ما الذي يدفع الأسرى لخوض معركة الإضراب المفتوح عن الطعام؟

11.10.2022 09:48 AM

 

كتب: وليد الهودلي

المعتقل عبد الباسط معطان مريض سرطان تكرّر اعتقاله الإداري بصورة وحشية منقطعة النظير، فما أن يطلق سراحه الا ويعاد بعد فترة وجيزة وكأنه معتقل دائم بين الحين والأخر يأخذ إجازة خارج السجن ثم يعيدوه اليه، بعد أن يمرّ في نفق التجديد تلو التجديد، كلما أنهى حكما وأراد أن يخرج أعيد الى السجن، مرمرة نفسية له ولأهله إضافة لآلام مرض السرطان والإهمال الطبي الذي يتركه صريع الألم والقهر أضعافا مضاعفة، ترى بأمّ عينك طيف يصبّ التوحش الصهيوني بكلّ أثقاله على رأس المعتقل والادهى وأمرّ دون لائحة اتهام ، يدخل المعتقل هذه الدوّامة المريعة ويخرج منها دون معرفة السبب، يتذوّق مرارة الظلم والطغيان المتوغّل في حياته فلا يذر فيها مساحة الا وملأها بسواده الحالك. وعبد الباسط يشكّل مثالا وحالة من حالات كثيرة بلغت مأساويتها عنان السماء دون أن تحرّك ساكنا أو يظهر بريق أمل يعيد لها فرصة العيش الإنساني الخالي من بؤس الاحتلال ولو لهنيئة من الزمن.

لذلك عندما يقرّر المعتقلون الاداريون الاضراب عن الطعام مثل ما يجري هذه الأيام من دخول ثلاثون معتقلا الاضراب منذ اثني عشر يوما يكون قرارا في منتهى الصعوبة، فإما أن ترضخ لسياسة هذا الاعتقال وتتلقى مآسيه أنت وأهلك ومجتمعك برحابة صدر وتلقي سلاحك جانبا مستسلما لرعونة الاحتلال وغطرسته وصلفه وبطشه الذي لا حدود له، أو أن ترفع سلاحك عاليا وهو أمعاءك وصبرك وجلدك وقوة ارادتك وإيمانك بعدالة قضيتك، عليك أن تُسكت صراخ الجوع في أعماقك، وأن تعضّ على نواجذك وأن تتحمّل ما لا تتحمله الجبال وأن تكون صخرة منيعة في وجه ريحهم السوداء.

هكذا إذا يتّخذ الاسرى خيار ذات الشوكة، خيار إنسانيتهم وروحهم العالية في مواجهة الطغيان الأسود الذي تنضخ منه القلوب الحاقدة المحيطة بهم بأسوارها المنيعة العالية. وماذا يملكون في جعبتهم سوى هذا السلاح ، وهم بذلك يراهنون على أن تحرّك أمعاءهم الخاوية سواعد المواجهة مع المحتلّ خارج السجن، فآلامهم تحرك الشارع وتُخرج ما فيه من قوة وبأس، وهذا الذي يدفع الاحتلال ليعيد حساباته معهم فيستجيب لمطالبهم ويخفّض من سقف الاعتقال الإداري وذلك مرهون بحجم حركة الشارع.

فالدافع اذا للمضربين هو أنهم أمام خيارين أحلاهما مرّ ، السكوت وتمرير الاعتقال بصبر جميل وأن نتلقّى هذه العصا الغليظة بصمت، وقد قضى كثير من المعتقلين الذين سلّطت عليهم هذه العصا المرة تلو الأخرى ما يزيد عن نصف أعمارهم، فباجس نخلة مثلا قضى اكثر من عشرين عاما وعبد الرزاق فراج والشيخ حسن يوسف وجمال الطويل واحمد قطامش وسامي حسين والقائمة طويلة جدا ، لذلك ولكي لا يواجه المعتقلون ذات المصير كان لا بدّ من أن يشهد هذا الميدان بين الحين والأخر هذه الإضرابات وكان في هذا السياق اضراب الثلاثين هذه الأيام.

إنها معركة قاسية وصعبة ولكن لا بدّ منها فهو الخيار الذي مهما بلغت مرارته هو الاقلّ مرارة من تلك العصا التي يصر الاحتلال عليها في وجه النخبة النشيطة في المجتمع الفلسطيني ليدفعهم للانتحار السياسي والثقافي والنضالي، وبالتالي دفع المجتمع باسره ليكون طيّعا متعايشا مع الاحتلال وكل ما فيه من مآسي ودمار.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير