بثينة حمدان تكتب.."عتمة" بيروت تضيئ "العالم"

12.11.2022 09:43 AM


في الطريق إلى لبنان تجد نفسك تغني بوعي أو بلا وعي: "بحبك يا لبنان.. يا وطني بحبك"، بلد المتناقضات الكثيرة حيث تارة تحتضن الفلسطيني وتعاني الاجتياحات وويلات الجوار مع دولة الاحتلال، وتارة تحارب الفلسطيني ابن المخيم تحرمه من حقوقه في حياة كريمة. ورغم هذا وذاك فقد منحتنا بيروت الكثير وقدمت الكثير عبر الفن والاعلام وعالم الموضة والجمال، بيروت تحمل تاريخاً ثقافياً وفنياً عريقاً، اشتهر عبرها الكثيرون وحفظنا أسماء أماكن عديدة فيها كالروشة وشارع الحمراء والبترون وجبيل...

اليوم بيروت المنهوبة والتي لم ينجح ساستها حتى الان في انعاشها الى يومنا هذا، أسير في طرقاتها ليلاً، أحياء كاملة معتمة، وأخرى تجد فيها بيتاً هنا أو هناك مضاء وهذا يعني أن مالكه يستطيع امتلاك الماتور المولد للكهرباء والذي يعمل بالمازوت. أعمدة الانارة في شوارعها الداخلية والخارجية معظمها لا تعمل. تعيش بيروت في ظلمة فيما تمنح النور للعالم في مفارقة غريبة، تمتلك المحتوى لكنها في حالة رحيل دائمة باحثة عن الاستقرار في بلد لا يسرق ثروات ابناءه، إلى بلد لا يسيء ساسته إدارة مدخراته.

في إحدى المطاعم قرب صخرة الروشة غنيت وصديقتي "بحبك يا لبنان" فقاطعتني احدى اللبنانيات: "هيدا زمان.. هيدي الأغنية من زمان". تعب الناس تعب الشعب من وضع اقتصادي ومعيشي سيء بلا كهرباء أو ماء بينما تفرض عليهم الدولة رغم ذلك دفع رسوم الاشتراك في خدمتين غير متوفرتين.

بيروت المنهوبة وعُملتها المنكوبة، حيث قفز سعر الدولار من 1500 ليرة إلى 36 ألف ليرة، فجأة تجد أنك تحمل الملايين، مبلغ خيالي يربك الزوار فلا نعرف كيف نقيض عليه، تشعر أنك مليونير فقير في الوقت ذاته، فالمبلغ لا يساوي شيئاً، قد تشتري به قميصاً، أو جاكيتاً محترماً! بلد الفن والاعلام، تغيب عن لوحاتها الاعلانية في الشوارع صور الفنانين للترويج لمنتج أو حفلة!!

يصرخ اللبنانيون في كل مكان من ضيق العيش والقهر الداخلي وما أصعب أن يقهرك ابن وطنك أولاً، أن يقهرك المسؤول الذي ما هو في الحقيقة إلا موظف لدى الشعب وفي خدمته وليس موظفاً لسرقة ابن بلدك.

كم هو مؤلم حجم التناقضات في لبنان، التي نعيشها أيضاً في الدول العربية لكن بدرجات أقل بكثير، بلد بلا رئيس وبلا خطة انعاش، مدخرات الشعب ليست له، والمحسوبية في سحب الأموال من البنوك، ومازال فيها السيارات الفارهة والشعب الحيوي العاشق للفرح .. للحياة، ومازالت عتمة بيروت تضيء العالم فناً واعلاماً وجمالاً.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير