سيكولوجيا العنصرية: التعاطف الانتقائي وانتقاء الضحية

23.03.2022 08:58 AM

 

كتب: عصام غالب عواد

يُعدّ ما يسمى "الغزو الروسي" لأوكرانيا عنصرا مهما في تحول انتباه العالم كله إلى هذه الأزمة الإنسانية ونسيان أو تجاهل الأزمات الإنسانية المستمرة منذ سنوات وعقود. فخلال التغطية الإعلامية المستمرة من المنصات الإخبارية الدولية وكبرى الفضائيات الغربية، لفت النظر ظهور نمط متكرر في هذه المنصات الإعلامية يشير للمواطن الأوكراني كإنسان يستحق تعاطفا أكثر من ضحايا النزاعات الأخرى خارج العالم الغربي "المتحضر". وقد أثار عدد من التعليقات التي أدلى بها صحفيون في Telegraph و CBS News و BBC بل وحتى في الجزيرة الناطقة باللغة الإنجليزية، أثار الغضب على وسائل التواصل الاجتماعي وفي حديث الشارع لما لهذه التغطية من آثار متحيزة وعنصري بدأت بسطحية تافهة تصف اللاجئين الأوكرانيين بالأشخاص الأوروبيين ذوي العيون الزرقاء وتتعاطف معهم لنفس السبب إلى استهجان وقوع كييف في ذات المنزلة التي وقعت فيه بغداد وكابول باعتبار استحالة المقارنة بين مدينة مثل كييف ومدن أخرى خارج النظرة الغربية للحضارة. أيا يكن من أمر فإن هذه التصريحات تلمح مرة وتصرح مرات إلى أن الأشخاص الذين يعيشون في مناطق النزاع خارج العالم الغربي هم أشخاص غير متحضرين ومعتادون على أهوال الحرب، وعليه يتم اختلاق أول أسباب قلة التعاطف مع هؤلاء أو حتى تجاهل وإنكار وقوعهم كضحايا، في عملية تطبيع رخيصة للكوارث في أجزاء محددة من العالم يتم ممارستها من قبل وسائل الإعلام وقوعا في فخ ازدواجية المعايير المتبعة في وسائل الإعلام الغربية والمولودة من رحم الأيديولوجيا الشقراء عندما يتعلق الأمر بنزاع أوكرانيا. ومن هنا لا بد من التساؤل عن نشأة هذه التحيزات المركزية التي تعتبر بعض الأرواح البشرية أكثر قيمة من غيرها.

ليس لدى البشر فقط ميل قوي نحو تكوين المجموعة كون البشر كائنات اجتماعية تميل للانتماء إلى جماعات، بل لديهم أيضا ميل للتمييز بين المجموعة التي هم جزء منها، والمجموعات الأخرى الخارجية.  ولدارسي علم الاجتماع فإن هذا التصنيف "نحن مقابل هم" يحدث بطريقة لاشعورية أو بطريقة عفوية، بناء على الخصائص المألوفة والمعتقدات المشتركة. وهو يؤثر حتما على الإدراك الاجتماعي والسلوك، وعادة ما يصور سلوكيات وآراء أكثر إيجابية تجاه أعضاء المجموعة، وهو اتجاه يعرف باسم المحسوبية داخل المجموعة. وفي الواقع ، فإن البشر يميلون إلى التعبير عن السلوك الاجتماعي الإيجابي والذي يمكن تسميته بالسلوك المساعد والداعم، تجاه أفراد المجموعة التي ننتمي إليها مما يقدم إحساسا بالهوية الاجتماعية التي تضفي معنى على حياتنا كلها.

ومن المفارقات أن يكون من المحتمل أن تكون هذه الحساسية خطيرة كونها قد تؤدي إلى تحيز شديد للفرد داخل المجموعة، على حساب المجموعات الخارجية. من خلال إجراء التصنيف داخل المجموعة أو خارجها، وهو أمر نقوم به يوميا، حيث يصبح لدينا القدرة على خلق تحيزات اجتماعية ومواقف تمييزية تجاه أعضاء المجموعة الخارجية، مما يشكّل ما يُعرف بفجوة التعاطف. ويظهر أيضا في الانتماءات الجماعية والتحيز بين المجموعات ظاهرة توضح أنه بينما يميل الأفراد إلى الشعور بألم تعاطفي عندما يرون معاناة شخص آخر، فإن هذا الإحساس ينخفض بشكل كبير بالنسبة للأفراد من مجموعة خارجية.  وهذا يشكل تداعيا آخر ناجم عن التحيز بين المجموعات يتمثل في نزع الإنسانية عن ضحايا ومنحها لضحايا آخرين، وهي عملية يحرم فيها البشر أعضاء الجماعات المتعارضة من الخصائص الإنسانية الأساسية على غرار ضحايا الكوارث في المناطق الأفريقية أو الشرق أوسطية.

ومن الواضح أن هذه الآليات النفسية تلعب دورا في تغطية وسائل الإعلام الغربية لحرب أوكرانيا، وهذا يظهر جليا في ما تم كتابته في صحيفة التلغراف بوصف الأوكرانيين "يشبهوننا كثيرا" وفق تصريح الكاتب، مما جعل الأمر صادما للغاية" في أوساط الحقوقيين في الغرب، بل إن هذه الآليات لم تكن حكرا على وسائل الإعلام الغربية كما هو مُعتقد، بل يتضح أنها متأصلة في جزء كبير من المثقف الغربي كما ظهر في تصريح مراسل الجزيرة الناطقة بالإنجليزية حين وصف الأشخاص الأوكرانيين الفارين من الحرب بأنهم "يشبهون أي عائلة أوروبية ستعيش بجوارها" . في كلتا الحالتين، يرى جزء كبير من أقطاب الإعلام الغربي أن أوكرانيا، وهي إحدى دول أوروبا الشرقية، والأوكرانيون، الذين يشبه مظهرهم الجسدي مظهر أوروبي نموذجي، جزءا من "مجموعة" خيالية. وتبرز هذه الحالات السمة الإنسانية المشتركة، وهي الإعجاب بالناس والوجوه "النموذجية"، مما يعني الوجوه الأقرب مما نتصور.

على النحو المعتاد في البيئات الاجتماعية، فبالنسبة للعيون الغربية، يبدو الأوكرانيون مألوفين، حيث ينشطون النزعة الوجدانية التي تستجيب في الغالب لأعضاء المجموعة. وهذا يتناقض مع رد فعل العالم الغربي، بما في ذلك وسائل إعلامه، على الحروب في سوريا أو اليمن، على سبيل المثال لا الحصر. واستجابةً للنزاعات الخارجية، فإنه يتبدد التعاطف الذي يشعر به الناس في الغرب بسرعة ويتحول الضحايا إلى إحصائيات. مما يشير إلى التعاطف الانتقائي، وكيف ينظر الغربيون إلى أعضاء مجموعاتهم على أنهم أكثر قيمة بطبيعتهم، وإمكانية التعاطف بسهولة أكبر مع من خلال قراءة القصص أو مشاهدة الأخبار عن اللاجئين الفارين من أفغانستان أو الصومال أو سوريا، حيث يشعر الغربيون بأنهم أقل تفريغا تجاههم بناء على الاختلافات المتصورة مثل مظهرهم، أو لباسهم أو حديثهم أو صلاتهم.

وتماما كما لو أن استعداد الرجل الغربي الطبيعي لم يكن كافياً بالفعل، فإن معظم السلوكيات والمواقف البشرية تتأثر بعامل وراثي وبيئي. وهذا يعني أن الإنسان لا يميل بشكل طبيعي فقط إلى تكوين مجموعات والانحياز إلى الآخرين، ولكنه أيضا يتعلم هذا السلوك. وتمارس الثقافة الإنسانية تأثيرا قويا جدا على الدوافع البشرية. ومن هنا نستنتج أن إنتاج العالم الغربي على مدى قرون طويلة للنظرة التي تنظر للأشخاص من الدول الشرقية والأفريقية على أنها "أخرى وأقل شأنا يؤدي إلى تفاقم الميول الطبيعية داخل المجموعة الخاصة بهم وتقليل التعاطف تجاه المجموعات الخارجية، ونقصد هنا غير المجموعات غير المتماثلة في المظهر الجسدي على أقل تقدير.

على الرغم من أن تأثير هذه التحيزات المسبقة والمكتسبة على السلوكيات محبط واللامبالاة والكراهية التي تغذيها تجاه من يختلف عن النظرة الغربية، فلا يزال هناك بعض الأمل. ببساطة، فإن كون المجتمعات الغربية خاضعة لغرائز ضارة لا يعني أنها يجب أن تحكم العالم. وستضطر يوما ما إلى التوجه نحو التفكير أخلاقيا وبعقلانية لابتكار استراتيجيات للتعامل مع مواقفها المتحيزة. عبر الاعتراف أولا بوجود هذه التحيزات، والانطلاق نحو الجمع بين أعضاء داخل المجموعة وخارجها تحت مظلة واحدة تسمى الإنسانية، وهي بالضرورة غير الإنسانية المزيفة الحالية التي سقطت في الاختبار الأخير للحرب الروسية الأوكرانية. وهي إنسانية تساعد الغرب في  تعلم بناء هويتهم على حقيقة أننا جميعا بشر بدلاً من النظر إلى الناس كأعضاء في مجموعات محددة. والنظر إلى الأشخاص من فلسطين أو سوريا أو اليمن أو العراق أو أفغانستان بنفس العيون التي يتم فيها النظر للأشخاص من أوكرانيا.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير