زغرودة أم ابراهيم النابلسي

13.08.2022 09:01 PM

كتب: ريما كتانة نزال

استفزت زغرودة أم ابراهيم النابلسي في أعقاب استشهاد ولدها ابراهيم على يد سلطات الاحتلال ادارة الفيس بوك، فقامت تلك الادارة برد فعل مباشر وعقابي بحظر عدد من الحسابات الفلسطينية العائدة لنشطاء من الإعلام الاجتماعي، إما بشكل مؤقت أو تأبيده، عقابا لهم على تداول الفيديو الذي سجلته الأم الثكلى، نظرا لتأثيره الواسع حيث تصرفت "ام ابراهيم" بشجاعة ورباطة جأش استثنائيين سيسجلهما التاريخ الفلسطيني باحرف من نور.

لقد لخصت أم الشهيد ببلاغة رسالة ابنها الوداعية البسيطة والمختصرة لكنها كبيرة بمعانيها ودلالاتها ووضوحها،و التي دلت على قيادية صاحبتها وإرادتها الحرة. لقد حرّضت أم ابراهيم الشباب على النضال والمقاومة والاقتداء بابنها الشهيد دون أن تعير الحالة البائسة العامة من عدم الاكتراث واللامبالاة التي لها أسبابها، بل كانت معنية فقط باستنهاض الشباب ودعوتهم إلى مواصلة طريق المقاومة والنضال.
لم تقرأ أم ابراهيم رسالة الشهيد فقط بل لحنت خطابها على هديها، ورأت وقرأت وسمعت بوضوح الشارع النابلسي وهدير الجنازة المهيبة بكل المستويات والمعاني كاستفتاء على نهج المقاومة، ولمست الحالة الغاضبة والمتمردة التي تنمو باضطراد على الواقع المهين داعية إلى تجاوزها بإرادة النضال.

لقد استوعبت ام ابراهيم رسالة الاحتلال القائم على استهداف فصل المقاومة والمقاومين عن حاضنتهم المجتمعية ، بتحويل فكرة مقاومة الاحتلال المقدسة بنظر المجتمع إلى مشكلة ترتد على الشعب دمارا ووبالا ، من خلال تحميل المقاومة المسؤولية عن الدمار المادي للبيوت والمرافق والاقتصاد والحياة،ولصق التهمة بالنضال المقاوم بزعزعة استقرار وأمان المجتمع ووانه حجر عثرة أمام تطوره، بينما الاحتلال في المقابل يبدو مستعداً لتقديم "الخدمات والتسهيلات" الاقتصادية والمعيشية والحياتية كرشاوى صغيرة لذر الرماد بالعيون وخلط الاوراق كسياسة تفرقة عنصرية.

لقد كشفت الأحداث الأخيرة: العمليات العسكرية على قطاع غزة والاقتحامات التي تشهدها الضفة الغربية وخاصة: في القدس وجنين ونابلس، بأنها حلقات مترابطة في سياسات الاحتلال وحكومته لحمل الشعب على القنوط والاستسلام، ولخفض سقف طموح الشعب وتوقعاته في حصوله على حقوقه الوطنية المشروعة، بما فيها ترسيخ الشعور السائد في المجتمع بأنه بلا قيادة توفر له الحماية والعيش الكريم، موجهة رسالة خفية للسلطة الفلسطينية بأن الاحتلال جاهز لمواجهة وقمع أيّ جهد مُقاوم دون مراعاة لها ولهيبتها أمام شعبها في حال عجزها عن القيام بقمعه بنفسها. انها سياسة عصا الاحتلال وجزرته الموجهة إلى الشعب والسلطة، معاً.
وحري القول ان غياب حماية الشعب واستمرار الانقسام وحالة تفتت وتآكل السلطة وهيبتها وعجز فصائل العمل الوطني رسخ حالة التذمر العامة، ورفع الستار بفظاظة عن فضيحة غياب خطة لمواجهة الاحتلال وحماية المجتمع، بعيداً عن الشعارات اللفظية التي أسقطها الاحتلال على الأرض. فالشعب يريد قيادة حقيقية تمتلك خطة لمواجهة الاخطار تقود الشعب وتنخرط معه في المعاناة، قيادة حقيقية  تتحمل المسؤولية لا أن تصبح بصراعاتها عبئا على المجتمع بتناحرها وتصفيتها لحسابا بعضها البعض.

ولا ريب ان الاحداث وما سبقها من احداث وتحديات كثر اكدت للمرة المليون ان شعبنا بحاجة الى مراجعة شاملة للسياسة المتبعة من قبل القيادة الفلسطينية، وقد بتنا لا نحتاج للكثير من العناء في اجتراح خطة مواجهة كفيلة، إذا ما التزم بها، بإعادة ترتيب الفوضى العارمة لمعادلة حجارة القضية الفلسطينية، بالاعتماد على المقاومة ودعم صمود المجتمع وخاصة في المناطق التي تتعرض للبطش أكثر من غيرها، يسبقها الخروج من التزامات اتفاقية أوسلو كونه لا يمكن الجمع بين المقاومة الجماهيرية والاتفاقية التي كرست الاحتلال وشرعت احتلاله الارض، الذي من شأنه أن يوفر الالتفاف الشعبي حوله، وبالإرادة السياسية التي تمكن من الخروج من نهج الرهان على أمريكا وأوهام عملية سياسية ومفاوضات متوزانة، ثبت مراراً فشلها.

 

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير