ساجي خليل يكتب لوطن.. أبو مازن ... ماذا تنتظر؟

10.11.2022 10:13 AM

 

حتى قبل ان تعلن النتائج الرسمية للانتخابات الاسرائيلية الأخيرة سارع نتانياهو العائد بقوة لتولي سدة الحكم فيي اسرائيل الى الإفصاح عن جوهر السياسة التي سيتبعها في الموضوع الفلسطيني وفي العلاقة مع دول المنطقة. فقد أعلن في خطابه في الكنيست بمناسبة إحياء ذكرى اغتيال إسحق رابين قبل يومين أن كافة الأراضي من النهر إلى البحر ستظل تحت السيادة الإسرائيلية؛ وأن القدس الموحدة ستبقى عاصمة إسرائيل الأبدية؛ وأن إسرائيل ستبقى دولة يهودية وستكون البيت المفتوح لكل يهود العالم؛ وأنها بالاستناد لقوتها وتفوقها ستواصل السعي للتوصل إلى اتفاقيات سلام مع جميع الدول العربية، وأضاف " فقط بعد تحقيق السلام مع الدول العربية ربما يعود الفلسطينيون الى رشدهم، وعند ذلك قد يكون هناك احتمال أن يتحقق سلام معهم".

نحن إذاً أمام حكومة إسرائيلية، بحكم تركيبتها الجديدة، ستكون بالتأكيد الأكثر تشدداً من كل سابقاتها؛ وأننا نقف على أعتاب مرحلة قاسية وطويلة من الصراع المرير والدامي مع الاحتلال الاسرائيلي.

بعد الانتخابات الإسرائيلية أصبح المشهد العام من حولنا إقليمياً ودولياً أكثر وضوحاً. وملخصه انسداد الافق السياسي لفترة طويلة قادمة أمام أية مبادرات محتملة تستهدف إطلاق مفاوضات لتسوية الصراع الفلسطيني الاسرائيلي؛ وأن إسرائيل، الموغلة في تطرفها وعنصريتها، ستواصل تعميق احتلالها للأراضي الفلسطينية على نطاق واسع، بما في ذلك تسريع مخططاتها الاستيطانية والتهويدية؛ وستمضي في إجراءاتها الإستراتيجية لتدمير أية إمكانية لإقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة؛ إضافة لتصعيد قمعها وحربها الوحشية ضد الشعب الفلسطيني.

ومع الأسف، مقابل هذه التحديات الصعبة التي تجابهنا تشهد أوضاعنا الداخلية حالة من التردي المتواصل يسود فيها الاحباط ويتعمق الانقسام في مختلف المجالات؛ وينهش التفكك نسيجنا الاجتماعي والسياسي. فيما القيادة الفلسطينية تقف صامتة وعاجزة تنتظر المجهول وكأنها في حالة ذهول أو تغط في سبات عميق: لا مبادرة، ولا رؤية، ولا مؤشر يدل على امتلاكها لأي تصور أو خطة استراتيجية تقدمها للجماهير الفلسطينية من شأنها انتشالها من هذا المأزق العميق الذي تعيشه.

سياسة الانتظار والجمود هذه لا طائل من ورائها، ولم يعد ممكناً قبولها أو التعايش معها، وخصوصاً بالنسبة لجيل الشباب الذين بلغ عندهم السيل الزبى. فهذه السياسة الإنتظارية ليست أبداً دليل حكمة ولا مؤشراً على الثبات والصمود. هي في واقع الحال دليل عجز وارتباك. إن وظيفة القيادة السياسية هي المبادرة لإعطاء الامل للناس وحشد طاقاتهم وتنظيم صفوفهم وتعبئتهم للنضال من أجل حقوقهم الوطنية.

أبو مازن الذي يقف على رأس المؤسسة الفلسطينية الرسمية وبصفته ممثلاً للشرعية الفلسطينية المعترف بدوره القيادي وطنياً واقليمياً ودولياً مطلوب منه ان يتحمل مسؤوليته الوطنية، والمبادرة دون تأخير لوقف هذه الحالة من التشرذم والانقسام التي تفتك بمجتمعنا وتهدد بإلحاق أفدح الضرر بقضيتنا وبنضالنا الوطني، ما يتوجب عليه المبادرة بدون تأخير لتوفير الشروط التي تمكن من تفعيل المؤسسات الوطنية على أسس ديموقراطية وترسيخ مبدأ المشاركة، وتصويب آلية اتخاذ القرارات الوطنية على المستوى القيادي وعلى كافة المستويات الأخرى.

ولعل المدخل والخطوة الجوهرية المباشرة المطلوبة لتحقيق ذلك هي الاعلان عن موعد إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية وفق جداول زمنية يمكن التوافق عليها وطنياً. إن مثل هذه الخطوة الاستراتيجية من شأنها إحداث نقلة هائلة الى الأمام في أوضاعنا الداخلية وفي تحسين قدراتنا على مواجهة التحديات القادمة في كافة المجالات، وفتح المجال للتقدم نحو إعادة وضع قضيتنا على جدول الاعمال الدولي خصوصاً في هذه المرحلة الحاسمة.

الانتخابات ستغير المشهد، وبالتأكيد الى الاحسن. وهي أبلغ رد على التحديات الإضافية الجديدة التي أفرزتها الانتخابات الإسرائيلية، إضافة للتحديات العديدة الأخرى التي تتعرض لها قضيتنا الوطنية.

إن لدينا الآن فرصة ذهبية لإطلاق وإنجاح عملية انتخابية حقيقية تحظى بتأييد كافة القوى والفصائل الفلسطينية وبمساندة عربية وعالمية رسمية وشعبية. ومن حسن الحظ اننا نمتلك لجنة مركزية للانتخابات تتميز بالنزاهة والحيادية وذات مصداقية وطنية ودولية عالية، قادرة على إدارة انتخابات ناجحة وبكفاءة مهنية مختبرة وتحظى بثقة وقبول كافة القوى الوطنية والرأي العام الفلسطيني.

وفي ضوء هذه الحالة المعقدة التي تمر بها قضيتنا الوطنية ليس علينا اجتراح المعجزات أو الانزلاق، بدعوى اليأس ونفاذ الصبر، نحو افتعال المعارك الوهمية الداخلية أو الخارجية، فلا مصلحة لنا في توتير العلاقة مع أحد؛ لا مع أشقاءنا العرب ولا حتى مع الامريكان، أو الأوروبيين أو غيرهم. فرغم الخذلان الذي لقيناه من بعض الاشقاء ورغم نقض الوعود والانحياز السلبي الذي عانيناه من الامريكان ورغم التجاهل الأوروبي لحقوقنا وازدواجية المعايير المتبعة من قبلهم إزاء قضيتنا، فإن علينا تجنب التوتير مع الجميع. فلسنا بحاجة لزيادة عدد أعداءنا. وتحديداً في هذه المرحلة فإن من الحكمة تجنب الانجرار نحو معارك وصدامات لا داعي لها ولا طائل من ورائها، فيكفينا ما فينا.

الآن ... علينا وبالدرجة الأولى التركيز على إعادة بناء جبهتنا الداخلية وتوحيد صفوفنا والعمل بكل همة لإنجاز الانتخابات العامة وإنهاء الانقسام. في نفس الوقت الذي علينا فيه التمسك ببرنامجنا الوطني وبخطنا السياسي الواقعي ومواصلة نضالنا الموحد من أجل نيل حقوقنا الوطنية المشروعة، وذلك بعيداً عن دعوات المزايدة الاستعراضية والخطابات العدمية اليائسة قصيرة النظر، والتي من شأنها فقط أن تلحق الضرر بالالتفاف العالمي الشعبي والرسمي الواسع الذي لا زالت تحظى به قضيتنا الوطنية.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير