أسر غزية تحوّل النفايات المنزلية لسماد بجهاز "الكمبوستر"

12.06.2022 01:55 PM

وطن- حنين الصبيحي: بشهقة فرح سألت مرام أبو شنب نفسها غير مصدّقة: "أيمكنني حقًا أن أبدأ من هنا؟".. وأخيرًا سنحت لها فرصة لطالما انتظرتها منذ تخرجها قبل سبع سنوات، ليُطلق سراحها من سجن العاطلين عن العمل.

تلك اللحظة لا تنساها، كانت بعد استلام أسرتها جهاز تحويل النفايات العضوية إلى سماد طبيعي. فهذا الجهاز على ما يبدو أثار فضولها ورأت فيه نقطة تحوّل في حياتها.

أسرة مرام، كانت واحدةً من 170 عائلة، استهدفها مشروع التسميد المنزلي التجريبي الذي نفذّه المجلس المشترك لإدارة النفايات الصلبة بتمويل من وكالة اليابان للتعاون الدولي "جايكا"، والنتيجة كانت انخفاضًا ملحوظًا في نسبة النفايات العضوية، وهي بحد ذاتها بارقة أمل. 

أخذت الفتاة على عاتقها مهمة جمع النفايات من الحديقة الخاصة بمنزلها، بقايا الطعام، وأوراق الشجر اليابسة، وقشور الخضار والفواكه، ثم فرزها في حاويتين مختلفتين، إحداهما للنفايات العضوية، والأخرى للصلبة، فتقلّب العضوية منها مرتين يوميًا بواسطة الذراع المثبّتة على جانب الجهاز، ثم تستمر بمراقبتها حتى تتحول إلى سماد.

الحلم يتحقق

لم تتردد أبو شنب في مصارحة المشرفين على المشروع بما تفكر به، وكان مقترحها: "بهذا الجهاز يمكن أن أحصل على دخل يعيلني وأسرتي، وذلك بجمع النفايات العضوية من المحيطين بي، ومن ثم تحويلها إلى سماد طبيعي، وبيعها للمهتمين بسعرٍ جيد".
ومنذ ذلك اليوم لا تبرح الجهاز، تقلّب محتوياته، وتترقب على أحر من الجمر رؤية المنتَج النهائي، الذي تستخدمه أسرتها في تسميد الأشجار المحيطة بالمنزل، وبعض أشتال البطاطا، والفول، ومزروعات شتوية شاركت مرام للمرة الأولى في زراعتها. وتختصر أهم ما في التجربة: "يكفي أننا سنأكل خضارًا مضمونة المصدر، آمنة على الصحة من تبعات الأسمدة والمبيدات الكيماوية والتجارية المنتشرة في الأسواق".

عصارة سامة

تتصدّر النفايات العضوية النسبة الكبرى من مكونات النفايات المنزلية في قطاع غزة، إذ يُخلّف الفرد يومياً ما يزيد على كيلو غرام من النفايات، بمعنى آخر، غزة لديها يومياً ما يقارب 1700 طن من النفايات، وهي لا تُفصل أو يعاد تدويرها فكلها تُخلط مع بعضها وتُرمى في الطرقات وأمام أبواب المنازل.

وقد ذكرت دراسات عدة أجرتها المكاتب الاستشارية في قطاع غزة وكذلك طلاب الجامعات أن نحو 67 % من هذه النفايات مواد عضوية، 11% منها بلاستيك، و12% أوراق، والبقية معادن وزجاج ونفايات أخرى.
وتشير تلك الدراسات إلى أن تركيبة نفايات السكان الصلبة في معظمها مواد عضوية، وهي قابلة للتحلل جرّاء ضغط النفايات المتراكمة ووجود مواد كيميائية وحرارة داخل المكب ليُنتج عنها ما يسمى بــ "العصارة"، علمًا أن كل طن ينتج تقريباً ما بين ( 200 و 250 لترًا) من العصارة السامة.

يقول د. عبد الفتاح عبد ربه الأستاذ المشارك في العلوم البيئيّة بالجامعة الإسلامية إن إنتاج النفايات الصلبة في قطاع غزة أصبح يزيد على كيلو غرام يومياً لكل مواطن، فيما لا تُفصل النفايات أو تعزل، ومنها النفايات البلاستيكية والزجاج والعضوية والرمال، فكلها تُخلط مع بعضها وبالتالي تنتج عنها عصارة سامة بسبب عدم إدراج عملية الفصل في ثقافتنا.

وتطرق د. عبد ربه إلى الخطورة التي تكمن في العصارة، موضحًا: "لها وجهان، الأول أنها ستصل إلى الخزّان الجوفي وطبقات التربة وتلوّثهما، أما الوجه الثاني فهذه العصارة خلاصة النفايات، وتحتوي على مغذيات تحل مكان الأسمدة الزراعية، ولكن تتخلّلها مواد سامة جداً، وحين يضعها المزارعون على المزروعات لتسميدها ما تلبث أن تؤذي التربة والزراعة والإنسان لاحتوائها على مواد خطرة".
محذرًا من أن النفايات الصلبة التي ينتجها القطاع تشمل العضوية والإلكترونية والحديد والمواد الكيمياوية، "وأحيانًا تُحرق، ما يتسبّب في انتشار الغبار السامة في الهواء، وعندئذ تكون عواقبها وخيمة على الصحة العامة وبخاصة على الجهاز التنفسي لكل من يستنشقها"..

التسميد المنزلي التجريبي

عن التفاصيل، يخبرنا المهندس حاتم أبو حامد مسؤول مشروع التعاون الفني في إدارة النفايات الصلبة في قطاع غزة "المرحلة الثالثة"، عن آخر الجهود للتخفيف من النفايات، مؤكدًا تنفيذ أنموذج تجريبي لتقليل النفايات في محافظتي غزة وشمال غزة، في إطار المحاولات للتقليل من النفايات العضوية، والذي يتمثل في مشروع التسميد المنزلي.

ويضيف أبو حامد أن الهدف من المشروع خلق وتعزيز السلوك المجتمعي للحد من النفايات العضوية عن طريق فصلها وإعادة استخدامها بواسطة جهاز "كومبوستر" لإنتاج سماد عضوي لتسميد النباتات والمزروعات المنزلية، سعيًا إلى تقليل كمية النفايات التي يُتخلص منها في المكبّات وتحقيق الاستدامة باستثمارها في تطبيقات مفيدة، حسب قوله.

وأشار إلى إجراء تقييم "خط الأساس" في بداية المشروع متبوعًا بتقييم "خط النهاية" في نهايته لقياس الأثر الذي أحدثه المشروع التجريبي على عينة مختارة من المستفيدين في محافظتي غزة وشمال غزة، جنبًا إلى جنب، مع الزيارات الدورية لضمان الاستخدام السليم وصحة عملية إنتاج السماد أو تصحيحها إذا كان هناك خطأ في أي حال.

ويكشف أبو حامد عن أبرز نتائج المشروع التجريبي الذي طُبّق على 170 مستفيدًا، إذ انخفضت نسبة النفايات العضوية التي تخلّصوا منها من 67.5% إلى 24.5% بسبب إعادة استخدامهم لهذه النفايات في جهاز "الكمبوستر"، وفي نفس السياق ارتفعت نسبة مستوى المعرفة لكيفية تطبيق آليات إعادة التدوير كتدوير النفايات العضوية لإنتاج السماد الطبيعي لتصل إلى 99.2٪ بعد تنفيذ أنشطة التوعية بمختلف أنواعها.

ماذا بعد؟

فوائد بيئية كثيرة يمكن أن نجنيها من استخدام "الكومبوست" في الزراعة، وعلى رأسها تحسين التربة المتدهورة وجعلها قادرة على التجدد الطبيعي، فضلًا عن كبح آفات النباتات.

كما يشجع "الكومبوست" على إنتاج البكتيريا والفطريات المفيدة التي تحلّل المواد العضوية لإنتاج الدبال، والسماد هو عملية طبيعية تحوّل المكونات العضوية الخام إلى مادة عضوية غنية تسمى "الدبال" وهي عبارة عن مادة إسفنجية بنية داكنة أو سوداء ناعمة أو تشبه الهلام تحمل الماء ومغذيات النبات، مما يساعد التربة على احتواء الماء والهواء.
ويتكون السماد "الكومبوست" من عدد من العناصر الغذائية ومنها النيتروجين، والفوسفور، والبوتاسيوم، كما يتكون من العناصر الكيميائية مثل النحاس والحديد والمغنيسيوم والكبريت، وبذلك يوفر المغذيات اللازمة لنمو النباتات بعد أن تُنبت البذور في التُربة.
ويبقى السؤال بعد الحصول على هذه النتيجة الممتازة وشهادة المستفيدين: تُرى هل النفايات العضوية في قطاع غزة في طريقها إلى التضاؤل؟ وماذا ينقص البلديات لتعميم مشروع من هذا القبيل؟

 

خاص بآفاق البيئة والتنمية

تصميم وتطوير