القائد مروان

17.04.2022 10:51 AM


بقلم: نهاد أبو غوش


في يوم الأسير الفلسطيني، يستذكر كل منا بعضا من أحبته وأصدقائه ومعارفه ممن غيّبتهم سجون الاحتلال، وهذه المناسبة كانت وما زالت مكرسة لإظهار الاعتزاز من جهة والتضامن من جهة أخرى، مع أولئك " الشهداء الأحياء" الذين يدفعون هم وأسرهم ضريبة حرية شعبهم، فيقضون أغلى سنوات عمرهم وأجملها خلف القضبان، محرومين من أبسط حقوقهم الإنسانية. وكانوا وما يزالون هدفا متاحا لعمليات البطش والتنكيل من قبل قوة غاشمة ترى أن كسر إرادة هؤلاء الأبطال يُمكّنها من إخضاع شعبهم، ولجم تطلعاته الوطنية، لا سيما وأن أولئك الأسرى الذين يزيد عددهم الآن عن خمسة آلاف أسير وأسيرة، ليسوا مجرد أرقام لفلسطينيين وفلسطينيات وجدوا صدفة على هامش حياة شعبهم الذي تسير حياته من دونهم كالمعتاد، بل هم في الحقيقة طلائع وقادة وبينهم أمناء عامون لفصائل ونواب منتخبون ومثقفون وأكاديميون ومبدعون، كما أن بينهم أطفالا، ومناضلين ضربوا أرقاما قياسية عالمية في مددة بقائهم في السجون، وما زالوا متمسكين بالحياة والحرية، بل هم الذين يبقون أمل شعبهم بالحرية متّقدا ومتوهجا.

يخالط شعورنا بالاعتزاز بأسرانا ودورهم وتضحياتهم مشاعر أخرى سلبية تحزّ في النفس، نتيجة شعورنا بالتقصير، وتراجع اهتمامنا على المستويات الشعبية والمؤسسية بقضية الأسرى، واتخاذ فعاليات التضامن مع قضيتهم طابعا موسميا متقطعا. وفي كثير من الأحيان تكاد هذه الفعاليات تقتصر على ذويهم وعلى بعض الناشطين من الهيئات المتخصصة، إلا في حالات استثنائية نادرة مثل إضراب اسير عن الطعام يجعله يشارف على الموت، أو حالة صحية إنسانية ضاغطة مثل حالة الأسير الطفل أحمد مناصرة والأسيرة  الجريحة إسراء جعابيص.

الشعور بالتقصير الأقرب للخذلان هو الذي يراودنا حين نستقبل أسرى أمضوا في السجون كامل مدة محكوميتهم بالتمام والكمال حتى اليوم الأخير من حكمهم كما حصل مؤخرا مع الأسرى مجد بربر ومجد زيادة وشادي الشرفا الذين أمضى كل منهم عشرين عاما لا تنقص يوما واحدا، وقبلهم الأسير المحرر صالح أبو مخ الذي تحرر قبل عام بعد أن أمضى في السجون خمسة وثلاثين عاما، وقبل كل هؤلاء وبعدهم رموز الحركة الأسيرة الرازحون في السجون مسجلين أرقاما لم يسجلها أي معتقل سياسي في العصر الحديث على امتداد العالم، وفي طليعتهم نائل البرغوثي وكريم يونس وماهر يونس، وإلى جانبهم من يستحقون أن يكونوا في الصفوف الأولى لهيئات شعبهم ومؤسساته القيادية وعلى رأسهم القائدان احمد سعدات ومروان البرغوثي.

لا مسيرة التسوية والمفاوضات وما تخللها من "شهور عسل" واتفاقيات وتفاهمات وإجراءات بناء الثقة فضلا عن الآمال والأوهام العريضة، لا شيء من كل ذلك قاد للإفراج عن هؤلاء القادة، ولا حتى الصفقات التي أبرمتها فصائل المقاومة اللبنانية ثم الفلسطينية، وما سلسلة الإضرابات الفردية ومحاولة التحرر الذاتي البطولية من سجن جلبوع إلا دليلا على عدم تعويل الأسرى على الوسائل التي يملكها الخارج للضغط من أجل الإفراج عنهم، وبالتالي لم يعد أمامهم سوى البحث عن طرق فردية للخلاص.

لقد ابتلعنا الطعم الإسرائيلي الخبيث، وارتضينا القبول مكرهين بمعايير التمييز العنصرية الإسرائيلية بين أسرانا وأسرانا، بين أسرى الداخل المحتل عام 1948 وأسرى القدس والضفة وغزة، بين من على أيديهم دم يهودي وأنواع أخرى من الدماء، بين الأحكام العالية التي يصورونها وكأنها تجسيد لعدالة ما، والأحكام الخفيفة، بينما هي كلها أحكام سياسية في الجوهر، فالأسرى الفلسطينيون لم يعتقلوا ويحاكموا إلا لأنهم جزء من الحركة الوطنية لشعبهم، وقيادتهم هي عينها القيادة التي تفاوضهم وتجلس معهم سواء في المقاطعة أو في أماكن أخرى.

من المؤسف أن شخصا مثل الجندي الإسرائيلي الذي كان أسيرا لدى المقاومة في غزة، واقترنت صفقة "وفاء الأحرار" باسمه، صار معروفا عالميا ومحليا أكثر من معظم مناضلينا وقادتنا الذين لا يمكن مقارنة جزء يسير جدا من مواصفاتهم ومناقبهم بهذا الشخص الذي حولته حكومته إلى أيقونة للحرية، وجعلت من زيارة أسرته محطة إجبارية لزيارة أي وفد او مسؤول أجنبي، وشكلت لجانا رسمية وأهلية جابت دول العالم للتعريف بقضيته.
من أبرز علامات التقصير الأهلي والمؤسسي تجاه أسرانا، قضية الأسير القائد مروان البرغوثي الذي مرّت بالأمس ذكرى اعتقاله العشرون، لتضاف هذه

السنوات الطويلة لست سنوات اخرى قضاها هذا المناضل في السجون مطلع شبابه، فـ"أبو القسام" يملك من العوامل والمؤهلات والسجابا ما يجعل قضيته قضية عالمية بامتياز ترمز لقضية شعبه وحقه بالحرية، ومنها أنه منتخب مرتين لعضوية المجلس التشريعي الفلسطيني، ومرتين لعضوية اللجنة المركزية لحركة فتح وهي أعلى هيئة قيادية لاكبر فصائل الحركة الوطنية الفلسطينية، وهو أكاديمي يحمل درجة الدكتوراة ويساهم من سجنه في توفير التعليم الجامعي للأسرى، وهو قائد شعبي ميداني في الوقت نفسه، وجميع استطلاعات الرأي العام تمنح مروان البرغوثي تقدما ملحوظا على أية شخصية قيادية فلسطينية تنافسه سواء كانت من فتح أو حماس أو من باقي الفصائل والمستقلين، ولا يعود ذلك لوجوده في السجن فقط، بل لأن الشعب الفلسطيني يتطلع إلى نمط من القيادة قادرة على توحيد الشعب من جهة وتكون نابعة من معاناتها وتضحياتها في الوقت نفسه.

لدينا مثل شعبي مفاده أن "من ليس له كبير، يشتري كبيرا"، والمؤسف في حالتنا أن لدينا كبارا ولكننا نهملهم ولا نستطيع استثمارهم لصالح قضية شعبنا وحريته.

ربما يقول قائل: ولماذا فلان وليس فلانا؟ لا شك ان الكل مهم وغال وعزيز، ولكن لدينا قائد بحجم مروان يمكن لنا وله أن يتحول بقليل من الجهود وكثير من المواظبة إلى رمز لحرية شعبنا المسلوبة، وليس لحريته الشخصية والفردية فقط، رمز لا يقل شأنا وتأثيرا عن القائد العالمي نيلسون مانديلا.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير