعي أو التضامن الجماعي كما قال الأمين العام للأمم المتحدة،  وهذا ما تترقبه شعوب العالم فلا يمكن وقف هذه الخطر المحدق من تغيير المناخ، خصوصا في ظل  التوتر الأميركي الصيني. وتفاقم الأزمة الأوكرانية الروسية ونشوب مزيد من النزاعات المحلية والدولية في العديد من المناطق،  عدا عن استمرار الممارسات العنصرية وعدم المساواة تجاه الشعوب المقهورة، مما يضعف قدرة الدول النامية على التصدي لآثار تغيير المناخ والصراعات المسلحة.

آن الأوان لفرض العدالة الدولية، وأن تأخذ الدول العربية دورها المهم في السياسة الدولية خصوصا مع كل ما تملكه المنطقة من ثروات وإمكانيات، ولا بد أولا من وقف التهديد الإسرائيلي لكل الأمن العربي والإقليمي، وإنهاء الاحتلال الاسرائيلي،  والتزام الدول العربية بالمبادرة العربية، والضغط على المجتمع الدولي لوقف الكيل بمكيالين، ومحاسبة اسرائيل على كل جرائمها بحق  الشعب الفسلطيني، وتحذير العالم من خطرها على المنطقة والعالم، وإلا فإن القمة  وتعهداتها  ستكون مجرد حبر على ورق  وتعمق الشعور بالظلم وانعدام الثقة لدى شعوب العالم بالتنظيم الدولي. الذي لا  يعطيهم سوى الوعود البراقة.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير