استنزاف وتدمير الجيوش العربية ...حسين حجازي
14.07.2013 10:47 AM
بعد الزعيم المحبوب أو الخالد أبد الدهر في قلوب العرب والمصرين، جمال عبد الناصر، فإن الألقاب والصفات التي ترافق علي مدى أربعين عاماً خلفائه ,قد تبدو اليوم ومن منظار التاريخ هي الأكثر جدارة بالتأمل، للأقدار التي رافقت سجلهم ومصيرهم : انور السادات المقتول علي المنصة بينما يستعرض جيشه، غير بعيد هنا من ساحة مسجد رابعة العدوية، وحسني مبارك المخلوع في الميدان، ميدان التحرير من قبل اكبر ثورة شعبيه شهدتها مصر في تاريخها، ثم بعد الخلع يأتي العزل محمد مرسي أول رئيس منتخب في تاريخ مصر، والذي لم يكمل مدة رئاسته وبعد سنه واحد تم عزله بانقلاب ناعم قامت به القوات المسلحة، وانتهي المطاف به الى العزل في مكان لا يعرف حتي الآن، وبعد الرئيس المعزول يأتي دور الرئيس المؤقت في نهاية هذا الذيل السيئ والمتكدر للأحداث، وهو ربما الوصف الذي يحمل اكثر من اي لقب آخر، الدلالة تعبيراً عن خارطة الطريق التي تشير إلى المستقبل في مصر. فماذا بعد المقتول والمخلوع والمعزول والمؤقت؟ غير المؤقت الدائم الذي يعني الدخول عمليا في حقبة الفوضي وعدم الاستقرار، وربما كما يقول بوتين الحرب الأهلية.
الشرق هنا قبل تطور الأحداث الدراماتيكية في مصر يوم 30 حزيران، والتي بلغت ذروتها المتصاعدة في 3 تموز بالانقلاب، أن هذا الفيلم الذي سيبدأ عرضه في مصر، قد شاهدناه هنا في غزة من قبل وبلغ مأساته التصعيدية يوم 14 حزيران العام 2007 . حينما وصل الصراع المكشوف علي السلطة والحكم الى طريق مسدود اي الدخول في الاحتراب الأهلي الداخلي، وقررت حماس في هذه الأثناء السيطرة على الحكم بالقوة.
وهكذا فإن السؤال هنا مرة أخرى لكل من له عين ترى واذن تسمع، ماذا بعد الاعتصام والتحشيد السلمي في ميدان رابعة العدوية، والى جامعة القاهرة والمشهد الدموي قبالة نادي الحرس الجمهوري ؟ وقد يكون الجواب كما حدث فعلا يوم الجمعة جمعة الزحف علي القاهرة، ولكن ماذا بعد هذه الذروة اذا لم يتم التوصل الي التسوية او مخرج او حل وسط ؟ وأقول لكم ان الإشارة الى هذه الطريق او البديل المحتمل، وقد يبدو واضحا أن الحوار معطل فعلياً بينما 80 مليون مصري يتحدثون في الوقت نفسه ولا يسمع احدهم الآخر.
ان الاشارة الي ما ينتظرهم هو ما بدأ يحدث في سيناء مبكراً الخاصرة الضعيفة لمصر.
فهل تلاحظون لكي نفهم الأزمة المصرية الجديدة الي اين ذاهبة. كيف يمكن ان تكون سيناء هي مسرح كل هذا الانفلات الأمني تحت بصر وسمع أطراف اتفاقية كامب ديفد ؟ وهي تمثل أساس وجوهر الترتيبات الامنية لاتفاقية كامب ديفد ومفترض انها بهذه الاهمية موضع الرعاية والمراقبة المركزة والقصوى لهذه الأطراف أميركا وإسرائيل ومصر على حد سواء؟
والمسألة واضحة ان وراء الأكمة ما وراءها، كما يقال، فهل السيناريو المصري هو استنزاف وانهاك وتعطيل الجيش المصري الذي يراد لهذه الأزمة أصلاً إدخاله في المستنقع؟ وذلك بعد تدمير الجيش العراقي واستنزاف الجيش السوري. فمن هم اللاعبون او المتآمرون الحقيقيون من وراء هذه الستارة الذين يحركون الأحجار على رقعة الشطرنج في الأزمة المصرية.
وحيث بدأ الاحتراب الداخلي في سورية من الأطراف قبل ان يدنو من دمشق، فان علينا اليوم ان نجري مزيدا من التحليل للاستراتيجية الأميركية والإسرائيلية على حد سواء، في السياق العام لهذا المشهد.
ونسجل هنا سريعاً ملاحظتين تلفتان الانتباه في هذه المواقف، اذ بينما تلوح اميركا في وجه الجيش المصري باحتمال قطع المساعدات العسكرية، تتلعثم ولا تنطق الكلمة الرئيسة بوصف ما حدث انه انقلاب. مبقية الباب مفتوحاً على كل الخيارات، فان الموقف اللافت والموازي في إسرائيل هي الأوامر التي أعطاها نتنياهو لوزراء حكومته، بحبس ألسنتهم والامتناع عن إطلاق أي تصريحات أو مواقف او تعليقات على ما يحدث. وهذه الأوامر المشددة بإبداء الصمت لا يتم اللجوء إليها عادة الا في حالات استثنائية، في غضون أزمة متحركة تكون إسرائيل متورطة فيها بشكل خفي، وترى أن هناك ضرراً وخطورة تمس بإسرائيل في حال انكشاف دورها غير المعلن في هذه الأزمة.
فلماذا تبدو أميركا في هذا الموقف المتلعثم وكأنها تظهر بمظهر المتخاذل ازاء دعم حلفائها الجدد من الاخوان المسلمين، وحتى التنكر لمبادئها التي صدعت بها رؤوسنا عن الديمقراطية ؟ حتى لدرجة ان قادة الإخوان في مصر خرجوا عن تحفظاتهم السابقة، واتهموا كمن يكتشف الخديعة او الخيانة أميركا وإسرائيل بالتواطؤ معا في تدبير هذه المؤامرة عليهم.
والواقع أن الموقف الأميركي يحتمل كلاً من هذين التفسيرين المتناقضين: الشعور انهم في مأزق حقا او انهم يمارسون نوعا من الخداع السياسي الباطني بحرفية متقنة وعالية الذكاء. ويمكن ترجيح الفرضية الاولى من حقيقة ان رهاناً جدياً كانت الولايات المتحدة، تعلقه على نجاح قوة الإخوان المسلمين في الحكم كاستراتيجية تحويلية بعد فشل شعبية وشرعية الأنظمة الاستبدادية القديمة الحليفة لواشنطن. وهنا ربما كانت هناك ثلاثة دوافع رئيسية أملت على واشنطن إقامة هذا التحالف الجديد مع الاسلاميين. وهذه الدوافع يمكن اختصارها علي النحو التالي :
1-التأثير على موقف الإسلاميين لدفعهم نحو تقديم الغطاء الشعبي والإسلامي السياسي الايديولوجي لاتفاقات السلام الموقعة مع إسرائيل، والاعتراف الشرعي باسرائيل في المنطقه. بالنظر الى ان الأنظمة الاستبدادية لم تكن تملك هذه الشعبية.
2-التأثير على هذا الموقف في إستراتيجية الاستقطاب والعداء في المنطقة لإيران، اي لتوظيف هذا التحالف في إطار استراتيجية الفتنة المذهبية بين السنة والشيعة، لتدمير الإسلام من داخله.
3-الحاجة الآن في إطار استراتيجية الانكفاء او التراجع الأميركي في الشرق الأوسط، الى بناء تحالفات جديدة مع أنظمة حكم شرعية ومستقرة، تضمن لاميركا الانسحاب الآمن دون تعريض ما تبقى لها من مصالح حيوية لحدوث هزات عنيفة ودراماتيكية.
وبهذا المعنى فان انقلاب الجيش المصري علي حكم الإخوان في مصر، ربما فاجأ الإدارة الأميركية بإعادته خلط الأوراق من جديد أمام واشنطن، ما تسبب فعليا بإرباكها. لكن من المقلب الآخر لو كان هذا التحليل صحيحاً لما تأخرت واشنطن في التنديد بأقصى العبارات بما حصل وسمت الانقلاب باسمه، ومارست قدرا واضحا من الضغط على المؤسسة العسكرية المصرية، ولكنها لم تفعل ذلك وهو ما يرجح فرضية التواطؤ، وان أميركا ماضية جديا في تنفيذ المخطط الكبير، وهو هنا الفوضى البناءة في الشرق الأوسط، كخيار وحيد تحت الطاولة.
وهذا الافتراض يلتقي ويتقاطع مع حقيقة الموقف الإسرائيلي غير المعلن، وهو عدم التسامح او الغفران لإقدام الرئيس محمد مرسي التجرؤ على تجاوز القيود الامنية في سيناء، وإدخال الجيش المصري الثاني الى منطقه (ج) دون استئذان اسرائيل، التي ربما سجلت له وأميركا انه لم يلفظ باسمها قط طيلة السنة من حكمه، واعتقدوا طوال الوقت ان ما يمارسه مرسي وجماعته ليس الا نوعا من التقية الباطنية لحركة ما كان لها ان تؤمن بإسرائيل، وربت قواعدها على ذلك. وهكذا اشتغلوا طيلة الفترة الماضية ربما علي تقويض حكم الإخوان المسلمين في مصر وإعادة إنتاج النظام السابق بحلة جديدة.
لقد فهم جميع اللاعبين في المنطقة والعالم ان من يحكم مصر يحدد وجهة السفر في هذه المنطقة. ولذا وجدنا هذا الكم الهائل من التناقضات التي تبدو على السطح غير مفهومة في مواقف هؤلاء اللاعبين، من القضية المصرية وهاكم الامثلة:
1-كيف أمكن التلاقي بين سورية والسعودية المتحاربتين، في الترحيب بحرارة بالانقلاب على حكم الإخوان في مصر. والمسألة واضحة، سيرى بشار الأسد البعثي القومي العلماني سقوط الإسلام السياسي كاحتفال بانتصار القومية العلمانية على هذا الخيار.
اما في السعودية فإن بيان الاحتفال بالنصر المقرون بمليارات الدعم للنظام الجديد، لا ينطوى علي اي لبس او غموض تأكيداً علي المرجعية الدينية الوهابية، وانزياح هذه الأحزاب التي ما انزل الله بها من سلطان اي الإخوان المسلمين. وحيث ما كان للسعودية ان تقبل بحكم مصر من لدن مرجعية قومية في عهد ناصر او إخوانية إسلامية مؤخراً من خارج المرجعية الوهابية على حد سواء، تهدد بفرض هذه المرجعية علي العالم العربي.
2-كيف تتفق إيران الشيعية وتركيا السنية الاخوانية هذه المرة النادرة، وهما الآن يشهدان حربا مستترة باردة بينهما، على التنديد بما حدث واعتباره صراحة انه انقلاب غير مقبول.
3-وكيف تبدو لوحة المواقف علي هذا القدر من التناقض، وله في الشكل والمظهر ان السعودية والإمارات والكويت في طرف ترسل 12 مليار دولار تحيه للنظام الجديد، بينما الرئيس الاميركي باراك أوباما يتحدث عن مراجعة المساعدات لمصر. وروسيا التي يقول رئيسها بوتين ان ما حدث يهدد بحرب أهلية، تلوح بتسليح الجيش المصري اذا تراجعت أميركا.
4- وكيف يبدو أخيرا موقف حزب الله فاتراً وبارداً، بينما حماس هي التي تلقت الصفعة.
وهذه التناقضات الذاخرة التي تشبه الموزاييك، انما هي التي تؤشر الي التصور الوحيد الذي تظهره الازمة، عند هذا المنعطف الأخير . وهو ان المؤقت الدائم هو ما ينتظر او يميز المشهد والأزمة المصرية. المؤقت المتحرك انطلاقا من هذا المثلث صاعق التفجير في بارود الازمة بسيناء، التي هي قدس أقداس اتفاقية كامب ديفد. فالسلام بدأ من هنا والحرب بدأت من هنا.
الشرق هنا قبل تطور الأحداث الدراماتيكية في مصر يوم 30 حزيران، والتي بلغت ذروتها المتصاعدة في 3 تموز بالانقلاب، أن هذا الفيلم الذي سيبدأ عرضه في مصر، قد شاهدناه هنا في غزة من قبل وبلغ مأساته التصعيدية يوم 14 حزيران العام 2007 . حينما وصل الصراع المكشوف علي السلطة والحكم الى طريق مسدود اي الدخول في الاحتراب الأهلي الداخلي، وقررت حماس في هذه الأثناء السيطرة على الحكم بالقوة.
وهكذا فإن السؤال هنا مرة أخرى لكل من له عين ترى واذن تسمع، ماذا بعد الاعتصام والتحشيد السلمي في ميدان رابعة العدوية، والى جامعة القاهرة والمشهد الدموي قبالة نادي الحرس الجمهوري ؟ وقد يكون الجواب كما حدث فعلا يوم الجمعة جمعة الزحف علي القاهرة، ولكن ماذا بعد هذه الذروة اذا لم يتم التوصل الي التسوية او مخرج او حل وسط ؟ وأقول لكم ان الإشارة الى هذه الطريق او البديل المحتمل، وقد يبدو واضحا أن الحوار معطل فعلياً بينما 80 مليون مصري يتحدثون في الوقت نفسه ولا يسمع احدهم الآخر.
ان الاشارة الي ما ينتظرهم هو ما بدأ يحدث في سيناء مبكراً الخاصرة الضعيفة لمصر.
فهل تلاحظون لكي نفهم الأزمة المصرية الجديدة الي اين ذاهبة. كيف يمكن ان تكون سيناء هي مسرح كل هذا الانفلات الأمني تحت بصر وسمع أطراف اتفاقية كامب ديفد ؟ وهي تمثل أساس وجوهر الترتيبات الامنية لاتفاقية كامب ديفد ومفترض انها بهذه الاهمية موضع الرعاية والمراقبة المركزة والقصوى لهذه الأطراف أميركا وإسرائيل ومصر على حد سواء؟
والمسألة واضحة ان وراء الأكمة ما وراءها، كما يقال، فهل السيناريو المصري هو استنزاف وانهاك وتعطيل الجيش المصري الذي يراد لهذه الأزمة أصلاً إدخاله في المستنقع؟ وذلك بعد تدمير الجيش العراقي واستنزاف الجيش السوري. فمن هم اللاعبون او المتآمرون الحقيقيون من وراء هذه الستارة الذين يحركون الأحجار على رقعة الشطرنج في الأزمة المصرية.
وحيث بدأ الاحتراب الداخلي في سورية من الأطراف قبل ان يدنو من دمشق، فان علينا اليوم ان نجري مزيدا من التحليل للاستراتيجية الأميركية والإسرائيلية على حد سواء، في السياق العام لهذا المشهد.
ونسجل هنا سريعاً ملاحظتين تلفتان الانتباه في هذه المواقف، اذ بينما تلوح اميركا في وجه الجيش المصري باحتمال قطع المساعدات العسكرية، تتلعثم ولا تنطق الكلمة الرئيسة بوصف ما حدث انه انقلاب. مبقية الباب مفتوحاً على كل الخيارات، فان الموقف اللافت والموازي في إسرائيل هي الأوامر التي أعطاها نتنياهو لوزراء حكومته، بحبس ألسنتهم والامتناع عن إطلاق أي تصريحات أو مواقف او تعليقات على ما يحدث. وهذه الأوامر المشددة بإبداء الصمت لا يتم اللجوء إليها عادة الا في حالات استثنائية، في غضون أزمة متحركة تكون إسرائيل متورطة فيها بشكل خفي، وترى أن هناك ضرراً وخطورة تمس بإسرائيل في حال انكشاف دورها غير المعلن في هذه الأزمة.
فلماذا تبدو أميركا في هذا الموقف المتلعثم وكأنها تظهر بمظهر المتخاذل ازاء دعم حلفائها الجدد من الاخوان المسلمين، وحتى التنكر لمبادئها التي صدعت بها رؤوسنا عن الديمقراطية ؟ حتى لدرجة ان قادة الإخوان في مصر خرجوا عن تحفظاتهم السابقة، واتهموا كمن يكتشف الخديعة او الخيانة أميركا وإسرائيل بالتواطؤ معا في تدبير هذه المؤامرة عليهم.
والواقع أن الموقف الأميركي يحتمل كلاً من هذين التفسيرين المتناقضين: الشعور انهم في مأزق حقا او انهم يمارسون نوعا من الخداع السياسي الباطني بحرفية متقنة وعالية الذكاء. ويمكن ترجيح الفرضية الاولى من حقيقة ان رهاناً جدياً كانت الولايات المتحدة، تعلقه على نجاح قوة الإخوان المسلمين في الحكم كاستراتيجية تحويلية بعد فشل شعبية وشرعية الأنظمة الاستبدادية القديمة الحليفة لواشنطن. وهنا ربما كانت هناك ثلاثة دوافع رئيسية أملت على واشنطن إقامة هذا التحالف الجديد مع الاسلاميين. وهذه الدوافع يمكن اختصارها علي النحو التالي :
1-التأثير على موقف الإسلاميين لدفعهم نحو تقديم الغطاء الشعبي والإسلامي السياسي الايديولوجي لاتفاقات السلام الموقعة مع إسرائيل، والاعتراف الشرعي باسرائيل في المنطقه. بالنظر الى ان الأنظمة الاستبدادية لم تكن تملك هذه الشعبية.
2-التأثير على هذا الموقف في إستراتيجية الاستقطاب والعداء في المنطقة لإيران، اي لتوظيف هذا التحالف في إطار استراتيجية الفتنة المذهبية بين السنة والشيعة، لتدمير الإسلام من داخله.
3-الحاجة الآن في إطار استراتيجية الانكفاء او التراجع الأميركي في الشرق الأوسط، الى بناء تحالفات جديدة مع أنظمة حكم شرعية ومستقرة، تضمن لاميركا الانسحاب الآمن دون تعريض ما تبقى لها من مصالح حيوية لحدوث هزات عنيفة ودراماتيكية.
وبهذا المعنى فان انقلاب الجيش المصري علي حكم الإخوان في مصر، ربما فاجأ الإدارة الأميركية بإعادته خلط الأوراق من جديد أمام واشنطن، ما تسبب فعليا بإرباكها. لكن من المقلب الآخر لو كان هذا التحليل صحيحاً لما تأخرت واشنطن في التنديد بأقصى العبارات بما حصل وسمت الانقلاب باسمه، ومارست قدرا واضحا من الضغط على المؤسسة العسكرية المصرية، ولكنها لم تفعل ذلك وهو ما يرجح فرضية التواطؤ، وان أميركا ماضية جديا في تنفيذ المخطط الكبير، وهو هنا الفوضى البناءة في الشرق الأوسط، كخيار وحيد تحت الطاولة.
وهذا الافتراض يلتقي ويتقاطع مع حقيقة الموقف الإسرائيلي غير المعلن، وهو عدم التسامح او الغفران لإقدام الرئيس محمد مرسي التجرؤ على تجاوز القيود الامنية في سيناء، وإدخال الجيش المصري الثاني الى منطقه (ج) دون استئذان اسرائيل، التي ربما سجلت له وأميركا انه لم يلفظ باسمها قط طيلة السنة من حكمه، واعتقدوا طوال الوقت ان ما يمارسه مرسي وجماعته ليس الا نوعا من التقية الباطنية لحركة ما كان لها ان تؤمن بإسرائيل، وربت قواعدها على ذلك. وهكذا اشتغلوا طيلة الفترة الماضية ربما علي تقويض حكم الإخوان المسلمين في مصر وإعادة إنتاج النظام السابق بحلة جديدة.
لقد فهم جميع اللاعبين في المنطقة والعالم ان من يحكم مصر يحدد وجهة السفر في هذه المنطقة. ولذا وجدنا هذا الكم الهائل من التناقضات التي تبدو على السطح غير مفهومة في مواقف هؤلاء اللاعبين، من القضية المصرية وهاكم الامثلة:
1-كيف أمكن التلاقي بين سورية والسعودية المتحاربتين، في الترحيب بحرارة بالانقلاب على حكم الإخوان في مصر. والمسألة واضحة، سيرى بشار الأسد البعثي القومي العلماني سقوط الإسلام السياسي كاحتفال بانتصار القومية العلمانية على هذا الخيار.
اما في السعودية فإن بيان الاحتفال بالنصر المقرون بمليارات الدعم للنظام الجديد، لا ينطوى علي اي لبس او غموض تأكيداً علي المرجعية الدينية الوهابية، وانزياح هذه الأحزاب التي ما انزل الله بها من سلطان اي الإخوان المسلمين. وحيث ما كان للسعودية ان تقبل بحكم مصر من لدن مرجعية قومية في عهد ناصر او إخوانية إسلامية مؤخراً من خارج المرجعية الوهابية على حد سواء، تهدد بفرض هذه المرجعية علي العالم العربي.
2-كيف تتفق إيران الشيعية وتركيا السنية الاخوانية هذه المرة النادرة، وهما الآن يشهدان حربا مستترة باردة بينهما، على التنديد بما حدث واعتباره صراحة انه انقلاب غير مقبول.
3-وكيف تبدو لوحة المواقف علي هذا القدر من التناقض، وله في الشكل والمظهر ان السعودية والإمارات والكويت في طرف ترسل 12 مليار دولار تحيه للنظام الجديد، بينما الرئيس الاميركي باراك أوباما يتحدث عن مراجعة المساعدات لمصر. وروسيا التي يقول رئيسها بوتين ان ما حدث يهدد بحرب أهلية، تلوح بتسليح الجيش المصري اذا تراجعت أميركا.
4- وكيف يبدو أخيرا موقف حزب الله فاتراً وبارداً، بينما حماس هي التي تلقت الصفعة.
وهذه التناقضات الذاخرة التي تشبه الموزاييك، انما هي التي تؤشر الي التصور الوحيد الذي تظهره الازمة، عند هذا المنعطف الأخير . وهو ان المؤقت الدائم هو ما ينتظر او يميز المشهد والأزمة المصرية. المؤقت المتحرك انطلاقا من هذا المثلث صاعق التفجير في بارود الازمة بسيناء، التي هي قدس أقداس اتفاقية كامب ديفد. فالسلام بدأ من هنا والحرب بدأت من هنا.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء