الطاقة النظيفة هل نظيفة حقاً؟ وماذا عن خلايا الطاقة الشمسية؟

04.06.2022 05:10 PM

وطن-زهرة خدرج: نسمع بالطاقة المتجددة أو المستدامة أو النظيفة أو الخضراء، وتتداول المحافل المختلفة والصحافة والإعلام هذه المصطلحات بالتناوب لوصف هذا النوع من الطاقة والذي سنتحدث عنه باستفاضة.

فهل هذه المسميات واحدة؟ وما هي إيجابيات هذا النوع من الطاقة؟ وهل إنتاج هذا النوع من الطاقة نظيف حقاً بيئياً؟
الحياة العصرية بمختلف مناحيها تقوم على الطاقة الكهربائية: تدفئة، تنقُّل، تشغيل أجهزة منزلية ومصانع ومحطات وغيرها الكثير، بحيث باتت قضية توليد الطاقة الكهربائية تُشغِل العالم بشكل كبير، لدرجة تسببت أحياناً في إقرار عقوبات على دول وشنّ حروب على أخرى، خاصة وأن العالم ما يزال يعتمد على المصادر التقليدية لإنتاج الكهرباء. ومع التطور العلمي والتكنولوجي، ما تزال مناطق لا يُستهان بها تعيش دون كهرباء لأوقات طويلة خلال اليوم، وما قطاع غزة عنا ببعيد.

وهذا ما دفع العديدَ من دول العالم، لأن تتوجَّه بقوة إلى خيار توليد الكهرباء من الطاقة المتجددة، وانحاز منهم خاصة المتقدمة منها إلى توليدها في المفاعلات النووية، معتبرين ذلك أيضاً طاقة نظيفة، مغمضين أعينهم عن المخاطر التي يحملها هذا النوع، والآثار البيئية الكارثية التي قد تنتج عنه.

اتفق معظم رؤساء الدول في مؤتمر كيوتو باليابان 1997على تخفيض إنتاج ثاني أكسيد الكربون لتجنب التهديدات الرئيسة لتغيُّر المناخ بسبب التلوث واستنفاد الوقود الأحفوري، وذلك عبر التوجُّه نحو الطاقة النظيفة؛ لأنها متوفرة في معظم دول العالم، ولا تلّوث البيئة، وتحافظ على الصحة العامة للكائنات الحية، وتستخدم تقنيات غير معقدة، عدا عن كونها اقتصادية في كثير من الاستخدامات.

الطاقة قضية تشغل العالم أجمع
أصبح مصطلح الطاقة يوازي مصطلح التطور والتحضُّر، لنأخذ مثالاً: ملايين السيارات تتحرك في العالم بالاعتماد على مشتقات الوقود الأحفوري، وتصوروا معي حجم الضرر البيئي الناتج عن الانبعاثات التي تصدرها تلك السيارات عند تشغيلها.
ولنتخيل حجم الضرر الذي ينتج عن احتراق النفط والفحم والغاز الطبيعي المستخدم لجميع الأنشطة البشرية والذي يوفر أكثر من 80% من الاستهلاك العالمي للطاقة!

في المقابل، حاولت شركات التكنولوجيا تصنيع سيارات تعتمد على الطاقة الكهربائية بدلاً من الوقود، وقد نجحت إلى حد كبير في ذلك، واتجهت دول عدة صوب الطاقة النووية لإنتاج الكهرباء بديلًا عن الوقود، فبحسب إحصاءات الأمم المتحدة، مع نهاية عام 2018، اعتمدت 13 دولة على الطاقة النووية لتزويد ما لا يقل عن ربع إجمالي الكهرباء لديها.

وفي عام 2021، أصبح هناك 443 مفاعلاً نووياً في 32 دولة بهدف توليد الكهرباء، عدا عن 55 محطة نووية جديدة قيد الإنشاء.
وتشكل الطاقة النووية أكثر من نصف ما يُنتج من الكهرباء في فرنسا والمجر وسلوفاكيا وأوكرانيا.
تُستخرج الطاقة من مصادر نستطيع تصنيفها إلى متجددة أو غير متجددة، أو مستنفدة ومتجددة.

الطاقة المستنفدة: هي طاقة تنتج عن حرق مصادر الوقود الأحفوري مثل الفحم والبترول والغاز الطبيعي، وبرغم كون هذه المصادر متعددة، إلا أنها محدودة وتنفد مع تكرار استخراجها واستخدامها، بينما تحتاج إلى أوقات طويلة جداً لإعادة تكوينها مرة أخرى.
وقبل الانتقال إلى النوع الثاني من مصادر الطاقة لا بد من التنويه إلى المواد الكيميائية التي يمكن استخدام تفاعلاتها لتوليد الطاقة الكهربائية.

الطاقة المتجددة: تتجدد باستمرار ولا تنفذ ونستمدِّها من مصادر طبيعية موجودة دوماً، مثل الشمس أو الرياح أو المياه أو الكتلة الحيوية. وينتج عنها انبعاثات قليلة أو معدومة وبالتالي تساهم في تقليل الغازات الدفيئة في الغلاف الجوي، وتختلف جوهرياً عن الوقود الأحفوري من البترول والفحم والغاز الطبيعي.

الطاقة النظيفة.. أَهي ذاتها الطاقة المستدامة أو الخضراء؟
نسمع بمصطلح" الطاقة النظيفة" فيلوح في مخيلاتنا دفء الشمس ونورها والمياه الجارية والرياح العاصفة، ويقفز أيضاً إلى أذهاننا نقيضها" الطاقة القذرة" التي ينتج عن احتراقها دخاناً خانقاً ورماداً مغبَّراً وغازات الكربون سيئة السمعة.

تُعرَّف الطاقة النظيفة بأنها الطاقة التي تأتي من مصادر متجددة خالية من الانبعاثات ولا تلّوث الغلاف الجوي عند استخدامها.
يشير مصطلح الطاقة المستدامة إلى ذلك النوع من الطاقة الذي يُستخدم بطريقة تلّبي احتياجات الحاضر دون المساس بقدرة الأجيال المقبلة على تلبية احتياجاتهم الخاصة.

الطاقة الخضراء هي أي نوع من أنواع الطاقة يولّد من الموارد الطبيعية، مثل ضوء الشمس أو الرياح أو الماء. غالبًا ما تأتي من مصادر الطاقة المتجددة.
لاحظ أن الفروق بين مصطلحات الطاقة (النظيفة، المتجددة، المستدامة، الخضراء) تكاد تكون بسيطة لدرجة قد يراها غير الخبراء مصطلحاً واحداً.

وقد يكون مصدر الطاقة متجدداً ولكنه ليس بالضرورة أخضراً أو نظيفًا (مثل طاقة الكتلة الحيوية)، ولو نظرنا أيضاً إلى السدود الكهرومائية التي تحوّل مجاري المياه وتؤثر في البيئة.. هل يمكن لنا أن نُطلق عليها مسمى "أخضر"؟
يدَّعي بعض أن الطاقة النووية والغاز الطبيعي وحتى الفحم النظيف يمكن اعتباره نظيفًا أيضاً.
من بين جميع موارد الطاقة، نعدّ الطاقة الخضراء (الشمسية وطاقة الرياح والكتلة الحيوية والطاقة الحرارية الأرضية) أنظف أشكال الطاقة.

الطاقة النظيفة ليست فقط هي الأفضل للبيئة، وإنما الأرخص مقارنة بمصادر الطاقة التقليدية، ومع ذلك نجد أن  أغلب الكهرباء تُنتج من مصادر غير نظيفة غير متجددة مثل الوقود الأحفوري، ويُعد إنتاج الكهرباء هو المسبب الأول لتلوث الهواء، والتغيرات المناخية.

جدل مصادر الطاقة
ورد في ورقة بحثية أن سياسات الطاقة الحديثة تعتمد إلى حد كبير على مصادر الوقود الأحفوري، وهي محرك لا جدل فيه لتغير المناخ وتلوث الهواء، الأمر الذي يشكِّل خطورة على صحة البشر.
ولتخفيض انبعاث غاز ثاني أكسيد الكربون، والتقليل من تلوث الهواء وبالتالي تقليل الاحتباس الحراري، لا بد للعالم أن يتحول إلى الطاقة النظيفة بأسرع ما يمكن باستخدام التقنيات المتجددة والنووية.
وهنا، يتبادر إلى أذهاننا سؤال: هل الطاقة النووية نظيفة حقاً؟

هي طاقة منزوعة الكربون وغير ملوثة للجو، فلا ينبعث من إنتاجها الغازات الدفيئة للغلاف الجوي. ومع ذلك، فإن الوقود المستخدم في المفاعلات النووية" اليورانيوم" مورد محدود، لذلك نرى الطاقة النووية  نظيفة ولكنها غير متجددة، هذا التحدي الأول، أما التحدي الثاني فهو كيف لنا أن نغضَّ نظرنا عن النفايات النووية التي يستعصي التخلص منها نهائياً بطرق آمنة على هذا الكوكب الذي أنهكته النشاطات البشرية والصراعات.

خلايا الطاقة الشمسية مثالاً
تناولنا أنواع الطاقة وتأثيرات الطاقة المستنفدة على البيئة، واقترحنا بديلاً يتغنّى العالم أجمع بنظافته ولطفه ووده للبيئة "الطاقة المتجددة".

دعونا نعود للتساؤل الذي يحمله عنوان المقالة: "هل إنتاج الطاقة النظيفة نظيف حقاً بيئياً؟ ماذا عن ألواح خلايا الطاقة الشمسية بعد أن ينتهي عمرها الافتراضي؟ هل ستصبح نفايات تثقل كاهل البيئة؟ مع أن الأمر لا يقتصر فقط على هذه الألواح، فهناك أذرع مراوح توليد الكهرباء من طاقة الرياح، وتوربينات ومولدات المحطات الكهرومائية، وبطاريات حفظ الطاقة وغيرها! لكننا سنتناول الخلايا الشمسية فقط في هذا التقرير.

تتكون الألواح الشمسية من عدة ألواح من بلورات السيليكون تُسمى الخلايا، كل خلية مكونة من لوحة شمسية محصورة بطبقة من الألومنيوم والزجاج، وتشكل معاً المكونات المنتجة للطاقة التي تحوّل ضوء الشمس إلى طاقة كهربائية.
الخلايا الكهروضوئية  توجد بين طبقات من المواد شبه الموصلة، وعندما تتعرض لأشعة الشمس تتفكك الإلكترونات مما يسمح بتدفق الكهرباء. ولضمان تعرض الألواح الشمسية لأكبر قدر ممكن من أشعة الشمس، تُركب مائلة للجنوب بزاوية (10- 50) درجة على سطوح المباني، أو في منظومات شمسية لمؤسسات توليد الكهرباء.

وتُبعد عن مناطق الظل ( المباني، الأشجار...)، ويُلحق بالألواح الشمسية محوِّل كهربائي لتحويل الكهرباء الموَّلَّدة من تيار مباشر إلى تيار متردد، الذي تستخدمه معظم الأجهزة المنزلية.
تتطلب الخلايا سيليكون عالي النقاء لتعمل كما يجب، وعادةً ما يكون السيليكون قابلًا لإعادة التدوير، ولكن لتحسين الكفاءة الكهربائية للخلايا الشمسية، تُضاف المعادن مثل الكادميوم والرصاص.

هذه العملية تجعل من تدوير الخلايا الشمسية أمراً معقداً؛ يتطلب طاقة كبيرة لاستخراج المعادن المضافة في الخلايا. في الواقع، غالبًا ما تكون تكلفة إعادة تدوير الألواح الشمسية أكبر من تكلفة إنتاج الألواح الشمسية.
الخلايا الكهروضوئية: تُحوّل الضوء الشمسي مباشرة إلى كهرباء بسبب ما يسمى بـ "التأثير الكهروضوئي" الذي بواسطته تستطيع مواد معينة امتصاص الفوتونات والإلكترونات الحرة، ما يؤدي إلى توليد تيار كهربائي يُحوَّل إلى البطاريات لتخزينه وقت الحاجة.
تضم أنظمة الألواح الشمسية بطاريات الليثيوم التي تحتوي على أملاح الليثيوم السامة والمعادن الثقيلة والمعادن الثقيلة مثل الكوبالت والكروم والرصاص والنيكل.

بحسب تقرير للوكالة الدولية للطاقة المتجددة  (( IRENA  فإن تكلفة إنتاج الكهرباء من طاقتي الشمس والرياح في عام 2020 واصلت الانخفاض، مقارنة بالأعوام الماضية.

تقول المهندسة عبير البطمة منسقة شبكة المنظمات البيئية في فلسطين، في مقابلة مع "آفاق البيئة والتنمية" إن الاعتماد على الطاقة النظيفة التي تولّدها الخلايا الشمسية يزداد تدريجياً في فلسطين التي تسطع عليها الشمس في غالبية أيام السنة.
وأصبح الاعتماد على الطاقة الشمسية لتوليد الكهرباء هدفاً إستراتيجياً للحكومة الفلسطينية، خاصة في المناطق التي تواجه مشاكل في توفير الطاقة الكهربائية مثل مناطق الأغوار وقطاع غزة، عدا عن تحويل مصدر الطاقة في كثير من المؤسسات الحكومية والخاصة إلى الطاقة الشمسية، فمثلاً 1000 مدرسة زُودت بخلايا الطاقة الشمسية وأصبحت تعتمد كلياً على الشمس لتوليد الكهرباء التي تحتاجها، بل أصبح هناك فائض من الكهرباء الـمُنتَجَة، أخذت تمدها لشبكات البلديات والمجالس القروية.

وعند سؤالها عن العمر الافتراضي لخلية الطاقة الشمسية الواحدة والنفايات التي ستنتجها بعد ذلك، كان جوابها: "عمر الخلية 20 سنة تقريباً، ولأن هذه التقنية حديثة النشأة في فلسطين، لا أعتقد أنه يوجد حل استباقي لمسألة النفايات التي ستنتج عن تلفها".
ولدى سؤال خبير الطاقة في جامعة النجاح الوطنية الدكتور عماد بريك عن وجود خطة وطنية للتعامل مع خلايا الطاقة الشمسية التالفة، أفاد بأنه لا يوجد توجه كهذا في الأراضي الفلسطينية حتى الآن، مطالبًا وزارة الطاقة بأن تأخذ الأمر بعين الاعتبار.
الخلاصة:
يتطور البشر تكنولوجياً في مجالات شتى، منها إنتاج الطاقة، وفي المقابل تدفع البيئة الثمن باهظاً.
فهل يمكننا أن نتابع العمل في هذا المجال ليصبح نظيفاً حقاً فننتج ألواحاً للطاقة الشمسية صديقة للبيئة؟ أو نَسنّ القوانين التي تُلزم الشركات المصنِّعة أن تتخلص من مخلفاتها في منشآت خاصة تعيد تدويرها لاستخدامها مرة أخرى بأقل التأثيرات البيئية الضارة؟

تتداول المحافل المختلفة والصحافة والإعلام بالتناوب، مصطلحات "الطاقة المتجددة" أو "المستدامة" أو "النظيفة" أو "الخضراء"، لوصف هذا النوع من الطاقة الذي سنتناوله باستفاضة.. فهل هذه المسميات واحدة؟ وما هي إيجابيات هذا النوع من الطاقة؟ وهل إنتاج هذا النوع من الطاقة نظيف حقاً بيئياً؟.

 

خاص بآفاق البيئة والتنمية

تصميم وتطوير