لماذا نحتفي باردوغان؟...بقلم: سلامة احمد سلامة
استقبل الشعب المصرى بحفاوة غير مسبوقة زيارة رئيس وزراء تركيا رجب طيب أردوجان والوفد المرافق له، فجرت على المستوى الشعبى والرسمى مشاعر متباينة من الإعجاب والتقدير. أعادت إلى الأذهان أشواق المصريين إلى طراز من القيادات السياسية الرفيعة.. التى تجمع بين الرؤية الثاقبة والذكاء السياسى والثقافة الواسعة. مع قدر كبير من التواضع الذى لا تفسده مشاعر الإحساس بالعظمة أو حب الذات. ولا تستمد مكانتها من انقلاب عسكرى أو تصعيد ثورى. بل تعتمد على الحس المباشر بما يعتمل فى نفوس الناس، وتعتبر أن الحفاظ على كرامة الإنسان هى من كرامة الوطن.
ولابد أن يكون المصريون قد وجدوا فى أردوجان من الصفات ما افتقدوه فى زعاماتهم.. إذ وضعتهم المقادير رغم ما أعطاهم التاريخ والجغرافيا من مكانة جعلت من مصر «أم الدنيا» على حد قول أردوجان، إلا أن عقودا من المعاناة والنكسات حرمتهم من التقدم على قدم المساواة مع أمم أخرى. ولم تمنحهم من القيادات الرشيدة ما منحت تركيا وماليزيا والبرازيل وجنوب أفريقيا.. وغيرها من شعوب العالم البازغة مع مطالع القرن الواحد والعشرين.
فى حديثه إلى المصريين لم يقتصر أردوجان على التنويه والتفاخر بما حققته تركيا من إنجازات على طريق التنمية والتقدم، ولكنه لم يترك الفرصة دون أن يشرح لنخبة المثقفين والسياسيين كيف تشكل حزب العدالة والتنمية عبر عدد قليل من السنوات، طبقا لتخطيط علمى مدروس يقدم نموذجا ناجحا للديمقراطية فى إطار من الوسطية تؤمن بالحداثة والعولمة والاقتصاد الحر. وتقر بالفصل بين الدين والدولة، ولكنها تعترف بدور الدين فى الحياة الروحية والثقافية للفرد.. وهو ما حاول أن يعظ به المصريين للخروج من الإخفاقات الطائفية، التى تهدد المسيرة بين حين وحين.
لم تتوقف تركيا فى مسيرتها النهضوية عند المادة الثانية من الدستور، ولا أضاعت وقتها فى النظر إلى الوراء بحثا عن شبح الخلافة الإسلامية، التى شهدت آخر محطة لها فى اسطنبول من دون أن يعنى ذلك ردة عن الإسلام أو تنكرا لتاريخها القريب ــ وقد أدرك دعاة النموذج التركى أن الحداثة بمعطياتها تتجاوز المظاهر الشكلية، التى كبلت حركة التقدم للشعب التركى عقودا عديدة. وفهمت مصطلح العلمانية على أنه وقوف الدولة على مسافة متساوية من كل الأديان. ولذلك كان من الغريب أن تتردد فى هتافات شباب الإخوان الدعوة لإقامة الخلافة الإسلامية، وهم يرحبون بأردوجان وكأنهم لا يشعرون بحركة التاريخ والعالم من حولهم.
وربما كان أكثر ما أثار إعجاب المصريين والشعوب العربية فيما أظن، ذلك الموقف الصلب الحاسم من إسرائيل.. فعلى الرغم من أن علاقات البلدين تركيا وإسرائيل شهدت تطورا مثيرا فى مجالات التعاون المختلفة، حين كانت تركيا أول دولة إسلامية تعترف بإسرائيل وتقيم معها علاقات سياسية واقتصادية وعسكرية، فإن ذلك لم يحل دون أن تنقض تركيا هذا النسيج القوى المعقد من العلاقات، حين بدا أن العربدة الإسرائيلية باتت تهدد مصالح تركيا، فرفضت الاعتذار عن مقتل الأتراك التسعة فوق سفينة الإغاثة الإنسانية التى وجهتها تركيا للفلسطينيين المحاصرين فى غزة.
ومع ذلك فلا مجال للمقارنة بين موقف تركيا إزاء إسرائيل ومواقف الدول العربية. إذ لم تكتف تركيا بالتصريحات والتهديدات والمظاهرات، التى تفصح عن حجم الكراهية والعداء لإسرائيل، كما يفعل العرب، وكما فعلنا نحن بحرق العلم الإسرائيلى، ولكنها مارست تصعيدا مدروسا لحصار الوجود الإسرائيلى وكشفه وإضعافه. ووضعت إسرائيل بذلك تحت ضغط مستمر أشعر الإسرائيليين بعزلتهم، ووجه ضربة موجعة إلى النفوذ الأمريكى المتحالف مع الصهيونية فى الشرق الأوسط. ومن هنا فإن دعم تركيا لمسيرة الربيع العربى فى مصر وتونس، ووقوفها إلى جانب الشعب السورى ودعمها للثورة الليبية قد أضاف لرصيدها السياسى فى المنطقة العربية، وجعل منها لاعبا قويا، بينما يتوارى إلى الخلف أصحاب الثروات البترولية والزعامات الهشة والأيدى المرتعشة، التى حولت منطقة الشرق الأوسط إلى منطقة صراع على المصالح بين الدول الكبرى ضد مصالح شعوبها.
عن الشروق المصرية
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء