مراهقون السوشيال ميديا على حواف نهج الأهالي والمربين

21.06.2022 03:36 PM

 كتب عبدالرازق غزال : أعجب ما في الأمر الذي نحن بصدد الحديث عنه، أنه ومع انتهاء العام الدراسي واتمام الطلبة لليوم الدراسي الأخير ، أظهرت صور وفيديوهات بعض وسائل التواصل الاجتماعي جمهورا غفيراً من الطلبة يتقادفون الكتب والدفاتر على الطرقات، ويزعقون ويهتفون بأعالي الصوت مبتهجين بالخلاص من العام الدراسي. على المستوى الرسمي لم نرى جرأة لدىّ صانع القرار في طرح السؤال البديهي والذي طال انتظاره ( لماذا لا يحب الطلبة المدرسة؟).

لم يعد انتاج المعرفة والتثقيف التقليديين لفئة المراهقين مسألة جوهرية أو حتى ممكنة، أو أن تأثيرها يصل لــ" التريند" بالنسبة لهم.  وقد شاع في السنوات القليلة الماضية تماهي الكثير من المراهقين  مع مواقع التواصل الاجتماعي أو برامج التوك شو، فبعض مراكز البحث تتحدث عن قرابة نصف الأطفال اللذين تتراوح أعمارهم بين ١٣ و١٧ عاما متصلين بالإنترنت بشكل مستمر على feacebook,you tube, instagram, snapchat.

لم ينتبأ عالم النفس السويسري جان بياجيه، صاحب نظرية التطور المعرفي قبل خمسين عاماً، بدور السوشيال ميديا في تطور النمو المعرفي لدى الأطفال والمراهقين، والذي طالما تحدث هذا المفكر عن نظريته بحسم، وأكد فيها  أن التنظيم التصاعدي لتطور العمليات العقلية لدى البشر ينبغي أن يقترن بالضرورة  بما يسمى بالنضج الحيوي والخبرات البيئية الواقعية التي يتعرض لها ويلامسها الأطفال والمراهقين، وهذا ما دفع به إلى طرح نظرية عالمية حول مراحل التطور المعرفي لدى الأطفال، ويصف فيها أنماط شائعة ومعينة من المعرفة لكل مرحلة من مراحل النمو لديهم.

لكن ماذا يفعلون وماذا يتعلمون الأطفال  والمراهقين من مواقع التواصل الاجتماعي؟، وهل تتطور أذهانهم أم تتشتت؟ وكيف تتنافس الشركات الكبرى فيما بينها لملاحقة غرائزهم؟. كثيرة هي الدراسات والأبحاث، والمنابر الإعلامية التي تناولت فيما مضى وتحت سقف؛ "سلبيات وايجابيات" الإنترنت على صحة وعقول الأطفال والمراهقين من الجنسين، مع ذلك فالكثير من النصائح والإرشادات  والطرائق التي يقدمها أصحابها والتي هي في الغالب موجه للأهالي، لم تفلح في ثني الأطفال والمراهقين عن فك ارتباطهم وتعلقهم بمواقع ووسائل التواصل الاجتماعي.  يبدو لي أن كثرة المشاكل التي يواجهها المربين والأهالي مع الأطفال والمراهقين، دليل على المعالجة الجزئية والغرق في التفاصيل الخاصة بسلوك الأطفال والمراهقين وليست تلك الخاصة بهم كأهالي ومربين، أو حتى بالنظام التربوي والتعليمي السائدين،  والنتيجة ربما هي دليل على نهج بائس لايزال يتكرر إلى يومنا هذا.

ببساطة الأبناء والبنات ليسوا تكرارا لنسخ طبق الأصل عن الوالدين بل هم كيانات تتصف بتجاوز الأصل في أغلب الأحيان، كما هو شأن التقدم في الحياة ذاتها، فالحياة العاطفية والاجتماعية للأبناء والبنات ليست نسخة طبق الأصل عن حياة والديهم،  ولا يجوز أن تكون كذلك. فالأبناء يكبرون في عالم مختلف إلى حد بعيد عن ماضي الوالدين، ومتطلبات التعامل مع هذا العالم المغاير وإيجاد المكانة فيه ومتطلبات النضج العاطفي يجب أن تراعي خصائصه وتحولاته. 

إن المسألة الجوهرية تكمن في الحرية، حرية الإختيار والتفكير والتعلم.  لم يخطأ المربي خليل السكاكيني عندما وجد ضالته، وأسس المدرسة الدستورية،  أسسها على على مبدأ احترام الطالب وإعزازه وإطلاق حريته،  كما كتب" لا ينبغي أن يتهيئ طلابنا كي يكونوا أحرارا في المستقبل فحسب، بل أن يكونوا أحرارا منذ اليوم، وإذا لم يكونوا أحرارا منذ اليوم، فلن يكونوا أحرارا إلى الأبد". تطرأ مسالة الحرية لدى الأبناء والنبات في العالم اللإفتراضي،  فالمراهق يحتاج إلى الفطام النفسي من التبعية والاتكالية على توجهات وتحكم الأهل والمعلمين، كمرحلة في دخوله إلى عالم الشباب، وتوظيف قدراته العقلية الناشئة لإدارة حياته. حيث يرغب الكثير من المراهقين تجاهل سؤال الأهل عن قضاياه خوفاً من أن يعني ذلك أنهم مازالوا ينظرون إليه بمثابة طفل عاجز عن توجيه ذاته. على العكس يجابه ويجادل ويكتشف الثغرات والتناقضات وأوجه القصور في تفكير الأهل كي يشعر بأنه قوي بدوره، وأنه لم يعد طفلاً. إن العالم الإفتراضي لا يبدو لي بأنه بديلاً عن الأهل أو المعلمين، بل هو  اليوم يشكل فضاءا غير محدود للتعبير عن خياراته بحرية ودون قيود. هذا الفضاء لن يجده في الواقع المعيش بين أهله ومربيه.

في فضاء الإنترنت يريد المراهق في هذه الأيام أن يكون (قباطناً) لمركبته، يدير حياته الخاصة بفضل نمو قدراته الذهنية، وفي أحسن الأحوال يطلب محبة الأهل وتقبلهم ومساندتهم مع تركه يقود مركبته. إنهم يتصرفون وكأنهم يبعدون الأهل بمجابهاتهم الفكرية لأنهم يتخيلون أن الأهل لا يعترفون بما يكفي بقدراتهم ومشاعر القوة الذاتية اللازمة لها، وبالتالي لا يماشون متطلباتهم في الاستقلالية والقرار. بينما يريد الأهل البقاء متمسكين بدفة توجيه مراكب أبنائهم لأنهم يخشون عليهم من الوقوع في المشكلات والعجز من توجيه الدفة.  وهنا ينبغي إعادة التركيز على القاعدة الأساسية، هي شعور المراهقين بأنهم مؤهلين لإدارة حياتهم وأنهم يستحقون المعاملة وفق خياراتهم ويستمتعون بقدراتهم العقلية ويجربون ويخطئون في حياتهم، وليس أشد إيلاماً عليهم من التقليل من تفتح قدراتهم الذهنية ومحاولة السيطرة على أفكارهم ومشاعرهم.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير