هل عقوبة الحبس تصلح المتهم ام تزيده سوءاً؟

21.05.2022 03:06 PM

 

كتب: ركان ابو عطوان

إن وجود الجريمة في المجتمع أمر طبيعي، لكن ازديادها عن الحدود المعقولة يعد مشكلة يجب النظر في أسبابها والبحث عن حلول لها، والمجتمعات العربية والعالمية تعاني من ازدياد الجرائم وتطور أساليبها وتزايد أنماطها لاسيما مع التغيرات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي تمر بها الشعوب وتزيد من عوامل الجريمة، وتعقد عملية الوقاية والحد منها، حيث أصبحت الدول تنفق الكثير عما كان في السابق للحد من الجريمة ومعالجة أسبابها. ودولة فلسطين كغيرها من الدول التي مرت وتمر بتطورات سريعة في شتى المجالات العمرانية والتقنية وفي وسائل الإعلام والاتصال أدت إلى تغيرات اجتماعية وثقافية واقتصادية؛ مما قد يزيد من عوامل الجريمة وصعوبة الوقاية منها. وظهرت العديد من التساؤلات مؤخراً على المستوى الفلسطيني والعالمي حول مدى فعالية عقوبة الحبس لأن تصلح المتهم؟، فالبعض اعتبر الحبس عقوبة غير فاعلة ولا تصلح حال المتهم، والبعض الأخر اعتبرها عقوبة فاعلة وتصلح المتهم ولا تزيده سوء. في هذا الإطار تبحث هذه المقالة مدى فعالية عقوبة الحبس لأن تصلح المتهم؟ أو أم أنها عقوبة تزيده سوءاً؟

أولاً: أثر عقوبة الحبس على إصلاح المتهم

إن الهدف العام من السياسة العقابية هو ردع مرتكب الجريمة، وسيادة القانون هي الطريق أمام المجتمعات لتحقيق العدالة والمساواة الأمر الذي بدوره يؤدي إلى تحقق الاستقرار في المجتمع، وقد أثارت العقوبات السالبة للحرية جدلاً من حيث جدواها وآلية تطبيقها وتحقيق أهدافها، الأمر الذي أدى إلى البحث عن بدائل لكي تكون العقوبات أكثر جدوى ونفعاً وأن تؤدي إلى الإصلاح أولاً ومن ثم عدم العود إلى ارتكاب الجريمة الأمر الذي يعود بالنفع العام على المجتمع.

أظهرت التجربة في كل العصور أن العقوبات القاسية ومنها الحبس لم تمنع الأشخاص من اقتراف الجرائم، وهذا يعزز الاعتقاد بأن قسوة العقوبة لا تحدث أثر في النفس البشرية بقدر ما تحدثه مدة العقوبة، لأن النفس البشرية تتأثر بشكل عميق ودائم بالانطباع الخفيف إذا كان متكرراً ومستمراً أكثر من تأثرها بالفعل الفظيع لكنه مؤقت وسريع، وبالتالي فمن الضروري البحث عن آليات جديدة تضمن ردع وتأهيل وإصلاح الجاني وتقلل من اللجوء للعقوبات السالبة للحرية إن لم نقل تعويضها بما يسمى ببدائل العقوبة أو العقوبات البديلة.

لذلك تتجه التشريعات العقابية في الدول العربية إلى اتخاذ العقوبات السالبة للحرية كعقوبة مناسبة لأغلب الجرائم، إلا أن هذا النوع من العقوبات، قد ثبت عدم جدواها في الحد من الجريمة، وفشله الذريع في تقويم سلوك الجاني، وإعادة إدماجه في المجتمع، ومن هذا المنطلق ظهرت الحاجة إلى استحداث عقوبات جديدة وبديلة للعقوبات التي اعتاد المشرعون على اتخاذها كوسيلة لمكافحة الظاهرة الجرمية.

وجاء الحديث عن بدائل العقوبات السالبة للحرية (العقوبات البديلة) التي اقرها المشرع بهدف إيجاد مرونة في العقوبات يتمكن القاضي بواسطتها من استبدال العقوبة السالبة للحرية بخدمة يقدمها المحكوم لفئة من فئات المجتمع أو لموقع خيري بدون مقابل أو الالتحاق بمرفق تعليمي أو مهني يستفيد منه المحكوم عليه بهدف اصلاحه وحمايته من الأذى وبالتالي تقديم خدمة لمجتمعه ضمن منهج مدروس أو توفير بدائل أخرى تخدم المصلحة العامة والفردية.

ثانياً: دور العقوبات البديلة في الحد من العود إلى الجريمة

تعددت صور وأشكال برامج الإصلاح والتأهيل التي تم تطبيقها في المؤسسات العقابية، والتي تم إخضاعها للبحث والدراسة من جميع الجوانب الاجتماعية والقانونية والمالية، من أجل تقييم مدى فعالية هذه البرامج في إصلاح نزلاء المؤسسات العقابية المحكومين بقضايا جزائية. وقد كانت نتيجة هذه الدراسات والأبحاث ظهور عدة اتجاهات فكرية حولها، ومن هذه الاتجاهات ما كان مناصراً لهذه البرامج، ومنها ما كان على النقيض غير مؤمن بهذه البرامج ومناصراً للعقوبة الرادعة. فقد أكد الاتجاه الأول على أهمية وفعالية هذه البرامج في عملية إصلاح وتأهيل النزلاء وبالتالي ضمان عدم عودة هؤلاء النزلاء إلى السلوك الجرمي مرة أخرى، بينما ذهب اتجاه أخر إلى القول بعدم فعالية هذه البرامج أو على الأكثر اعتبرها ذات فائدة محدودة وغير ملموسة.

لذلك اتجهت برامج الإصلاح والتأهيل إلى تطبيق عقوبات بديلة أخرى، كالعمل النافع للمجتمع، الذي يعد إحدى صور تطور العقوبة ووظيفتها، حيث إنها مرت سابقاً بعدة أشكال وعدة مراحل منها التعذيب والنفي حتى وصلت إلى ما هي عليه الآن وما ترتب عليه من اهتمام بالمحكوم عليهم والسعي إلى تهذيبهم بتطبيق أساليب عقابية حديثة تهدف إلى إعادة الجناة إلى المجتمع والسعي إلى إدماجهم مع باقي أفراد المجتمع وإعادة الثقة إليهم.

كما وتهدف هذه العقوبات المجتمعية البديلة إلى تخفيض الأعداد المتزايدة من المحكوم عليهم في مراكز الإصلاح والتأهيل وما يترتب عليه من كلف مالية تتحملها الدولة، كما وأن هنالك هدف مهم وهو عدم إدماج واختلاط المحكومين المبتدئين أو المحكوم عليه بمدد بسيطة مع المحكوم عليهم بجرائم ذات طابع خاص ومدد طويلة في مراكز الإصلاح لما له من أثر سلبي يؤدي إلى تكوين علاقات غير سوية وسريان عدوى تكرار الجرائم، كما وأن من أهم الآثار الإيجابية لتطبيق العقوبات المجتمعية البديلة عدم انقطاع المحكوم عليه عن عمله ومصدر دخله، وحتى لا يكون معرضاً لارتكاب الجرائم أو التسول لتأمين مصدر الرزق وقد أصبحت العقوبات المجتمعية بديلة للعقوبات السالبة للحرية عنصر مهم في نظام العدالة الجنائية، حيث تم إدراجها في العديد من مراكز الأمم المتحدة وأخذت بها عدة تشريعات لما لها من أهمية وآثار إيجابية على المجتمع، حيث إن العقوبة المجتمعية البديلة للعقوبات السالبة للحربة توحي من الوهلة الأولى إلى نظام جزائي يختلف عن فرض العقوبة السالبة للحرية ضد المحكوم عليه، فهي مجموعة من البدائل تيح للقاضي إمكانية اللجوء إليها بدل الحكم بعقوبات نافذة ومقيدة للحرية، وبذلك لا تختلف عن العقوبة السالبة للحرية من حيث النظام والغاية لأنها تعبر على نوع خاص لتطبيق العقوبة.

بالنتيجة نعتقد بأن الحبس كعقوبة سالبة للحرية لا يسهم في إصلاح المتهم، وفي ذات الوقت لا يمكن اعتباره عامل أساسي في زيادة سوئه بعد خروجه من السجن، فالكثير من العوامل الأخرى مرتبطة بدوافع ارتكاب الشخص للجريمة. ومع ذلك نرى بضرورة تفعيل العقوبات البديلة عن عقوبة الحبس كنظام فعال في مكافحة الجريمة وإصلاح حال المجرمين، ونفسر ذلك النتيجة من خلال الصورة السلبية التي فرضها المجتمع على النزيل، والتي جعلته يشعر بأنه مدفوع بشكل قهري للقيام بما لا يكف المجتمع عن نهيه عنه. وهو بذلك يجسد المصير الذي تنبأ به المجتمع. فيعتبر نفسه كمجرم لا جدوى من محاولة إصلاحه. وهذا النبذ من المجتمع يجعله ينغلق على ذاته. ويتبنى موقف نرجسي تجاه المجتمع النابذ، وتنتهي به عملية الوصم إلى الانجراف في تيارات العصابات الجانحة.

كذلك نرى أن مؤسسات المجتمع المدني تفتقد إلى تنشئة الفرد وتنمية شخصيته الاجتماعية بهدف منعه من العود للجريمة، كذلك لا تعمل على تحفيز نزلاء مراكز الإصلاح والتأهيل في تنمية المجتمع، إضافةً إلى وجود دور محدود لها في منح نزلاء مراكز الإصلاح والتأهيل فرصة لتنفيذ عقوبة العمل المجتمعي.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير