إضاءة على الغرفة القضائية الاقتصادية لدى محكمة بداية رام الله ومحكمة استئناف القدس

18.06.2022 05:04 PM

 

(وفق نظام الغرفة الاقتصادية لدى محكمة بداية رام الله ومحكمة استئناف القدس رقم (2) لسنة 2022 وتعديلاته رقم (10) لسنة 2022)

كتب:  الأستاذ نور الدين صريع

مؤخرًا، ولأن مجلس الوزراء الجهة المخولة قانونًا بموجب نص المادة (70) من القانون الأساسي الفلسطيني بإصدار الأنظمة، وبناءً على تنسيب من مجلس القضاء الأعلى في جلسته رقم (26) لسنة 2021، فقد أصدر مجلس الوزراء  نظام الغرفة الاقتصادية لدى محكمة بداية رام الله ومحكمة استئناف القدس رقم (2) لسنة 2022، والمنشور في الجريدة الرسمية عدد (189) بتاريخ 29/3/2022، والذي تبعه سرعانًا من ذات العام النظام المعدل رقم (10) والمنشور في العدد (191) بتاريخ 25/5/2022، ليعدل البندين (ه، و) من الفقرة الأولى من نص المادة (2) من النظام الأول أعلاه. وبطبيعة الحال أن النظام يتبع تشريعًا عاديًا بالأصل: لا يعدل ولا يلغي ولا ينشئ، يوضح ويفسر وينظم، الأمر الذي يطرح بصدده تساؤلًا: ما هو الأساس القانوني لإنشاء الغرفة الاقتصادية لدى محكمة بداية رام الله ومحكمة استئناف القدس؟ مع العلم أن هذه الغرفة تنشأ بقرار من رئيس مجلس القضاء الأعلى بموجب نص المادة الأولى من النظام أعلاه، فبوجه آخر للتساؤل إذن: ما هو الأساس القانوني لصلاحية رئيس مجلس القضاء بإنشاء غرفة قضائية في ظل أن الأنظمة التي تصدر عن مجلس الوزراء لا تخلق أحكامًا جديدة؟

   وقبل الإجابة على هذا التساؤل، لا بد لنا من توضيح عام لفكرة الغرفة القضائية. فالغرفة القضائية بالأساس هي محكمة تنعقد داخل قاعة محكمة محددة بالقانون الأصل، وتختص بنظر نوع معين من الدعاوي (المنازعات)، وذلك بهدف التحلل من التكدس الكبير في عدد الدعاوي من هذا النوع أمام المحاكم النظامية، ولعدم إطالة أمد إجراءات التقاضي، والإسراع بالبت في هذه المنازعات بالتالي، وعلاوةً على ذلك: أن الهدف الأساسي من نظام الغرف القضائية هو جعل من ينظر في هذا النوع من الدعاوي هو قاض مختص علميًا بموضوعها، فالقاضي في محكمة البداية مثلًا هو ليس مختص علميًا بنوع معين من المنازعات، فينظر في المنازعات الحقوقية على كافة أنوعها وأشكالها عادةً، أما قاضي الغرفة القضائية فهو متخصص في فرع معين من القانون، فإذا كانت هذه الغرفة مثلًا لنظر الدعاوي العمالية على وجه الخصوص؛ فإن القاضي الذي سينظر موضوع الدعوى هو قاض متخصص علميًا في الحقوق العمالية، وبالمقابل إذا ما كانت الغرفة متخصصة للدعاوي الناشئة عن المعاملات التجارية، فإن القاضي الذي سينظر النزاع  في الغرفة هو قاض متخصص في المعاملات والمنازعات التجارية.

   وفي الإجابة على التساؤل المطروح أعلاه، فإنه وببساطة الأمر، ووفق القرار بقانون رقم (39) لسنة 2020 بشأن تشكيل المحاكم النظامية، بات لرئيس مجلس القضاء الأعلى صلاحية إنشاء غرف قضائية في محاكم البداية تختص بنظر نوع معين من المنازعات، سواء كانت حقوقية الأصل أو جزائية، وذلك تحديدًا بموجب نص المادة (10/ف 3،4) والتي نصت على أنه: " 3. تنشأ في محكمة البداية غرفة قضائية للنظر في الدعاوى الحقوقية وغرفة قضائية أخرى للنظر في الدعاوى الجزائية، وتضم كل غرفة هيئة واحدة أو أكثر وفقاً لما يحدده رئيس محكمة البداية بحسب الحاجة، ولرئيس محكمة البداية إنشاء هيئة قضائية متخصصة ضمن كل من الغرفة الحقوقية أو الغرفة الجزائية، ضمن محكمة البداية ومحاكم الصلح التابعة لها، إذا كان حسن سير العمل القضائي يستدعى ذلك. 4. بالإضافة إلى ما ورد في الفقرة (3) من هذه المادة، لرئيس مجلس القضاء الأعلى إنشاء غرف قضائية متخصصة أخرى ضمن محكمة البداية إذا كان سير العمل القضائي يستدعي ذلك، على أن يحدد الاختصاص النوعي والقيمي والمكاني لكل منها بموجب نظام." ولأن النظام يصدر عن مجلس الوزراء كما وضحنا أعلاه، فقد أصدر مجلس الوزراء نظام الغرفة الاقتصادية لدى محكمة بداية رام الله ومحكمة استئناف القدس رقم (2) لسنة 2022.

   وفي ذات السياق، ولكون التقاضي على درجتين؛ فإن القرار بقانون المذكور أعلاه ذاته أناط برئيس مجلس القضاء صلاحية إنشاء غرف قضائية متخصصة في محاكم الإستئناف تختص بنظر استئناف الأحكام والقرارات الصادرة عن الغرف الاقتصادية من ذات الإختصاص النوعي المنعقدة في محكمة البداية، وهذا بموجب نص المادة (13/ف 2، 3) من ذات القرار بقانون، والتي نصت على أنه: " 2. تنشأ في كل محكمة استئناف غرفة قضائية للنظر في الدعاوى الحقوقية، وغرفة قضائية أخرى للنظر في الدعاوى الجزائية، وتضم كل غرفة هيئة واحدة أو أكثر وفقاً لما يحدده رئيس محكمة الاستئناف حسب الحاجة، ولرئيس محكمة الاستئناف إنشاء هيئة قضائية متخصصة ضمن كل من الغرفة الحقوقية أو الغرفة الجزائية. 3. بالإضافة إلى ما ورد في الفقرة (2) من هذه المادة، لرئيس مجلس القضاء الأعلى إنشاء غرف قضائية متخصصة أخرى ضمن محكمة الاستئناف حسب الحاجة، على أن يحدد الاختصاص النوعي والقيمي والمكاني لكل منها بموجب نظام."

   وبناءً على ما ذكر أعلاه، فإنه لرئيس مجلس القضاء الأعلى بقرار منه أن ينشئ غرفة قضائية ضمن محكمة بداية إذا ما اقتصى حسن سير العمل القضائي ذلك، وهذه الغرفة يحدد اختصاصها النوعي والقيمي والمكاني بموجب نظام، ولم يحدد القرار بقانون أعلاه عمن يصدر هذا النظام، ومجلس الوزراء (على حد ادعاء) وبموجب صلاحيته بموجب نص المادة (70) من القانون الأساسي كما وضحنا أعلاه أصدر نظام الغرفة القضائية الاقتصادية لدى محكمة بداية رام الله ومحكمة استئناف القدس، ونحن بدورنا نرى أمر أن يصدر مجلس الوزراء نظامًا باختصاصات هذه الغرفة هو تعدٍ صارخ على مبدأ الفصل بين السلطات، وتغول للسلطة التنفيذية في السلطة القضائية، فالأصل أن يصدر هذا النظام عن مجلس القضاء الأعلى _ وهو رأس هرم السلطة القضائية في فلسطين _ وذلك على حدٍ من القول أن من يملك الاكثر يملك الأقل، فيمن يملك صلاحية الإنشاء يملك صلاحية التنظيم، وإذا ما صدر النظام عن مجلس القضاء فإنه والحال يحافظ على الأقل على الفصل المرن بين السلطات الثلاثة، ويبقينا بمنأى عن أي مخالفة وتداخلات معقدة، وإلا ما الحاجة الضيقة لأن يصدر مثل هذا نظام عن مجلس الوزراء؟! ولمن يرى أن هذا النظام صدر بموجب تنسيب حرفي من مجلس القضاء، وهو بذلك لا يخالف مبدأ المشروعية، لأن إصداره من مجلس الوزراء بناءً على تنسيب ملزم يكون والحال إصدار النظام الخاص بالغرفة القضائية صلاحية فخرية لمجلس الوزراء ليس إلا، فهذا قول منطقي للوهلة الاولى، لكنه لا يعالج مسألة أنه يبقي لمجلس الوزراء أن يعدل هذا النظام ولو دون تنسيب، لأننا لم نجد قانونًا يلزم مجلس الوزراء بتنسيب مجلس القضاء في هذا الشأن، الأمر الذي يكون معه التنسيب بمثابة توصية ليس إلا، وعلاوةً على كل ذلك، فإن إصدار اللوائح والأنظمة بشأن تنظيم العمل القضائي هي صلاحية يحتكرها مجلس القضاء الأعلى بموجب نص المادة (80) من قانون السلطة القضائية رقم (1) لسنة 2002، والتي نصت على أنه: " يضع مجلس القضاء الأعلى اللوائح اللازمة لتنفيذ أحكام هذا القانون."

   وعلى أي حال، وإبان بحثنا عن مصدر النظام رقم (2) لسنة 2022، فإننا وبالحقيقة النجمية وجدنا  أن فكرة الغرفة الاقتصادية بأحكامها واختصاصاتها منقولة حرفيًا عن المشرع الأردني، وتحديدًا عن نصوص المواد (4/د) و(6/ج) من قانون تشكيل المحاكم النظامية الأردني المعدل رقم (30) لسنة 2017، إذ أنشأت على ضوء هذه النصوص غرفةً اقتصادية في محكمة بداية عمان ومحكمة استئناف عمان، ولكنها في الأردن أنشئت وحددت اختصاصاتها بموجب تشريع عادي والسالف ذكره، وليس بقرار بقانون ويتبعه قرار من مجلس القضاء الأعلى، وبنظام من مجلس الوزراء لتحديد اختصاصاتها.

   ونظن بدورنا أن تسمية هذه الغرفة "بالغرفة الاقتصادية" جاء من خلفية اختصاصاتها النوعية ليس إلا، فهي وبإطلاعنا على نص المادة (2) من النظام رقم (2) لسنة 2022 وتعديلاته رقم (10) من ذات العام، نجد أن غالبيتها انحصرت في المنازعات التجارية، واختصاصها هذا هو اختصاص نوعي متعلق بالنظام العام، ويتبعه أحيانًا بعد نوع النزاع الإختصاص القيمي، فهي تختص مثلًا بالدعاوى المتعلقة بعقود الإنشاءات والمقاولات الإنشائية التي تزيد قيمتها عن مائة ألف دينار أردني، فهي لا تختص بكافة المنازعات في عقود المقاولات، بل ما يزيد قيمة المطالبة فيها عن مائة ألف دينار أردني فقط، وما عداه يتحدد باختصاص محكمة البداية أو الصلح تبعًا لقيمة المطالبة. وفي تحديد اختصاصات الغرفة الاقتصادية، والوارد النص عليها في المادة الثانية من النظام رقم (2)، فإنها تتمثل بالآتي:

1.    الدعاوى المتعلقة بعقود الإنشاءات والمقاولات الإنشائية التي تزيد قيمة المطالبة في كل منها على مائة ألف دينار أردني أو ما يعادلها بالعملة المتداولة قانونًا.

2.    الدعاوى المتعلقة بالأعمال المصرفية التي تزيد قيمة المطالبة في كل منها على مائة ألف دينار، بما فيها الاعتمادات المستندية وخطابات الضمان والكفالات المصرفية التي تزيد قيمة المطالبة في كل منها على مائة ألف دينار أردني أو ما يعادلها بالعملة المتداولة قانونًا.

3.    دعاوي الوكلاء والوسطاء التجاريين وفقًا للتشريعات الناظمة لأعمالهم، ومهما بلغت قيمة المطالبة.

4.    الدعاوى المتعلقة بالإفلاس والتصفية مهما بلغت قيمتها.

5.    الدعاوى المتعلقة بالخلافات فيما بين الشركاء والمساهمين في الشركات المسجلة وفق أحكام قانون الشركات النافذ بما في ذلك أي خلافات متعلقة بعقود تأسيس تلك الشركات وأنظمتها الداخلية، وشؤون إدارتها، ودمجها.

6.    الدعاوى المتعلقة بالأوراق المالية المستندة الى قانون الأوراق المالية النافذ.

7.    الدعاوى الناشئة عن العقود التي تكون الحكومة أو إحدى المؤسسات الرسمية أو العامة طرفا فيها، وتزيد قيمة المطالبة فيها عن مائة ألف دينار أردني أو ما يعادلها بالعملة المتداولة قانونًا، أو التي اتفق أطرافها على اختصاص الغرفة الاقتصادية في نظرها ومهما بلغت قيمتها.

8.    الدعاوى المتعلقة بالتأمين وإعادة التأمين التي تزيد قيمتها على مائة ألف دينار.

9.    الدعاوي الناشئة عن أي عقد تجاري اتفق الأطراف على إحالتها للغرفة الاقتصادية.

   وبناءً على كل ما ذكر أعلاه، فإن الغرفة الاقتصادية هي محكمة درجة أولى تنعقد كأصل عام في محكمة بداية رام الله، وتنظر في المنازعات التجارية المحددة في المادة (2) من النظام رقم (2) لسنة 2022، ويتم استئناف الأحكام والقرارات الصادرة عنها أمام الغرفة الاقتصادية في محكمة استئناف القدس، وينحصر الإختصاص المكاني لهذه الغرفة بالإختصاص المكاني لمحكمة بداية رام الله، ويجوز لها مع مراعاة مكان إقامة المدعى عليه أن تنعقد خارج محكمة بداية رام الله، كأن تعقد في محكمة بداية الخليل مثلًا. ومن الغني توضيحه، أنه ومن باب المنطق القانوني، أن قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية رقم (2) لسنة 2001 هو الذي  يسري على إجراءات التقاضي أمام الغرفة الاقتصادية في محكمة بداية رام الله ومحكمة استئناف القدس.

   وقبل الختام من المهم أن نذكر أن تحديد تخصص القضاة في الغرف القضائية، والتي منها الغرفة الاقتصادية، يتم بقرار من مجلس القضاء الأعلى، وذلك سندًا لنص المادة (20/1) من القرار بقانون رقم (39) لسنة 2020 التي نصت على  أنه: "يتم تحديد تخصص القضاة وتسميتهم في كل من الغرفتين الحقوقية والجزائية أو غيرها من الغرف المتخصصة في حالة إنشائها لدى محاكم البداية والاستئناف والمحكمة العليا/ محكمة النقض، بقرار من مجلس القضاء الأعلى." وأن تحديد عدد الهيئات في الغرفة الاقتصادية يتم بقرار من رئيس محكمة بداية رام الله وفقًا لما تقتضيه مصلحة العمل، وذلك سندًا لنص المادة الأولى من النظام رقم (2) لسنة 2022، ويسرى الحكم ذاته بالنسبة للغرفة الاقتصادية في محكمة استئناف القدس، فعدد الهيئات فيها يحدد من رئيس محكمة استئناف القدس وفقًا لنص المادة (4/1) من النظام سالف الذكر.

   وبالختام، فإننا نرى أن فكرة الغرفة الاقتصادية جميعها انصبت على فكرة تخصيص هيئة قضائية في محكمة بداية رام الله  تنظر في المنازعات المحددة في المادة (2) من النظام رقم (2) لسنة 2022 وتعديلاته رقم (10) من ذات العام، ومع ذلك، فإننا نشيد بهذه الفكرة والخطوة، وذلك لما لها من مميزات تتمثل في تخصيص هيئة مختصة علميًا بالمنزاعات التجارية، ولأن هذه الغرفة تعطي المعاملات التجارية حقها في سرعة الفصل في المنازعات الناتجة عنها وهي أصلًا معاملات قائمة على السرعة لغايات استمرارية  الاستثمار، ولأن هذه التجربة نجحت في الأردن حسبما ما اطلعنا عليه من تقارير، وقد نقل عنها النظام الفلسطيني حرفيًا. وبذلك فإننا نشيد بهذا التوجه المتقدم، لا وبل نحبذ لو يتم إنشاء مثل هذه الغرفة لآخريات من أنواع المنازعات، كالنزاعات لعمالية مثلًا.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير