هدم جدار وكر الموساد../ بقلم: فايز رشيد
لعل ما قام به إخوتنا المصريون في القاهرة من هدم لجدار السفارة الإسرائيلية واقتحامها، يمثل الشعور الشعبي للأمة العربية الواحدة من المحيط إلى الخليج تجاه إسرائيل، الدولة والحركة الصهيونية بشكل عام، فإقامة هذه الدولة المصطنعة في قلب الجغرافيا العربية جاء للتآمر عليها، ولمنع وحدتها وتكاملها على كافة الأصعدة والمستويات الرسمية وغير الرسمية، فالسفارات الإسرائيلية في الخارج وتحديداً في بعض الدول العربية تعتبر وكراً للتآمر، ومركزا للاستخبارات، ومقراً لرسم المخططات، ومتابعة ذوي النفوس الضعيفة ممن يحتلون مراكز من أجل شرائهم بحفنة من الدولارات، مقابل التجسس على أوطانهم وأهلهم وبلدانهم، ومدّ الإسرائيليين بالمعلومات كما كشفت بعض الوثائق التي تمت مصادرتها من وكر التجسس والإرهاب الصهيوني الأسود في عاصمة عبد الناصر،عاصمة التحرر العربي والعالمي، والتي كانت مركزاً للأحرار من كل دول العالم، ومقراً لحركات التحرر الوطني في القارات الثلاث: آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية، وكانت محجاً للباحثين عن الحرية. جاء السادات ليضّيع كل هذا التاريخ وليوقع اتفاقية كمب ديفيد وليفتح هذا الوكر في قاهرة المعز.
لقد فشل التطبيع الذي حاولته إسرائيل وعملاؤها منذ توقيع اتفاقية كمب ديفيد وحتى اللحظة، وبدلاً من قبول إسرائيل كدولةً من دول المنطقة، زادت حدة عداء الجماهير العربية للحركة الصهيونية وتعبيرها الإسرائيلي،الذي انفطر على التآمر والعدوان، وارتكاب المذابح ومنها مذبحة بحر البقر، وقتل الجنود المصريين أحياءً في سيناء في حرب عام 1967، والتآمر على النسيج الاجتماعي للشعب المصري بتخطيط الدسائس وحياكة المؤامرات، وإثارة المذهبية والطائفية، ونشر المخدرات والدعارة وزرع الجواسيس، والتهديد بقصف السد العالي، ومنع مصر من امتلاك الأسلحة التي تعتبر خطراً على الأمن الإسرائيلي، ومنع الجيش المصري من دخول سيناء، واستباحة الشواطئ المصرية على البحر الأحمر بأفواج السياحة الإسرائيلية، وكل ذلك انطلاقاً من خلفية الصلف والعنجهية والاستعلاء والنظر بدونية مطلقة إلى العرب (الأغيار)، والجيد منهم (لا يستحق سوى القتل) وفق الأساطير والأضاليل الصهيونية وفتاوي الحاخامات (بجواز قتل نسائهم وأطفالهم حتى لا يلدن ولا يكبرون خوفا من أن يصبحوا خطراً على شعب الله المختار،الذي اختار شعباً بلا أرض لأرض بلا شعب، وهؤلاء العرب ليسوا أكثر من صراصير وثعابين وأفاعي، وهم دكتاتوريون وقمعيون لا يجوز التعامل معهم إلا من خلال القوة باعتبارها الوسيلة الوحيدة التي يفهمونها....) إضافة إلى كل التعاليم الشبيهة الأخرى، التي (أكرم الإسرائيليون العرب بها) بعد اتفاقيات ما يسمى بالسلام مع العدو الصهيوني.
إضافة إلى كل ما سبق، التنكر المطلق لكل الحقوق الوطنية الفلسطينية والعربية، والاستيطان، وبناء الشرق الأوسط الجديد بالمال العربي والعقلية اليهودية (باعتبارها الأعلى ولا يمكن لعقلية بشرية من جنس آخر أن ترقى إلى مستوياتها المتقدمة!) ألم نسمع كل ذلك منذ ما قبل تشكيل الدولة الصهيونية وأثناءها وما بعد وخاصة في مرحلة اتفاقيات (السلام) مع العدو الصهيوني؟ ألم يفت الحاخامات الإسرائيليون بهذه الفتاوى؟ ألم يقل شمعون بيريز ما ذكرناه عن تزاوج المال والعقلية في كتابه الشرق الأوسط الجديد؟ ألم يورد بنيامين نتنياهو جزءاً مما ذكرناه في كتابه "مكان تحت الشمس"؟ ألم تمارس إسرائيل المذابح في فلسطين ولبنان ومصر وغيرها من الدول العربية؟ وغير ذلك من أشكال العدوان والهجمات الإسرائيلية. ألم تقم إسرائيل ورغم اتفاقيات ما يسمى بالسلام مع بعض الدول العربية بالهجوم على لبنان في عام 1982 وفي عام 2006؟ وإعادة اجتياح الضفة الغربية والعدوان على غزة رغم اتفاقيات ( السلام) المزعوم ومن بينها جهة رسمية فلسطينية؟.
هذا غيض من فيض من (بركات إسرائيل السلامية) على الوطن العربي! وبعد هدم جدار السفارة اهتزت واشنطن وكل العواصم الغربية حرصاً على حياة بعض الدبلوماسيين الإسرائيليين من المتواجدين في السفارة الإسرائيلية في القاهرة، بينما شعب يُذبح في الأراضي الفلسطينية المحتلة صباح مساء، ويحاصر للعام الرابع على التوالي في غزة، وممنوع على المتضامنين معه إرسال أية مساعدات إليهم، وإذا ما فعلوا ستهاجمهم إسرائيل وتقتلهم كما حدث مع السفينة مرمرة! نعم مسموح لإسرائيل أن ترتكب العدوان في كل يوم وبكافة أشكاله على الفلسطينيين والعرب، وممنوع على هؤلاء قول (أخ) وممنوع عليهم الرد (عملية إيلات مثلاً) وإن ردوا ستقوم إسرائيل بقتل عناصر من المتواجدين في سيناء من الجيش المصري، والقيام بالقصف على غزة في كل يوم، وإسرائيل لا تعتذر ولن تعتذر لمصر عن قتل الجنود وإنما تعرب عن أسفها للحادثة.
أليس كل ذلك هو ما يحصل؟ أليس هذا ما تقوم به إسرائيل في مرحلتنا الراهنة الحالية؟ أليس كل هذا يجري على سمع وبصر كل الجماهير العربية من المحيط إلى الخليج؟ أليس من ضمنهم هؤلاء الإخوة المصريون الذين قاموا بهدم جدران السفارة واقتحامها؟ جهات عديدة محلية وإقليمية ودولية استنكرت الحادثة، لكنها لم تستنكر ما تقوم به إسرائيل من جرائم بحق كل العرب ومن ضمنهم الفلسطينيين.... أليس الجزاء من جنس العمل؟ أليس لكل فعل رد فعل مساو له في المقدار ومعاكس له في الاتجاه؟ أسئلة نطرحها برسم كل مستنكري هدم الجدار؟
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء