عطوان: قطار المحطة الأخيرة أم سليل أهل الكهف؟ : صبري صيدم
11.07.2013 01:54 PM

ولعل ما حثني على الكتابة هو ما جمعني بهذا الرجل من موقف ورأي وتحفظٍ واختلاف، وربما أيضاً عدم اعتيادنا على ترجل البشر في عالمنا العربي عن مواقعهم إلا باتجاه قبورهم.
عطوان لم يكن محبوب الجميع ولم يكن في ذات الوقت عدو الجميع، لكنه كان بالنسبة للجميع في يوم من الأيام وبإجماع الجميع الشاغل المشترك الأعظم. فإن سلمت من قلمه واجهك بلسانه على المذياع، وإن نجوت من صوته لاحقك بصورته على إحدى الفضائيات مباطحاً ناقداً ومقاتلاً. يصارع الثواني المتاحة حتى تصل رسالته.
رجل شعبي الخطاب، سليط القلم، غزير الكتابة تماماً كما قال في فاتحة وداعه بأنه لم يتأخر يوماً عن الكتابة. مالئ الدنيا وشاغل الناس هذا لن يودعه البعض بالدموع، لكن البعض الآخر سيحزن لترجله كونه اعتاد على قلم عطوان وربما صراحته التي وصفها البعض تماماً كما وصف ديمقراطية الفلسطينيين ‘بالسكر زيادة’.
عرفت الرجل أيام دراستي في بريطانيا، لكن قربه ذات يوم من الشهيد أبو عمار كان القصة الأكثر شهرة في حياته. فبقدر قربه منه بقدر بعده عنه حتى أن الرجل كان يستشيط غضباً من تصريحات عطوان، لكنه كان ينفجر حباً لجرأته. فقال له ذات يوم: ‘ربنا يأخذ حقي منك يا عبد الباري’.
لم تعجبني بعض مواقفه خاصة عندما تعرض لأبو عمار ذات يوم في مكتبة الساقي في لندن عام 1998، ولم تعجب كثيرون منا بقية مواقفه. لكن الكل يجمع على حضور الرجل المرفوع بالكلمة والمكسور بضعفه أمام فلسطين الهوية. فحزن اللاجئ وقميصه المصنوع من كيس الطحين وقدماه الموشمتان بحجارة شوارع المخيم بقيت جميعاً جزءا من كينونة الرجل وقسمات وجهه. لذا امتعني بما كتب عن رحلته من لاجئ إلى صحفي لامع.
لذلك قبلت لنفسي رغم انتقاد الكثيرين أن اتحداه بأن أكتب متطوعاً في ‘القدس العربي’ مطلع العام الحالي وتحداني هو بأن ينشر كل ما أكتب حتى لو تعرض مني لصراحة قد تصل حد النقد اللاذع. نعم انتقدني البعض لهذه الخطوة وانتقده البعض لقبوله هذا التحدي من دون أن يعرف كثيرون أن التاريخ الذي جمعنا ووفاءنا مجتمعين لهذا التاريخ هو أكبر من حد الكلام وهندسة المشاعر ورضا البعض أو احتجاجهم. عبد الباري عطوان: قطار وصل نهاية المحطة؟ لا، فرجل المشاغبات لن يعرف الهدوء؟ سليل أهل الكهف نسبة لما قاله درويش فيه وبمكتبه ومكاتب الجريدة المتواضعة؟ نعم ولا؟ نعم لأن الرجل حتماً سيعود بصورة جديدة حتى وإن نام شهراً أو دهراً ولا لأنه لن يكون إلا من هذا الزمان!
تحية لك عبد الباري عطوان وأنت تبدأ يومك الأول في التصالح مع عائلتك التي شاغلك القلم عنها!
‘ كاتب فلسطيني
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء