هل ينجح الاحتلال في "كي" وعي المقدسيين

11.10.2022 09:51 PM

كتب راسم عبيدات : الحرب التي تشن على المقدسيين من أجل " كي" و" تطويع" و"صهر" و"تجريف وعيهم، لا تتم على صعيد واحد، بل هي تشمل كل الصعد وفي كافة الميادين.... والاحتلال يسعى لاختراق الوعي المقدسي على أكثر من جبهة ضمن خطط وبرامج ممنهجة تشترك فيها كل أجهزته الأمنية من شرطة وجيش ومخابرات ووزارة داخلية، والمدنية من بلدية ومؤسسات مدنية ومجتمعية، مراكز وشرطة جماهيرية، لجان اصلاح ولجان عشائرية وغيرها.. ولذلك هذه الحرب، يرصد لها مئات ملايين الشواكل، فعلى سبيل المثال الخطة الخماسية الحكومية 2018 - 2023 لدمج العرب المقدسيين في المجتمع والاقتصاد الإسرائيلي، رصد لها فقط لآسرلة المنهاج والعملية التعليمية في القدس (875) مليون شيكل من أصل 2 مليار شيكل، الباقي وزع على بقية القطاعات من طرق ومواصلات وغيرها، ناهيك عن رصد مبلغ 15 مليون شيكل خارج هذا المبلغ سنوياً للمراكز الجماهيرية.. الخ.

 


لا شك بأن عمليات اختراق جدران حصون " وعينا" حققت بعض النجاحات في قضايا متعلقة في التعليم والمنهاج، وكذلك على صعيد التقدم في مشروع تهويد المسجد الأقصى .... ناهيك عن سعي الاحتلال الى ضرب المناعة الوطنية عند شعبنا، من خلال عمليات الاختراق في قضايا التطبيع ومحاولة نقله الى المستوى الشعبي والمؤسساتي، يضاف ذلك العمل الدؤوب من قبل الاحتلال، لخلق بيئة طاردة للعمل المقاوم لمجابهة مشاريع ومخططات الاحتلال التهويديه، عبر بث سياسات اليأس والإحباط بين صفوف المقدسيين، والقول لهم بأنكم لوحدكم ولن تستطيعوا هزيمة دولة مدججة بالسلاح ولديها أقوى جهاز مخابرات في المنطقة.

ضمن هذه الرؤيا والاستراتيجية شن المحتل حرب نفسية من أجل  "تحطيم" المواطن المقدسي، وإشغاله في متوالية من الأزمات، بإخراجه من ازمة وإدخاله في أزمة جديدة... فالمحتل الذي يحاول الإجهاز على المدينة وفرض السيطرة والسيادة عليها عبر الاستيطان المكثف والمشاريع التهويدية، أعتقد بان الفرصة مؤاتيه له، لكي "يأسرل" شعبنا في المدينة، ويجرده  من خصاص وعلائم  وجوده الوطني، وشطب حقوقه الوطنية والسياسية، مع منحه فقط حقوق مدنية مقلصة و"مقننة"، محوله الى جزر متناثرة في محيط إسرائيلي واسع، عبر تغيير واقع المدينة الديمغرافي والجغرافي، وعزله عن محيطه الفلسطيني ،وتغيير المشهد الكلي في المدينة ،من مشهد عربي إسلامي – مسيحي أصيل الى مشهد يهودي تلمودي توراتي مصطنع.


الاحتلال سعى "لأسرلة " العملية التعليمية في المدينة عبر أسرلة مناهجها التعليمية، وإزاحة المنهاج الفلسطيني بشكل كامل من المدينة، وليس الاكتفاء فقط بالمنهاج الفلسطيني " المحرف" أو المعدل"، بل أسرلة شاملة وكلية للمنهاج، وحقق المحتل عمليات اختراقات ونجاحات في هذا الجانب، شجعته لكي يتقدم خطوة على طريق تحقيق اهدافه ومخططاته، وأقدم على تهديد بعض المدارس الخاصة " الإبراهيمية والإيمان" بفروعها الخمسة بسحب ترخيصها ومنحها تراخيص مقيدة، اذا لم تصوب مناهجها بشطب ما يعتبره المحتل تحريضاً في تلك الكتب، والمقصود هنا، شطب كل المضامين الوطنية في المنهاج، وبما يشمل تزوير التاريخ و"تقزيم" الجغرافيا وشطب الرواية والسردية الفلسطينية.


هذه الخطوة التي أقدمت عليها بلدية الاحتلال ودائرة معارفها، شكلت صحوة لأهالي القدس باتحاداتهم الشعبية من اتحاد لجان اوليا امور ولجان أباء مركزية ومؤسساتهم وقواهم الوطنية، من أجل استعادة الوعي الفلسطيني، ومنع "كيه" و"انحرافه" و"أسرلته، ونفذت سلسلة من الفعاليات والناشطات الاحتجاجية، بما في ذلك اعلان الإضراب الشامل في كافة المظلات التعليمية في القدس لمدة يوم واحد يوم الإثنين 19/9/2022.

هذا الإضراب شكل محطة مهمة على طريق استعادة الوعي الفلسطيني، و"تحصين" العملية التعليمية من الاختراق" و"الأسرلة"، وتزييف الوعي وتشويه.

بالمقابل وجدنا بأن المسجد الأقصى، الذي هو مسجد إسلامي خالص، من بعد اغلاق باب المغاربة من ايلول/2000 ولغاية 2003، والمسيطر على مفاتيحه من قبل شرطة الاحتلال منذ عام 1967، بات في إطار الاستهداف المباشر للجماعات التلمودية والتوراتية، على اعتبار بأن المسجد الأقصى هو الهيكل المزعوم والذي يجب العمل على بنائه مكان مسجد قبة الصخرة، ولتحقيق هذا الهدف، كان هذا المشروع التهويدي ينتقل ويتقدم خطوة خطوة، من اقتحامات فردية الى اقتحامات جماعية، ومن صلوات فردية الى صلوات جماعية صامتة، وبعد ذلك صلوات تلمودية علنية، واداء طقوس تلمودية وتوراتية، بما في ذلك السجود الملحمي، ومن بعد ذلك تكثفت الاقتحامات للأقصى، وسعت الجماعات التلمودية والتوراتية، الى استحضار الهيكل المعنوي، عبر إدخال قرابين الهيكل النباتية الى الأقصى من سعف النخيل وثمار الحمضيات وأوراق الصفصاف، وكذلك القيام بعمليات النفح في البوق بشكل جماعي في ساحات الأقصى، ليس فقط كطقس ديني تلمودي توراتي، فالنفح في البوق عمل سياسي بامتياز، يرمز للسيادة والسيطرة والهيمنة، ولكن يجري تغليفه بالجانب الديني التلمودي التوراتي... ومن أجل العمل على ايجاد قدسية وحياة يهودية في الأقصى واحكام السيطرة الأمنية والإدارية عليه، وتكريس التقسيمين الزماني والمكاني فيه، ألقت الجماعات التلمودية بكل ثقلها وإمكانياتها مدعومة بقرار وضوء أخضر من المستوى السياسي، من أجل حشد أكبر عدد من المتطرفين في ساحات الأقصى في فترة الأعياد اليهودية الممتدة من 26 و27 أيلول الماضي، رأس السنة العبرية و5/تشرين اول ما يعرف بيوم الغفران، وعيد العرش الممتد من 10 – 17/ تشرين أول الحالي، موظفة الفكر التلمودي التوراتي والأسفار والأوامر التلمودية  في خدمة تحقيق الهدف، ولكن  كل  هذا التطرف وهذا الاستنفار، لم يفلح في تحقيق الهدف، بحشد 5000 متطرف في اليوم الثاني من عيد العرش، اليوم الزوجي الأول من بعد السنة السبتية مباشرة، والسنة السبتية، هي سنة "تبوير" الأرض عدم فلاحتها، تأتي مرة كل سبع سنوات ...هذه الاقتحامات المتواصلة والمستمرة، هي  بمثابة " بروفات ل"  تطويع" العقل الفلسطيني والعربي والإسلامي، وجعلهم ينظرون الى ما يقوم به المتطرفون اليهود من ممارسات وافعال  شاذه وصلوات تلمودية وتوراتية وطقوس  من نفخ في البوق وسجود ملحمي  وادخال قرابين الهيكل النباتية الى ساحات الأقصى كشيء طبيعي وعادي.


ولكن حالة الصمود والممانعة المقدسية من خلال الرباط والاعتكاف وتكثيف الوجود والحضور في الأقصى والتصدي لهؤلاء المتطرفين، وخوف حكومة الكيان من انفجار الوضع من بوابة الأقصى والقدس، واندلاع حرب مفتوحة عنوانها" القدس والأقصى  قد يفجر انتفاضة شاملة، لا تطال فقط مدينة القدس وكل الجغرافيا الفلسطينية، بل فلربما  تتطور الأوضاع الى حرب اقليمية، ولذلك لم ينجح المتطرفين ومن خلفهم  دولة الكيان، في ايجاد قدسية وحياة يهودية في الأقصى، ولم ينجحوا كذلك  في " كي" الوعي المقدسي، رغم كل حالة الهرولة والتطبيع العربي الرسمي، وأيضاً فشلوا في " كي" الوعي المقدسي، وفك علاقته بفكر وثقافة وخيار  المقاومة، بل شهدنا  تصعيد في العمل المقاوم في المدينة كرد مباشر وطبيعي على ما يرتكبه الاحتلال من جرائم وقمع وتنكيل بحق شعبنا ، أرض وبشر وتدنيس واقتحامات بحق مقدساتنا وفي مقدمتها الأقصى...ولعل ما شهده مخيم شعفاط عقب العملية النوعية والجريئة التي نفذها شاب فلسطيني ضد جنود الاحتلال على حاجز شعفاط، مساء السبت 8/10/2022، والتي أخرجت دولة الكيان عن طورها، مما دفعها لفرض حصار شامل وعقوبات جماعية بحق سكان مخيم شعفاط وعناتا وضاحية السلام ورأس خميس ورأس شحادة، عقوبات شلت كل المرافق التجارية والاقتصادية والمواصلات والتعليم، ولم يسمح حتى للحالات الإنسانية من مرضى الكلى والأمراض المزمنة بالخروج الى المراكز والمشافي الطبية، وما رافق ذلك من قمع وتنكيل وفرض مخالفات وعمليات دهم وتفتيش واعتقالات...كل ذلك لم يفض من عضد سكان المخيم ولم يكسر إرادتهم، بل قالوا بأننا سندافع عن وجودنا ومخيمنا، رمز نكبتنا، وسنبقى متمسكين بحقوقنا وثوابتنا، وبحقنا في العودة الى أرضنا التي هجرنا منها، وحق عودتنا لن يسقط بالتقادم.


يبدو بان الفلسطيني بعد مرور ما يقارب الثلاثين عاماً على كارثة اوسلو يستعيد وعيه، وبات على قناعة تامة، بأن هذا الاتفاق البائس الذي تخلى عنه المحتل، ولم يتبق منه سوى التنسيق الأمني والتبعية الاقتصادية، لن يقود الى احقاق حقوق شعبنا الفلسطيني، وهو لن يحرر أرضاً ولن يأتي بدولة، ولذلك يعلن هذا الشعب الطلاق مع هذا النهج والخيار والقائمين عليه.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير