يوم الأسير الفلسطيني (هم الأحياء الأموات في مقبرة الاحتلال)

17.04.2022 11:38 PM

كتب: محمود جودت محمود قبها

أسرانا البواسل تعجز أقلامنا عن وصف حالة الصمود الأسطوري خلف جدران السجون، ولا تمتلك عقولنا الحديث عن حالة النضال الأسطوري لهؤلاء الرجال، كيف نكرم من قدموا الغالي والنفيس من أجل حرية الوطن، كيف نكرم أسرانا البواسل، وكيف نحيي جهودهم، وكيف نتحدث عن صمودهم وإرادتهم الكبيرة في وجه السجن وظلمة السجان 

تحية من قلب الوطن المكبل بالألم تحية من أعماق الروح والوجدان تحية من رسخت سيرتهم في قلوبنا على مر السنين والأيام تحية إلى مجد عزتنا وكرامتنا الميامين الأبرار أرسل تحية من أكاليل الورد والياسمين تحيه من أزهار القرنفل والرياحين تحيه من الزنبق المنثور على جبال فلسطين تحية من عبق تراب أرض فلسطين تحيه من قلب طائر مغرد حزين تحيه عربيه ملؤها النضال والدماء والفخار.

يحيي الشعب الفلسطيني ذكرى يوم الأسير الفلسطيني ، وبدأ الفلسطينيون بإحياء هذه الذكرى منذ 17/4/1974، وهو اليوم الذي أطلق فيه سراح أول أسير فلسطيني (محمود بكر حجازي) في أول عملية لتبادل الأسرى بين الفلسطينيين والاحتلال الصهيوني . ففي هذا اليوم ، يعبر الشعب الفلسطيني والمتضامنين مع نضاله العادل عن استمرار النضال والكفاح في سبيل حرية الأسرى والأسيرات من سجون الاحتلال الصهيوني تعودت البشرية على اختيار أيام من السنة لإحياء ذكريات ومناسبات واحتفالات من مختلف الأشكال ,ولكن الشعب الفلسطيني تميز باختيار أيامه كلها كأيام كفاحية وفي ظل الحالة الكفاحية التي عاشها ويعيشها الشعب الفلسطيني يوم الأرض حدد في ظل المجابهات العنيفة مع الاحتلال الاستيطاني ويوم الشهيد ويوم الأسير ,وذكرى المجازر وذكرى النكبة وذكرى وعد بلفور وغيرها كلها أيام كفاحية وأقرت خلال تصاعد حالات النضال الفلسطيني المتواصل في وجه الهجمة الاستيطانية الاستعمارية للاستيلاء على فلسطين وتحويلها إلى وطن قومي لليهود بناء على سياسة الدول الاستعمارية في بدايات القرن الماضي .

تطُل علينا ذكرى "يوم الأسير الفلسطيني" هذا العام، بصور متعددة الأشكال، ممزوجة المشاعر، ما بين الألم والأمل، ما بين صمود أسرانا وثباتهم وشموخهم، وقهر الاحتلال وفظاعة جرائمه وتصاعد انتهاكاته وممارساته اللا إنسانية والتي تصاعدت في الآونة الأخيرة بشكل خطير، وامتدت لتطال ذويهم وأبنائهم ونسائهم وتمس بشكل مباشر مشاعرهم الإنسانية والدينية تلك الانتهاكات التي يوصف بعضها أحياناً بالجرائم، لم تعد تُطاق، كما ولم يعد بالإمكان حصرها، لتتحول السجون بمختلف أسمائها وأماكن وجودها إلى بدائل لأعواد المشانق، حيث يجرى بداخلها أبشع عمليات القتل الروحي والنفسي والتعذيب الجسدي، وبداخلها يتم إعدام الأسرى بشكل بطيء، مما يعني أن شبح الموت يهدد حياة الأسرى كافة.

أيام السجن وساعات الأسر التي يقضيها أسرانا البواسل بين أقبية السجون وجدران الزنازين، لا تكفيها مقالة أو اثنتان، أو كتاب أو اثنان، بل هي تجارب نضالية أسطورية تسطر نضال شعبا وكفاح أمة من أجل الحرية والاستقلال؛ كيف لا وقد تعرض أكثر من ربع مليون فلسطيني للاعتقال في سجون الاحتلال... هي تجارب مقاومة وفداء سطرها أسرانا البواسل .. تجارب صنعها أبطال السجون ورجالات الصبر والصمود، من أجل حرية الوطن وبناء الدولة الفلسطينية ودحر الاحتلال عن أرضنا المباركة تعجز أقلامنا عن وصف حالة الصمود الأسطوري لأسرانا الأبطال خلف جدران السجون، ولا تمتلك عقولنا الحديث عن حالة النضال الأسطوري لهؤلاء الرجال، كيف نكرم من قدموا الغالي والنفيس من أجل حرية الوطن، كيف نكرم أسرانا البواسل، وكيف نحيي جهودهم، وكيف نتحدث عن صمودهم وإرادتهم الكبيرة في وجه السجن وظلمة السجان .

ولا ننسى أن نوجه التحية لأصحاب المحكوميات العالية، فهناك (40) أسيرا يقضون أكثر من 20 عاما في سجون العدو أقدمهم الأسير كريم يونس، وماهر يونس اللذان يقضيان (34 )عاما بشكل متواصل في سجون الاحتلال، ونائل البرغوثي الذي قضى (36)عاما وأعيد اعتقاله بعد الإفراج عنه في صفقة شاليط، كما لا أنسى أن أبعث بالتحية الكبيرة للأسير المغوار حسن سلامة، ولا ننسى أن أحيي الأسيرة لينا جربوني وهي أقدم الأسيرات الفلسطينيات في السجون حيث تقضي 14 عاما، وهي أصغر أسيرة فلسطينية في السجون، ولا ننسى الأسير اللواء فؤاد الشوبكي (82) عاما يعد اكبر الاسرى سنا في سجون الاحتلال الإسرائيلي.

الأسرى الفلسطينيون هم الأحياء الأموات في مقابر الإحتلال، يحتفل الشعب الفلسطيني بهم كل عام ليعبروا لهم عن تضامنهم ونصرتهم ودعمهم والوقوف بجانبهم، يوم الأسير الفلسطيني هو يوم تضامني مع الأسرى الفلسطينيين في السجون والمعتقلات الإسرائيليّة، يوافق هذا اليوم 17 نيسان من كُل عام، حيث أقر المجلس الوطني الفلسطيني باعتباره السلطة العليا لمنظمة التحرير الفلسطينيّة عام 1974 خلال دورته العادية يوم السابع عشر من نيسان يومًا وطنيًا للوفاء للأسرى الفلسطينيين وتضحياتهم، تُعتبر قضية الأسرى من القضايا الحساسة للشعب الفلسطيني أولاً بسبب أعدادهم الكبيرة داخل سجون الإحتلال، فقد بلغ عددهم قرابة 4500 أسير فلسطيني، من بينهم 41 أسيرة و 140 طفل تقل أعمارهم عن 18 عاماً، وثانياً بسبب السنوات الطويلة لعددٍ كبير منهم فهناك من أمضى عشرات السنوات خلف قضبان السجان أمثال كريم يونس ونائل البرغوثي .

من هنا وفي يوم الأسير لا بد لنا جميعاً أن نقف وقفة عز ويداً واحدة دون إنقسام لنؤكد لهم أننا معهم دائماً فهم النور الذي يضيء طريقنا نحو الحرية والإستقلال، وهم الكرامة والعزة التي نتمتع بها، في الأسرى الفلسطينيين هم قضية وطن وحكاية شعب، وقضية وطن من خلال دفاعهم عن أرضهم وقضية شعب من خلال دفاعهم عن حرية شعبهم، إذا كان الدفاع عن الوطن والشعب خيانة وإرهاب في نظر المُحتل فما أحلى تلك الخيانة في نظرنا، إن مقاومة أبطالنا الأسرى للمُحتل المُغتصب ما هو إلا شرفٌ وفخرٌ نعتز به

لقد شكلت إعتقالات الإحتلال شبه اليومية للفلسطينيين أداة أساسية بيد الإسرائيليين للضغط عليهم للتخلي عن قضيتهم وترك الساحة النضاليّة، حيث باتت الإعتقالات هي الوسيلة الأكثرة قمعاً للفلسطينيين وخراباً للمجتمع الفلسطيني، إن سياسة الإعتقال كما سياسة العقاب تجاه الأسرى والأسيرات تحديداً الأطفال والمرضى ممنهجة من قبل المُحتل، فالإحتلال ينتهج سياسة الإنتهاك والتنكيل والتعنيف بلا رحمة ولا شفقة تجاه أسرانا وأسيراتنا ممن يقبعون في سجونهم، هذا ما رأيناه وما زلنا نراه في تعامله مع الأسير الفلسطيني من تجاهل لوضعه النفسي والجسدي، فهناك العديد من الأسرى ممن عانوا أمراض مزمنة فقدوا حياتهم نتيجة الإهمال الطبي لهم كما حصل مع الأسير الشهيد داود الخطيب الذي أستشهد داخل سجون الإحتلال، وغيرهم فقدوا أغلى ما يملكون (أحد أفراد أسرتهم) دون إلقاء نظرة الوداع عليهم كما حصل مع الأسير صالح رشدي أبو مخ الذي أمضى 35 عاماً داخل سجون الإحتلال، إنتظرته أمه 33 عاماً وقبل خروجه بعامين فارقت الحياة وفي قلبها غصة اللقاء بفلدة كبدها، أي عذاب أصعب من هذا العذاب، وغيرهم عانوا العديد من الأمراض والإضطرابات النفسيّة كما حصل مع الأسير منصور الشحاتيت الذي أمضى 17 عاماً داخل سجون الإحتلال تعرض خلالها لأقسى أنواع التعذيب الجسدي والنفسي خلال وجوده في الزنازين لفترات طويلة أفقدته القدرة على التوازن النفسي والعقلي والجسدي، هي تلك سياسة الإحتلال ممنهجة على التنكيل وإنتهاك حقوق الأسرى التي كفلتها لهم المواثيق والأعراف الدولية.

إن شعبنا لا يعطي أية شرعية للاحتلال وبالتالي متلازما مع هذا الموقف فإنه لا يعترف بمشروعية الأسباب التي تدفع الاحتلال لاعتقال المناضلين ومن والاهم أو من يشتبه الاحتلال بأنهم يؤيدون النضال الفلسطيني ضده مهما كانت الوسائل النضالية المتبعة ومهما كانت النتائج المترتبة من هذا النضال في صفوف العدو ومهما كانت ظروف الاحتفال بمثل هذا اليوم في الظروف الحالية ,فإن موقف الشعب الفلسطيني وضميره لم يتغيرا نتيجة الحالة التي تمر بها قوى الحركة الوطنية والإسلامية الفلسطينية من الانقسام الخطيرة عن أهداف الشعب الفلسطيني , وسيظل الأسرى الفلسطينيين حالة من الوجع الفلسطيني .

نتحدث عن حركة نضالية متجذرة ومتطورة دوماً، انضوى تحت لوائها وانضم لصفوفها منذ احتلال إسرائيل لفلسطين مئات الآلاف من الفلسطينيين، وهؤلاء هم جزءٌ لا يتجزأ من الشعب الفلسطيني، وهم من حملوا لواء النضال جنباً إلى جنب مع بقية المناضلين ولم يعرفوا إلا الثورة وطنـاً وهويةً في السراء والضراء و انخرطوا في صفوف النضال في أصعب مراحله وأحلك لحظاته وقدموا الغالي والنفيس دفاعاً عن كرامة وشرف شعبهم وحقوقه العادلة، وتركوا عائلاتهم فكان لهم في سجل التاريخ والبطولة صفحات مضيئة، والمستقبل الفلسطيني سيبقى مشوها ما لم ينل من تبقى منهم خلف القضبان حريتهم .

مطلوب من الأمتين العربية والإسلامية أن تضع قضية الإفراج عن الأسرى الفلسطينيين على رأس الأولويات في القمم والتجمعات والمؤتمرات العربية هؤلاء الأسرى الذين ضحوا بحريتهم وبأهلها ومستقبلهم من أجل حرية شعبهم ونصرة وتحرير وطنهم يستحقون منا أن نستذكرها ونتضامن معهم كل أيام السنة وليس يومٍ واحد، في الأسرى أولاً وأخيراً.

الأسرى الفلسطينيون ، هم جزء لا يتجزأ من الشعب الفلسطيني، الذي لم ولن يقبل بالظلم والاضطهاد ولا بسلب حقوقه الوطنية والإنسانية ولا المساس بشرفه وكرامته وأن قضيتهم كانت وستبقى هي قضية مركزية بالنسبة لشعبهم. فهم من ناضلوا وضحوا و أفنوا زهرات شبابهم خلف قضبان السجون من أجل فلسطين ومقدساتها، ومن أجل قضايا الأمة العربية والإسلامية جمعاء  إن قضية الأسرى بالنسبة للفلسطينيين ثابت من الثوابت الوطنية، فهي كالأرض والعرض وحق العودة واللاجئين، هي قضية ثابت، والعمل على تحريرهم من السجون الصهيونية اليوم قبل الغد على رأس الأولويات في برامج المقاومة الفلسطينية.

وعلى العالم أجمع أن يدرك بأن الأمن لم يتحقق يوماً إلا بالسلام القائم على العدل، الذي يبدأ بإنهاء الاحتلال وتحرير الأرض والإنسان وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، وعليه، بل ومن واجبه أن يضغط على سلطات الاحتلال للإيفاء بالتزاماتها وبما اتفق عليه والإفراج عن الدفعة الرابعة من الأسرى القدامى ما قبل أوسلو، إذا أرادوا للمفاوضات أن تستمر، كمقدمة أساسية نحو الإفراج عن كافة الأسر بدون استثناء أو تمييز ضمن جدول زمني واضح كشرط لنجاح العملية السلمية.

ومن الواجب الوطني والشرعي والديني، والأخلاقي والإنساني نصرتهم ومساندتهم والعمل لوقف الانتهاكات الخطيرة بحقهم، والسعي بكل الوسائل المشروعة لضمان تحقيق حريتهم وعودتهم إلى بيوتهم واحبتهم سيراً على الأقدام، لا محملين على الأكتاف  و على المجتمع الدولي بكافة مؤسساته الحقوقية والإنسانية أن يصون ويحمي اتفاقياته ومواثيقها الدولية التي تضرب بعرض الحائط من قبل إسرائيل وأمام مرأى ومسمع من العالم أجمع .

أسرانا البواسل نخاطب فيكم الصبر نخاطب فيكم الثبات والصمود، نحن بعيدون عنكم في المسافات، ولكن قريبون منكم في الهموم والقضية وأنتم في مهجة قلوبنا، وفي ديمومة يومنا، ونشعر بأنفاسكم ونشعر بهمومهم وآلامهم .. ونشد على صمودكم وثباتكم في مواجهة السجان، و ستشرق يوما الحرية ويبزغ الفجر الجديد، وستخرجون بإذن الله منتصرين بعزيمتكم وإرادتهم التي قهرت السجن والسجان .

إلى الملتقى القريب أسرانا البواسل


 

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير