حرية الرأي والتعبير في القانون الفلسطيني

18.03.2022 05:21 PM

 كتب الدكتور إياد سليمان البرديني : القانون الأساسي الفلسطيني هو القانون الذي حدد السلطات العامة ورسم لها وظائفها ووضع الحدود والقيود الضابطة لنشاطها، وقرر الحريات والحقوق العامة ورتب الضمانات الأساسية لحمايتها، فلا يمكن أن تعلو سيادة القانون الأساسي إلا بتوطيد قيم الحقوق والحريات في النظام القانوني الديمقراطي، فكل من الحقوق والحريات التي يكفلها القانون لها أثر حاسم على مسيرة الديمقراطية وممارسات سلطات الدولة.

وإذا كان القانون الأساسي هو المرجع في تحديد الحقوق والحريات، فالتشريع هو الذي ينظم كيفية ممارستها؛ وفي سبيل ذلك يمكن أن يكون مصدراً-ليس للحرية ذاتها- بل لضماناتها، وهو في تحديده لهذه الضمانات يجري الموازنة الضرورية بين احترام الحقوق والحريات، وبين حماية النظام العام والمصلحة العامة، والتي بدونها لا يمكن ضمان ممارسة هذه الحقوق والحريات، وتأتي حرية الرأي والتعبير في مقدمة الحريات، فلكل إنسان حق التعبير عن رأيه ونشره بالقول أو الكتابة أو التصوير أو سواء كان التعبير حركياً أو رمزاً أو صورة أم رسماً أم أغير ذلك من وسائل التعبير فى حدود القانون.

وهذا ما ضمنه القانون الأساسي القائم وكفل في صلبه النص عليه صراحة، فنصت المادة 19 على أنه " لا مساس بحرية الرأي، ولكل إنسان الحق في التعبير عن رأيه ونشره بالقول أو الكتابة أو غير ذلك من وسائل التعبير أو الفن مع مراعاة أحكام القانون،" وكان القانون الأساسي قد كفل بهذا النص حرية التعبير عن الرأى بمدلول جاء عاماً ليشمل حرية التعبير عن الآراء فى مجالاتها المختلفة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، إلا أن تلك الحرية تتطلب بالضرورة ممن يتمتعون بمزاياها أن تتوافر لديهم الإرادة والقدرة على عدم إساءة استعمالها، ومن هذا المنطلق بات ضرورياً أن نبين الآتي:

- الحكمة من حماية حرية الرأي والتعبير:
أن حرية الرأي التعبير عن الآراء والتمكين من عرضها ونشرها سواء بالقول أو الكتابة أو الفن أو بالتصوير أو بتدوينها وغير ذلك من وسائل التعبير، قد تقرر بوصفها الحرية الأصل التي لا يتم الحوار المفتوح إلا في نطاقها، وتكمن العلة من وراء تقرير هذه المادة أن المشرع الدستوري أراد من خلال ضمان حرية الرأي والتعبير هو أن يكون التماس الآراء والأفكار وتلقيها عن الغير ونقلها غير منحصر في مصادر محددة بذواتها، بل قصد أن تترامى آفاقها وأن تتعدد مواردها وأدواتها سعياً لتعدد الآراء.

بل يمكننا القول أن حرية الرأي والتعبير أبلغ ما تكون أثراً في مجال اتصالها بالشئون العامة، وعرض أوضاعها لبيان نواحي التقصير فيها، ولهذا فقد أراد المشرع بضمانها أن تهيمن على مظاهر الحياة في أعماق منابتها، بما يحول بين السلطة وفض وصايتها على العقل العام، وألا تكون معاييرها مرجعاً لتقييم الآراء التي تتصل بتكوينه ولا عائقاً دون تدفقها.

ومن ثم ينبني على القول السابق أنه لم يعد جائزاً تقييد حرية الرأي والتعبير وتفاعل الآراء التي تتولد عنها بأغلال تعوق ممارستها، سواء من ناحية فرض قيود مسبقة على نشرها أو من ناحية العقوبة اللاحقة التي تتوخى قمعها، إذ يتعين أن ينقل المواطنون من خلالها وعلانية تلك الأفكار التي تجول في عقولهم ويطرحونها إحداثاً من جانبهم  وبالوسائل السلمية ولو عارضتها السلطة العامة، لتغيير قد يكون مطلوباً، ومن ثم وجب القول بأن حرية التعبير التي كفلها المشرع هي القاعدة في كل تنظيم ديمقراطي، فلا يقوم إلا بها، ولا ينهض مستوياً إلا عليها.

وإلا ما الحق في الرقابة الشعبية النابعة من يقظة المواطنين المعنيين بالشئون العامة، الحريصين على متابعة جوانبها، وتقرير موقفهم من سلبياتها إلا فرع من حرية الرأي والتعبير ونتاج لها، وهي التي ترتد في حقيقتها إلى الحرية الأم وهي الحرية الشخصية التي فطر الله الناس عليها؛ ومن أجل هذا جعلها المشرع الفلسطيني حرية الرأي والتعبير حرية مصونة فلا تمس.

-حرية الرأي والتعبير حرية ليست مطلقة:
إذا كان القانون الأساسي هو مصدر الحريات العامة، فإن إقراره لهذه الحريات وكفالتها لا يقصد منه أن تكون الحريات مطلقة، بل يتعين- ضماناً للتمتع بها في أوسع نطاق- أن تنظم بواسطة المشرع حتى لا تتعارض مع حقوق الآخرين أو تتعارض مع مقتضيات النظام العام.
وبصفة عامة ليست هناك حرية مطلقة سوى حرية العقيدة على اعتبارها أنها أمر قلبي، ولا يمكن وضع حدود لها أو ضوابط، وبخلاف حرية العقيدة لا توجد حرية مطلقة، وحرية الرأي والتعبير شأنها شأن سائر الحريات، ليست مطلقة، وذلك أن أثرها لا يقتصر على صاحب الرأي وحده، بل يتعداه إلى غيره، وقد يشمل المجتمع بأسره، ومن ثم فقد أباح القانون الأساسي للمشرع تنظيمها وضبط أطرها ووضع القواعد التي تبين كيفية ممارستها حتى يضمن عدم تعارضها مع حريات الآخرين، وعدم الإضرار بالمجتمع وبما يحقق المصلحة العامة التي قصدها المشرع الفلسطيني.

وعلى الرغم مما سبق ذكره إلا أن حرية الرأي والتعبير وإن كان يحكمها أصل الحل، إلا أن تجريمها يجوز في أحوال استثنائية تفصل بين ما هو مشروع وما هو غير مشروع من صورها، كذلك فإن دائرة تنظيمها تحدد ما يجوز أن يفرض عليها من القيود بما لا يقوضها أو ينتقصها من أطرافها.

-نختم حديثنا عن حرية الرأي والتعبير بالقول:
الأصل أن الآراء على اختلافها لا يجوز إجهاضها ولا مصادرة أدواتها أو فصلها عن غاياتها ولو كان الآخرون لا يرضون بها، أو يرونها منافية لقيم محدودة، أو يحيطون ذيوعها بمخاطر يدعونها، ولا يكون لها من وضوحها وواقعها، ما يبرر القول بوجودها، وتطبيقاً لذلك لا يجوز اقتلاع حرية الرأي والتعبير بالنظر إلى مضمون الآراء التي تروجها، ويناقضها أن ينظمها المشرع بما يجعل الناطقين بالكلمة يتخوفون من مغبتها عليهم، وفي ذلك خروج على المضمون الحق لحرية الرأي والتعبير التي تكفل تدفق الآراء وانسيابها بغض النظر مصدرها أو محتوها، ودونما اعتداد بمن يتلقونها أو يطرحونها، وبمراعاة أن الحق في الحوار العام يفترض تساويها في مجال عرضها وتسويقها وكذلك فإن شفافية العناصر التي يدور الجدل حولها مؤداه حظر حجبها أو تشويهيها أو تزييفها.

______________________________________

المصادر:
1- عوض المر، الرقابة القضائية على دستورية القوانين في ملامحها الرئيسية.
2- عبدالعزيز سالمان، الحماية الدستورية لحرية الرأي.
3- حكم المحكمة الدستورية العليا، 7 فبراير سنة 1998 .
4- نصر محمد، حق التعبير التعبير عن الرأي حق من حقوق الانسان.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير