مصر.. متحرشون "في عمر الثامنة"

12.08.2013 06:49 PM
وطن - وكالات: تمتلك الفتيات والسيدات في مصر سببا وجيها يجعلهن "كارهات للأعياد"، إذ أن الخروج إلى الشوارع المزدحمة يجعلهن عرضة لحوادث التحرش الجنسي، التي باتت أمرا شبه معتاد في الشارع المصري، تزداد وطأته في الأعياد.

وفجّر مقتل فتاة في مدينة طنطا (وسط دلتا مصر) تحت عجلات سيارة في عيد الفطر، بعد محاولة من السائق للتحرش بها، غضبا واسعا في البلد الذي يشهد اضطرابات سياسية غير مسبوقة، سلب بهجة العيد من المواطنين الذين قطعوا طرقا رئيسية في المدينة.

وتضاربت الروايات حول واقعة الفتاة "شروق"، لكن صديقتها أكدت لوالدها أن ابنته تعرضت بالفعل للتحرش من السائق، وعندما وقفت أمام سيارته "لم يتردد في دهسها".

ورصدت وسائل إعلام ومنظمات مدنية مئات حوادث التحرش التي وقعت في عيد الفطر، وفي أي تجمعات كبيرة، بل إن عشرات منها موثق بلقطات مصورة، يلاحظ على أغلبها صغر سن المتحرشين والمتحرش بهن.

ولا يستثنى من تلك التجمعات، الاحتجاجات التي شهدتها مصر على بدءا من 25 يناير 2011، حتى 30 يونيو 2013، حين سجلت منظمات مدنية حالات تحرش، تتطور أحيانا لأفعال جماعية.

وفي بحث أجراه المجلس القومي للمرأة على أكثر من 13 ألف فتاة وسيدة بين 15 و50 عاما على مستوى جميع محافظات جمهورية مصر، قالت 82 % منهن إنهن تعرضن لتحرش لفظي أو جسدي في الشوارع.

لكن دراسة أعدتها عدة جهات مصرية ودولية تحت إشراف "هيئة الأمم المتحدة للمساواة بين الجنسين وتمكين المرأة"، أظهرت نتيجة صادمة، إذ قالت نحو 99 % من المشاركات إنهن تعرضن لتحرش بطريقة أو بأخرى.

واستحدثت وزارة الداخلية المصرية وحدة لمكافحة العنف ضد المرأة، بناء على طلب من المجلس القومي للمرأة.

وحسب بيانات الإحصاء الجنائي في الوزارة، فإن حالات التحرش وصلت في عام 2012 إلى نحو 10 آلاف حالة، لكن هذا الرقم يعبر فقط عن الحالات التي تمتلك ضحاياها الشجاعة الكافية للإبلاغ عنها في أقسام الشرطة.

ولعل ضعف الدور الحكومي في مواجهة التحرش الجنسي في مصر يعود إلى سببين رئيسيين، الأول هو حالة الانفلات الأمني التي تشهدها البلاد منذ أكثر من عامين، مع انسحاب قوات الشرطة من مقار عملها في 28 يناير 2011.

أما السبب الثاني فهو "الفقر التشريعي" فيما يخص عقوبة التحرش، إذ ينص قانون العقوبات الحالي على معاقبة "الاعتداء الجنسي" بشكل عام، بالأشغال الشاقة من 3 إلى 7 سنوات.

ودفع هذا القانون الفضفاض المجلس القومي للمرأة، لإعداد مشروع قانون حديث لحماية المرأة من العنف، وضع من خلاله تعريفا واضحا للتحرش الجنسي، وفصله عن باقي أعمال العنف والاعتداءات، في جهود "نظرية" من الحكومة للحد من ظاهرة التحرش.

وتنص المادة 14 من مشروع القانون المقترح، على أنه "كل من تحرش بأنثى عن طريق التتبع أو الملاحقة سواء بالإشارة أو القول أو الكتابة أو بوسائل الاتصال الحديثة أو أي وسيلة أخرى، بإتيان أفعال غير مرحب بها تحمل إيحاءات أو تلميحات جنسية أو إباحية، في مكان عام أو خاص، يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة، وبغرامة لا تقل عن 10 آلاف جنيه، ولا تزيد على 20 ألف، أو إحداهما".

ومع الأزمة السياسية التي تعيشها مصر وعدم وجود برلمان حاليا، بقي مشروع القانون "حبرا على ورق" في أدراج المجلس القومي للمرأة.

ورغم أن هذه المادة تكاد تحيط بكل أنواع التحرش، فإن الواقع يثبت أن المتحرشين لم تصلهم الرسالة بعد.

وتحاول منظمات غير حكومية متعددة، تمارس عملها "على الأرض"، أن تحد فعليا من وطأة الظاهرة في الشارع المصري.

ويقول مؤسس مجموعة "شُفت تحرش" فتحي فريد لـ"سكاي نيوز عربية" إن الإحصاءات التي أجرتها الحركة منذ عيد الأضحى عام 2012 (أكتوبر 2012) حتى عيد الفطر عام 2013 (أغسطس 2013) أثبتت انخفاض الحد الأدنى من سن المتحرشين إلى 8 سنوات.

و"شُفت تحرش" تطلق على نفسها "مجموعة ضغط مجتمعية"، تتكون من العديد من المنظمات والجهات غير الحكومية الحقوقية والنسوية، تعمل على رصد ووضع آليات لمناهضة "التحرش الجنسي" على المستوى القانوني والنفسى والمجتمعي.

ويضيف فريد أن المجموعة لديها شباب تم تدريبه جيدا للتدخل عند وقوع حالات تحرش، وفصل المتحرشين عن المتحرش بهن بأقل أضرار ممكنة، مشيرا إلى أن الشباب انتشروا في عدة أماكن وسط القاهرة في عيد الفطر، متوقعا أن يصل هذا الشباب إلى أكثر من 10 محافظات بعد نحو شهرين (قرب عيد الأضحى).

وربط فريد بين الزيادة التي تثبتها الأرقام في حالات التحرش في مصر، والاضطرابات السياسية التي تمر بها البلاد، موضحا: "الخطاب الديني الرجعي تجاه النساء الذي شهدته مصر خلال العام الماضي أدى إلى زيادة حالات التحرش، أضف إلى ذلك غياب الأمن".

ووضع فريد نقاطا محددة تهدف إلى القضاء على ظاهرة التحرش في المستقبل القريب، أهمها تفعيل مشروع قانون صارم ضد التحرش، وتمكين النساء، ومراجعة لكافة المناهج التعليمية وإضافة مواد عن حقوق الإنسان.

كما يرى أن على مجلس الوزراء تخصيص ميزانية واضحة لتأهيل الناجيات من العنف، لكنه ختم "كل هذا لن يؤثر إيجابيا على التصدي للتحرش قبل أن تتم إعادة هيكلة وزارة الداخلية لتقوم بدورها الرادع".
تصميم وتطوير