العلاقات التركية الإسرائيلية عميقة ومتجذرة

11.03.2022 07:00 PM

 كتب راسم عبيدات : صحيح بأن العلاقات التركية - الإسرائيلية مرت بتقلبات وعدم استقرار، وكان هناك حروب شعارات و"بروباغاندا" وصخب اعلامي اكثر منها أردوغان، لكي يستميل مشاعر العرب والمسلمين، وليبدو الزعيم  الملهم القائد للعالمين العربي والإسلامي والأب الروحي لحركة الإخوان المسلمين، التي من اجلها استعدا مصر والسعودية والإمارات وشكل الداعم الرئيسي لها في العدوان على سوريا، وفتح لها العاصمة التركية لكي تمارس استثماراتها وأنشطتها المالية والسياسية والإعلامية وأنشئ لها محطاتها الإذاعية الخاصة وأفرد لها مساحات واسعة في الفضائيات التركية لكي "تردح" وتحرض وتهاجم ليل نهار تلك الدول وتنظر وتستقطب للإسلام السياسي وتشيد بالخليفة أردوغان و"بطولاته" و"مأثره" و"غيرته" على الإسلام ودعمه للشعب الفلسطيني.

ولأننا في العالمين العربي والإسلامي، نبني سياستنا على موقف او شعار كما نبني القصور على الرمال المتحركة، متناسين بأن السياسة تبنى على المصالح وبأن تركيا دولة اطلسية وعلاقاتها بإسرائيل تتقدم على العلاقة مع حركة الإخوان المسلمين وبالمعنى الأوسع والأشمل على العلاقة مع العرب والمسلمين.

ولنعد للتاريخ لكي نستحضر الغرام التركي - الإسرائيلي ،فتركيا هي اول دولة اسلامية اعترفت بدولة الاحتلال في آذار/1949،وهي العاصمة الإسلامية الأولى التي استضافت رئيس وزراء الاحتلال أنداك بن غورين عام 1958 ،ليبحث مع رئيس الوزراء التركي عدنان مندريس "تفاصيل التنسيق والتعاون ضد العدو المشترك “،وكان أنداك مصر وسوريا المدعومتين من قبل الاتحاد السوفياتي ....اليوم التاريخ يعيد نفسه لكي يصفع بقوة وجوه العرب والمسلمين وفي المقدمة منهم القسم التائه والمضلل والمغرر به من شعبنا الفلسطيني الذي يصدع رؤوسنا ليل نهار بالخليفة أردوغان ومأثره وبطولاته ودعمه للشعب الفلسطيني وحبه للأقصى والقدس .


وقبل الغوص في التفاصيل ، لا بد من القول بأن من "هرول" لتطبيع علاقاته واعادتها الى وضعها الطبيعي مع دولة الاحتلال، هو أردوغان وأركان حكومته مرة متصلاً بصديقه هيرتسوغ معزياً بوفاة والدته، واخرى مستفسراً عن صحة وزير خارجية دولة الاحتلال لبيد بعد اصابته ب "جائحة" كورونا، وكذلك شكر صديقه هيرتسوغ له لتدخله الشخصي في الإفراج عن الزوجين الإسرائيليين على خلفية  اتهامهما بالتجسس على تركيا، وكذلك شكره على كشف المخابرات التركية لشبكة مزعومة من " الجواسيس" الإيرانيين كانت تعد لاغتيال أحد رجال الأعمال الإسرائيليين الأتراك.

رغم كل ذلك قالت قيادة دولة الاحتلال بأنها حذرة في إعادة علاقاتها مع انقرة، فأردوغان لا يمكن الوثوق به، فهو يرقص على كل الحبال، ولكن يبدو بأن الظروف قد نضجت، بحيث بات أردوغان لا يحتمل البعد  عن " المحبوبة"، فالوضع الاقتصادي في تركيا بات على درجة عالية من الصعوبة، الليرة التركية تفقد 40% من قيمتها وتضخم يرتفع الى 32 %،ولذلك لا بد من الانتقال سريعاً من ضفة الى اخرى، فالعرش والمصلحة أهم من أي حلفاء وأصدقاء ،وخاصة بان أردوغان هو من حول الحكم في تركيا من برلماني الى رئاسي جامعاً كل السلطات بيديه بعد فوزه في انتخابات حزيران/2018 .


في الوقت الذي كانت فيه العلاقات الاقتصادية والتجارية بين تركيا و"اسرائيل"  تتطور وتنمو باستمرار، كانت العلاقات السياسية تمر بالعديد من الأزمات، فأردوغان كان يريد الاستمرار في خداع وتضليل العرب والمسلمين بأنه القائد الذي يتخذ مواقف متشددة من دولة الاحتلال والتطبيع معها...واستخدم كل "بروباغاندا" والصخب الإعلامي من اجل "الضحك على ذقونهم" ،لدرجة أننا لعاطفيتنا ولحالة العجز التي نمر بها فلسطينياً وعربياً صرنا نرفع صورة في شوارعنا ومحلاتنا التجارية وفي مسيراتنا واعتصاماتنا، والبعض منا بلغ منه الحماس مبلغه ليشبه هذا الأردوغان بصلاح الدين والفاتح للقدس...وهنا في هذه المقالة سأسرد عليكم  حول عاطفيتنا  حادثة في فترة السبعينات كان الأسرى الفلسطينيون في سجن رام الله المركزي يستعدون لخوض خطوة نضالية للمطالبة بحقوقهم، ووقف عمليات قمع وتنكيل إدارة السجن بهم .


إدارة مصلحة السجون الإسرائيلية واجهزة قمعها استعدت لقمع الأسرى وكان من بين القوة المكلفة بالقمع سجان عربي درزي يدعى حمدان، في مسرحية وتمثيلية قال بأنه دمه عربي، ولن يشارك بقمع أبناء شعبه...واثناء قيام قوات القمع الإسرائيلية باقتحام غرف الأسرى، والأسرى يتصدون لقوات القمع وقذفها بكل ما يقع تحت ايديهم من مواد، كانوا يهتفون " دمك عربي يا حمدان"، وحمدان هذا تكشفت التحقيقات مع عدد من المتعاونين مع أجهزة امن الاحتلال، على انه من يقوم بتجنيد المتعاونين من الأسرى مع مخابرات الاحتلال.


وانا اعتقد بأن الأمور لا تحتاج الى "جهبذيه" وألمعية لتفسير سلوك أردوغان وحزب عدالته وتنميته، والذي يجب ألا نأخذ الشعب التركي بجريرته، فهذا الشعب بطبعه منحاز لفلسطين وقضيتها ولقدسها وأقصاها، ولكنا دعونا نعود الى ما قبل أيار /2010، وقدوم السفينة التركية مرمره لفك الحصار عن قطاع غزة وتقديم المساعدات الإنسانية لأهلها، والتي هاجمتها قوات البحرية الإسرائيلية وقتلت عشرة من ربانها.


ورداً على العملية العسكرية التي نفذها جيش الاحتلال على قطاع غزة في 27/ كانون أول/2008، في منتدى “دافوس" الاقتصادي في 30كانون ثاني/ 2009، خاطب أردوغان شمعون بيرس رئيس دولة الاحتلال آنذاك قائلاً ""إنكم قتلة ومجرمون تتقنون عملية القتل جيداً" ومن ثم انسحب من المنتدى.

وعند عودة أردوغان لتركيا احتشدت الحشود لاستقباله مهللة وقائلة " حللت أهلاً، بطل دافوس".

عندما وقعت الإمارات اتفاقيتها التطبيعية في ايلول/2020 مع دولة الاحتلال، أطلق أردوغان بحقها عبارات قاسية  واصفاً تلك المشيخة وقادتها بالخونة، حيث قال " أن الإمارات خانت القضية الفلسطينية في سبيل تحقيق مكاسب ضيقة “،وأنه سيعمل على سحب سفير تركيا من ابو ظبي وتجميد العلاقات معها، ولكن في أواسط عام 2020،وجدنا أردوغان يسعى للمصالحة مع السعودية ومصر والإمارات التي هاجمها بقوة، في إطار سعيه للمصالحة مع اسرائيل، حيث زار ولي العهد الإماراتي في شهر تشرين ثاني/2021 أنقرة واستقبله اردوغان استقبال الأبطال ،وسبقه في زيارة انقره مستشاره للأمن القومي الشيخ طحنون بن زايد ،ومن ثم قام  الرئيس التركي بزيارة الى دولة الإمارات في النصف الثاني من شباط/2022 ،منقلباً على كل اتهاماته للإمارات بالخيانة والتطبيع وبيع القضية الفلسطينية.

زيارة هيرتسوغ في التاسع من الشهر الحالي لتركيا، أتت في سياق متصاعد نحو عودة العلاقات التركية – الإسرائيلية الى طبيعتها كعلاقات استراتيجية، لا تقتصر على الجوانب الاقتصادية والتجارية والتعاون في مختلف المجالات والميادين، بل تصل الى إقامة علاقات تعاون عسكرية استراتيجية، ولعب تركيا دور مركزي في نقل الغاز " الإسرائيلي" عبر البحر الى تركيا ومن ثم الى أوروبا كبديل عن الغاز الروسي بحيث يستفيد من ذلك أردوغان اقتصادياً، وكذلك توفير الغاز لدولته.. ومستقبلاً ستلعب تركيا الى جانب اسرائيل دوراً كبيرا في الضغط على النظام السوري ومحاصرته من الشمال والجوانب لفك علاقته مع طهران وقوى المقاومة وروسيا.

والعلاقات المتطورة والعائدة لطبيعتها بين تركيا واسرائيل، ستلقي بظلالها على علاقة حماس بتركيا، حيث سيتم اغلاق مكاتب الحركة ونقل جزء كبير منها لخارج تركيا، ومنعها من القيام بأية أنشطة هناك لا عسكرية ولا حتى سياسية.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير