إدارة الأزمات على الطريقة الفلسطينية - إضراب المعلمين مثالاً

18.05.2022 11:53 AM

 كتب المحامي طارق طوقان : إدارة الأزمات‏ وحسب التعريف المبسط لها فإنها تعني الاستعداد لما قد لا يحدث والتعامل مع ما قد حدث.

طبيعة الحياة الإنسانية أنها تزخر بالأحداث والتحديات والصعوبات، فتواجهها المجتمعات البشرية وتحاول التغلب عليها فتفشل أحيانا وفي الأحيان الأخرى تتكلل جهود هذه المجتمعات بالنجاحات، و ليس خافياً على أحد أن الأحداث التي تواجه هذه المجتمعات، وخاصة ما يسمى منها بالأزمات، لها دور هام في كشف معدن الشعوب ولها حيز كبير في تاريخ المجتمعات لدورها في مسار هذه المجتمعات سواء من خلال الهدم أو البناء، وبملاحظة متأنية لدور الأزمات بشكل عام فإننا نكتشف ان المجتمعات التي اعتمد صانع القرار فيها على جهود خبراء ومختصين في التعامل مع الأزمات كانت أصلب عودا وأكثر قدرة على الاستمرار والبقاء من المجتمعات التي انتهجت أسلوبا مغايرا تمثل بالارتجالية في القرار والانفعالية في التخطيط والتعامل بطرق غير مدروسة سلفا مع مواضيع التوتروالأزمات، مما أدى بالتالي إلى ضعف هذه المجتمعات المذكورة أخيراً وفي حالات عديدة تفككها وانهيارها.

وفي حالة مجتمعنا الفلسطيني فقد واجه هذا المجتمع العديد والعديد من الأحداث الجسام والتحديات الكبيرة، منها ما كان خارجيا كحروب وغزو ومجاعات إقليمية ومنها ما كان داخليا كانتفاضات وانقسامات سياسية ومصاعب اقتصادية، فهو مجتمع حي يعيش مراحل عديدة وخصوصا في العقود الأربع الماضية، وأخر هذه الأزمات على الصعيد الداخلي هي إضراب المعلمين في المدارس الحكومية والذي امتد لفترة طالت وأصبحت تهدد استمرار العام الدراسي، كما واصبحت تهدد رأسمالنا الحقيقي وثروتنا الأساسية وأقصد بها الانسان والجيل الناشئ من أبنائنا وبناتنا الطلبة.

بداية لا بد لمعالجة أي أزمة مجتمعية أن تتوفر ثلاث عناصر أساسية: أولاً إرادة حقيقية للحل لدى أطراف الأزمة وحوار حقيقي بين الأطراف ونقاش لجميع خيارات الحل الممكنة بعيدا عن التشنج في المواقف ثانياً، وثالثاً جهات محايدة تعمل على تقريب وجهات النظر بين أطراف الأزمة، وفي حالة اضراب المعلمين من الممكن اضافة عنصر رابع بأن يكون هناك تغليب للمصلحة العامة على المصلحتين أو الموقفين المتضادين حاليا أوعلى أي أجندات أخرى.

ولقد كان للمبادرة التي أطلقتها مؤسسات المجتمع المدني بداية الأسبوع الماضي صدى إيجابي لدى المواطنين وأعطت أملاً لدى الطلبة وأولياء أمورهم في أن يكون لتدخل جهات محايدة تمثل المجتمع المدني دور في إنهاء الأزمة أو على الأقل جمع طرفي الأزمة وإطلاق حوار حقيقي بينهما يؤدي إلى حل الأزمة، وأمس صباحا استمعنا إلى الأخ الدكتور عمار الدويك المدير العام للهيئة الفلسطينية المستقلة لحقوق الانسان والذي تحدث في لقاء إذاعي عن المبادرة ومسارات الحل للأزمة، وشكا من عدم تعاون طرفي الأزمة وعدم تجاوبهما مع المبادرة، وفي الحقيقة أجد أنه من المستغرب أن تتجاهل الحكومة مبادرة المؤسسات الاهلية والتربوية والشخصيات الاكاديمية والفعاليات الوطنية لإنهاء الازمة في المدارس الحكومية وأن تصرف النظر عنها وأيضا من المستغرب أكثر رد الفعل الذي تلا ذلك من المعلمين برفض المبادرة بسبب تعنت الحكومة.

ومنذ صباح أمس ايضا بدأنا نقرأ على صفحات وسائل التواصل الإجتماعي ونستمع إلى تقارير إذاعية توضح أن حالة التشنج وحالة التصعيد بدأت تنتشر في المجتمع ككل، ما بين مهاجم للمعلمين وموقفهم وما بين مهاجم لموقف الحكومة، ولن أقوم بالاصطفاف في أي معسكر من هذين المعسكرين أو أن أغلب وجهة نظر على أخر، ولا أدعو أن يكون هناك تجاهل للأزمة من قبل المواطنين كأولياء أمور، بل على العكس أدعو أن يكون اصطفاف المجتمع بكافة أطيافه ومؤسساته وخصوصا المؤسسات النقابية والمؤسسات الاعلامية والمؤسسات الأكاديمية خلف مبادرة المؤسسات الأهلية وأن يكون صوت أولياء الأمور مسموعا في الطلب من طرفي الأزمة بالنزول عن الشجرة، ففي مثل هذه الأزمة فإن الخاسر الوحيد هم أبناؤنا الطلبة بغض النظر من يكسب المعركة من طرف الحكومة أو من طرف المعلمين.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير