الاستملاك والمصلحة العامة

27.04.2022 02:34 PM

كتب الباحث: محمد يوسف خميس عمرو

عندما نتحدث عن الاستملاك فانه يتنامى فورا الى ذهن القارئ ربط هذا المصطلح بالملكية، هذا المصطلح الذي يرتبط بشخص الانسان كأهم حق من حقوقه التي كفلتها الدساتير في هذا العالم، وحق حماه القانون ورعته الأديان، فطبيعة الانسان البشرية وقبل تبلور القوانين وظهور الأديان بفطرته التي خلقه عليها الله بغض النظر عن لونه او جنسه او دينه او قانون الدولة التي يتبع يحب التملك ويسعى اليه، كما يحب السيطرة على ملكه ورعايته وعدم منازعته به من أي كان، تلك هي فطرة النفس البشرية التي فطر الله الإنسان عليها، ومع تطور الحياة وظهور الأديان، رعت الأديان حق الإنسان في التملك وفي التعاليم الدينية، وجعلت للإنسان حق التملك والتصرف في ملكه والسيطرة المطلقة عليه دون المساس بحقوق الاخرين او ايذائهم، ومع تقدم الحياة وتبلور القواعد الدينية لكل الديانات وصولا الى الدين الإسلامي الذي جعل هناك نظاما خاصا أيضا للملكية في الإسلام، ومع تطور الحضارات وتقدم الأمم وظهور القوانين جاءت هذه القوانين والدساتير لتنص على حق الملكية كأهم حق من حقوق الانسان على هذه الأرض، فيرتبط الانسان بما يملكه في أي وطن يعيش فيكون ملكه مصدر ثباته وبقائه في أي مكان يوجد به، ولكن ومع كل هذه القدسية والأهمية لحق الملكية فقد ورد استثناء على ذلك كما ان لكل قاعدة شواذ فان لكل قاعدة قانونية او حق يرد عليه استثناء أيضا فرغم كل ما اوردناه أعلاه فقد جاء استثناء على هذا الحق المصلحة العامة والتي اخذت بمنظور المجتمع ككل يعطي الدولة حق نزع هذه الملكية الخاصة لصالح المصلحة العامة، وذلك بأن تقوم الدولة بنزع هذه الملكية من المواطنين ضمن إجراءات ومعايير وشروط نص عليها القانون لنزع هذه الملكية وتحويلها من خاصة الى عامة او للنفع العام وذلك بموجب تعويض عادل للشخص الذي تم نزع ملكيته عن ملكه وهذا ما يسمى بالاستملاك، ولعل من اهم الدوافع المصلحة العامة او النفع العام.

مفهوم الاستملاك والمصلحة العامة

لعل ما يهمنا بداية هو التعريف التشريعي للاستملاك كما عرفه المشرع الأردني كون القانون الساري في فلسطين هو القانون الأردني رقم 2 لسنة 1953 .

لم يرد في قانون الاستملاك النافذ في فلسطين المشار اليه أعلاه تعريفا للاستملاك ضمن التعريفات التي أوردها القانون بل اكتفى المشرع الأردني في المادة 1 من قانون الاستملاك الأردني رقم 2 لسنة 1953 بالتطرق لتعريف الأرض والمشروع والمنشئ والمحكمة ولم يرد تعريف مصطلح الاستملاك في هذا القانون الا انه تطرق الى تعريف الاستملاك في المادة 2 من قانون الاستملاك الأردني رقم 12 لسنة 1987 وعرفه على انه  (نزع ملكية عقار من مالكه او حق التصرف او الانتفاع به او الارتفاق عليه) وهذا كان في المادة 2 من قانون الاستملاك الأردني رقم 12 لسنة 1987 ).

وجاء في قرار المحكمة الدستورية في الطعن رقم 12/2016 تعريفا للاستملاك انه (وحيث أن قرار الاستملاك هو إجراء قانوني تتمكن الادارة بمقتضاه من نزع ملكية عقار من مالكه بغية تحقيق النفع العام لقاء تعويض عادل).

وهنا نجد ان كلمة نزع هي اخذ الشيء جبرا من مالكه فلم يعرفه المشرع بأنه تنازل او بيع او تصالح بل عبر عنه بكلمة نزع الملكية وان نزع الملكية جبرا هو امتياز للإدارة او الدولة التي تمتاز بها عن غيرها من حيث الصلاحية في اصدار مثل هذه القرارات ضمن الأسس والضوابط التي حددها القانون.

كما عرفه البعض على انه ( قيام السلطة الإدارية بحرمان المالك من عقاره جبرا لتخصيصه للمنفعة العامة مقابل تعويض عادل)

المصلحة العامة

ان مصطلح المصلحة العامة هو مصطلح غير واضح التحديد، ولم يتم النص عليه في تعريفات أي من التشريعات بصورة محددة، رغم انه هو الطريق الذي تستند اليه الدولة في ادارتها وتسبب به معظم قراراتها، ولكن بشكل عام فان مصطلح المصلحة العامة يمكن ان يوضع في عدة قوالب ليخدم اهداف عدة ويختلف في مدلوله بمكان وجوده، فمن الممكن ان يكون لأهداف سياسية فهنا نتجه بالتعريف المجمل انه تغليب مصلحة الجماعة على مصلحة الفرد وان رأي الجماعة هو الحكم، وهنا تندثر مصلحة الفرد وتمحق حقوقه باسم المصلحة العامة التي قد تتغلب فيها جماعة مؤطرة باطار سياسي غلب رأيها لأنها أكثرية فقط، اما المصلحة العامة من باب اخر فقد تكون تهتم في النوع رغم ان الأغلبية ليست من نفس النوع او نفس الإطار وهذا نوع اخر لقالب المصلحة العامة وخير مثال على ذلك ان المرضى بمرض معين ليسوا هم الأغلبية وانما الأصحاء هم الأغلبية وحيث ان حياة الانسان هي أغلى ما يمكن الحديث عنه يتم تخصيص التمويل الوارد لحياة هؤلاء المرضى وعلاجهم في الدولة للمصلحة العامة التي هي حفاظا على أرواح هؤلاء والتي تعد اغلى ما تمتلكه الدولة وهي الروح البشرية.

رغم كل هذا الا ان المصلحة العامة هي غاية العمل الاداري وحول هذه الفكرة تدور مشروعية او عدم مشروعية تصرفات الادارة بصورة عامة والقرار الاداري بصورة خاصة، ويمكننا القول بصورة عامة ان المصالح العامة التي توجب الغاء القرار المتعارض معها تأتي من دوافع عديدة، اهمها المحافظة على الصحة العامة والسكنية العامة وسير المرفق العام بانتظام. 

ان عدم وجود نصوص تشريعية واضحة تحدد فيه تعريف ومعايير واضحة للمصلحة العامة او المنفعة العامة يعطي الإدارة سلطة تقديرية مطلقة في استخدام هذا المصطلح في تسبيب واسناد قرارها اليه، وان تحديد هذا المفهوم وفق نصوص تشريعية يجعل سلطة الإدارة مقيدة ويحمي الأفراد والجماعات من إساءة استعمال السلطة التقديرية لغايات اصدار قرارات إدارية تمس حقوق الفرد باسم المنفعة العامة او المصلحة العامة.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير