التجربة العسافية: أليست فلسطين ولاَّدة؟؟ بقلم: هاني عوكل
01.07.2013 11:35 AM
شكَّل صعود النجم محمد عساف حالة هستيرية في فلسطين، بعد فوزه بلقب محبوب العرب، هذا البرنامج الذي تابعه ملايين الناس، من الصغار إلى الكبار، في حين شهدت المحافظات الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة مع كل إذاعة للبرنامج أيام الجمعة والسبت، اختفاءً للمواطنين في الشوارع والأماكن العامة، كأننا في مرحلة منع التجول.
لم تشهد الحالة الفلسطينية إلا قليلاً ونادر جداً، مثل هذا الاهتمام برموز تلهم الشعب الفلسطيني بكل شرائحه وفئاته الحية، حتى أن السياسيين على ثقلهم ومكانتهم، لم يحظوا بمثل هذا الاهتمام والرعاية والحظوة الشعبية التي حصل عليها الصاروخ محمد عساف.
لن نطيل في الشرح عن الموهبة الفنية التي يتمتع بها هذا الصاروخ، كما أطلق عليه المطرب الكبير راغب علامة، إنما يهمنا في هذا الأمر الوقوف عند الاهتمام الفلسطيني الرسمي والشعبي بتجربة عساف، وتعميم مثل هذا النموذج على الكثير من شبابنا الفلسطيني، الذي يمتلك ملكات قوية، مختزنة وبحاجة إلى تسليط الضوء عليها.
لقد أنجبت فلسطين على مر العصور، الكثير من النماذج الفكرية والفنية والسياسية الراقية، التي ساهمت بحق انطلاقاً من مواقعها، في إعلاء شأن فلسطين والتحليق بها إلى الفضاء الخارجي، وجسدت بفنها وثقافتها رصيداً يحسب للقضية الفلسطينية.
عساف واحد من الرموز التي انتصرت للفن والثقافة الفلسطينية، ففي هذا الميدان لا يمكن الاستهانة بالنصر الذي حققناه، وأحسب أن الصوت برحلاته وتنقله عبر المسافات، يعلق في القلوب والعقول، ويؤثر في المزاج والسلوك الإنساني، ولعل عساف أبدع في هذا الجانب.
المتابعين والمحتشدين لهذه الظاهرة المبدعة، وجهوا بحضورهم واحتشادهم هذا لحظة وصول عساف أرض غزة، رسالة بالغة الأهمية، وهي أن الشعب الفلسطيني لا يُعنّون فقط بالبندقية والمقاومة والاستشهاد، وإنما لديه إمكانيات وأساليب متنوعة، من ضمنها حبه وإيمانه بالفن باعتباره حاملاً وطنياً يضاف إلى المقاومة المشروعة والنضال الوطني.
ألم تكن وصلة "علي الكوفية" التي أداها عساف وحمله للعلم الفلسطيني، وحديثه عن الوطن والأسرى والشهداء والاحتلال وفلسطين، ألم يكن كل ذلك عملاً مشرفاً ونضالاً وطنياً جمع كل الفلسطينيين تحت راية العلم الفلسطيني؟
لاحظوا أن صعود عساف إلى النجومية تزامن مع ولادة حكومة جديدة برئاسة الدكتور الحمدلله، وتزامن أيضاً مع استقالة الرجل من منصبه وتكليف الرئيس محمود عباس للحمدلله بتسيير الحكومة، إلى حين التوفق في اختيار رئيس للوزراء من طراز جديد.
الناس ولوا وجوههم وقلوبهم ناحية عساف، لأنهم يعون تماماً مفاسد السياسة "ووجعة" الرأس التي تأتي من ورائها، حتى أن الإعلام والصحافة راح يغطي خبر عساف أولاً بأول، أكثر ما يغطي حرد رئيس الوزراء وتقديمه الاستقالة بهذه الطريقة، وانكشاف أزمة و"عورة" النظام السياسي.
وعلى الرغم من أن المستوى الرسمي الفلسطيني والقيادة احتضنت ودعمت الفنان عساف بقوة وهذا يحسب لها وتشكر عليه بالبنان، إلا أنها مطالبة بعدم مغادرة هذا الدعم، والأهم تعميمه على الكثير من الشباب الفلسطيني الذي يتمتع بمواهب مختلفة، وهو بحاجة فعلاً إلى أن ينميها ويصقلها ويطورها.
قبل عساف كانت فرقة "العاشقين" تشكل صرخةً في وجه الاحتلال، وحالة غنائية وطنية فريدة من نوعها، وأحيطت بعناية المسؤولين والقيادات الفلسطينية، إلا أن الانقسام الفصائلي شتتها عشرات السنين، وأخمد صوتها بسبب قلة الدعم وتفرق مغنيها، لكنها جمعت من سنوات قليلة بالرغم من قلة توفير الدعمين المادي والرسمي.
طبعاً لا يمكن إجراء المقارنة بين النجم عساف و"العاشقين"، لأن الزمن مختلف والأدوات الحالية مختلفة أيضاً، ولأن عساف سيحاط لعشرات السنين بعقود مع شركات عربية، ما يعني صعوده تدريجياً وزيادة شهرته على النطاقين العربي والعالمي، إنما نجاح الشاب يأتي من بيئته وبين أهله وشعبه الذين شدوا رحالهم إليه ودعموه بكل قوة.
من يتابع وصول عساف وشمله بآلاف المعجبين والمحبين، يدرك أن الناس في فلسطين "قرفانة" من السياسة ومن كل مداولاتها، وأكبر دليل على أهمية الفن عندنا، هو مدى محبة الناس لعساف واستقبالهم واحتفائهم به وتقديراً لفنه.
عساف قبل "آرب آيدول" لم يكن معروفاً إلا للقليلين من أبناء شعبه، لكنه مثل أي شاب فلسطيني تمكن بطموحه من الوصول إلى هذا البرنامج المشهور، وحلق بصوته إلى عالم الشهرة، وفلسطين حقيقةً ولادة وتمتلك مواهب كثيرة هي مدفونة وغير قادرة على النهوض، بسبب قلة الدعم وعدم وجود مؤسسات ترعى شبابنا.
إن التجربة العسافية تدعونا إلى ضرورة إعادة النظر في شبابنا ومستقبلهم، واحتواء ودعم المواهب والتركيز على التأسيس لجيل واعٍ ومثقف وصاحب إمكانيات تستلهم ما بعده من الأجيال، وأعتقد في هذا السياق أن من الضروري إنشاء صندوق لدعم أصحاب المواهب من شبابنا، وعدم الاكتفاء بذلك، وإنما تشكيل مؤسسات ترعى وتمكن الشباب كل من موهبته وإمكانياته.
مثلما نحتاج إلى عساف حتى ينقل معاناتنا ويجسد هويتنا في صوته الجميل، فإننا أيضاً بحاجة إلى أطباء مشهورين ومهندسين ورسامين وعاملين وكادحين يعرفون أصول المهنة، ذلك أن الاستثمار في الرأسمال البشري هو الخطوة المهمة جداً نحو التنمية المستدامة.
هذا الرأسمال المهم إذا ما استثمر جيداً وبعناية فائقة، فإنه حتماً يساهم في إنضاج الحالة الفلسطينية، لا بل إنه جزء حيوي ومهم، ودعامة في نضال الشعب الفلسطيني ضد الاحتلال الإسرائيلي، لذا واجب على القيادة الفلسطينية رعاية المتفوقين وتسهيل وضمان حصولهم على تخصصات تناسب قدراتهم.
اليوم نودع العام الدراسي نحو بداية مرحلة جديدة، تتطلب من قيادتنا البحث عن المتفوقين وتقديم الدعم المادي والمعنوي لهم، سواء عبر التكفل بدراستهم على نفقتها، أو إيفادهم إلى مختلف الجامعات وضمان حصولهم على دراسات وتخصصات مناسبة.
لقد كان بيننا عساف ولم نتعرف على صوته إلا عبر برنامج محبوب العرب، وهناك يقين كامل أن بيننا عشرات العسافيين الذين ينتظرون أن يأخذ أحد بيدهم ويدلهم على الطريق الصحيح، ولعل وعسى أن يفلح أصحاب الفن فيما لم يفلح به أصحاب الفكر والساسة، من تجميع وتوحيد كل الفلسطينيين.
شكراً عساف لأنك رفعت قضيتنا ووحدّتنا في فرحة نحن في أمس الحاجة لها، بعد سنوات من الضياع في مجاهل السياسة ومفاسد كل من يتغول فيها. شكراً لأنك أسعدتنا وأبكيتنا، وأدخلت العلم الفلسطيني و"علي الكوفية" إلى بيوت الملايين من العرب والمعجبين.
نتمنى على قيادتنا التي فرحت لك، أن تضع خلافاتها "التافهة" على قارعة الطريق، وأن تخطوا خطوات ملموسة نحو المصالحة والتوحد، حتى تتم الفرحة بعرس فلسطيني جماعي يحتفي به الكل الفلسطيني بصوت حنجرتك يا عسافنا البطل.
لم تشهد الحالة الفلسطينية إلا قليلاً ونادر جداً، مثل هذا الاهتمام برموز تلهم الشعب الفلسطيني بكل شرائحه وفئاته الحية، حتى أن السياسيين على ثقلهم ومكانتهم، لم يحظوا بمثل هذا الاهتمام والرعاية والحظوة الشعبية التي حصل عليها الصاروخ محمد عساف.
لن نطيل في الشرح عن الموهبة الفنية التي يتمتع بها هذا الصاروخ، كما أطلق عليه المطرب الكبير راغب علامة، إنما يهمنا في هذا الأمر الوقوف عند الاهتمام الفلسطيني الرسمي والشعبي بتجربة عساف، وتعميم مثل هذا النموذج على الكثير من شبابنا الفلسطيني، الذي يمتلك ملكات قوية، مختزنة وبحاجة إلى تسليط الضوء عليها.
لقد أنجبت فلسطين على مر العصور، الكثير من النماذج الفكرية والفنية والسياسية الراقية، التي ساهمت بحق انطلاقاً من مواقعها، في إعلاء شأن فلسطين والتحليق بها إلى الفضاء الخارجي، وجسدت بفنها وثقافتها رصيداً يحسب للقضية الفلسطينية.
عساف واحد من الرموز التي انتصرت للفن والثقافة الفلسطينية، ففي هذا الميدان لا يمكن الاستهانة بالنصر الذي حققناه، وأحسب أن الصوت برحلاته وتنقله عبر المسافات، يعلق في القلوب والعقول، ويؤثر في المزاج والسلوك الإنساني، ولعل عساف أبدع في هذا الجانب.
المتابعين والمحتشدين لهذه الظاهرة المبدعة، وجهوا بحضورهم واحتشادهم هذا لحظة وصول عساف أرض غزة، رسالة بالغة الأهمية، وهي أن الشعب الفلسطيني لا يُعنّون فقط بالبندقية والمقاومة والاستشهاد، وإنما لديه إمكانيات وأساليب متنوعة، من ضمنها حبه وإيمانه بالفن باعتباره حاملاً وطنياً يضاف إلى المقاومة المشروعة والنضال الوطني.
ألم تكن وصلة "علي الكوفية" التي أداها عساف وحمله للعلم الفلسطيني، وحديثه عن الوطن والأسرى والشهداء والاحتلال وفلسطين، ألم يكن كل ذلك عملاً مشرفاً ونضالاً وطنياً جمع كل الفلسطينيين تحت راية العلم الفلسطيني؟
لاحظوا أن صعود عساف إلى النجومية تزامن مع ولادة حكومة جديدة برئاسة الدكتور الحمدلله، وتزامن أيضاً مع استقالة الرجل من منصبه وتكليف الرئيس محمود عباس للحمدلله بتسيير الحكومة، إلى حين التوفق في اختيار رئيس للوزراء من طراز جديد.
الناس ولوا وجوههم وقلوبهم ناحية عساف، لأنهم يعون تماماً مفاسد السياسة "ووجعة" الرأس التي تأتي من ورائها، حتى أن الإعلام والصحافة راح يغطي خبر عساف أولاً بأول، أكثر ما يغطي حرد رئيس الوزراء وتقديمه الاستقالة بهذه الطريقة، وانكشاف أزمة و"عورة" النظام السياسي.
وعلى الرغم من أن المستوى الرسمي الفلسطيني والقيادة احتضنت ودعمت الفنان عساف بقوة وهذا يحسب لها وتشكر عليه بالبنان، إلا أنها مطالبة بعدم مغادرة هذا الدعم، والأهم تعميمه على الكثير من الشباب الفلسطيني الذي يتمتع بمواهب مختلفة، وهو بحاجة فعلاً إلى أن ينميها ويصقلها ويطورها.
قبل عساف كانت فرقة "العاشقين" تشكل صرخةً في وجه الاحتلال، وحالة غنائية وطنية فريدة من نوعها، وأحيطت بعناية المسؤولين والقيادات الفلسطينية، إلا أن الانقسام الفصائلي شتتها عشرات السنين، وأخمد صوتها بسبب قلة الدعم وتفرق مغنيها، لكنها جمعت من سنوات قليلة بالرغم من قلة توفير الدعمين المادي والرسمي.
طبعاً لا يمكن إجراء المقارنة بين النجم عساف و"العاشقين"، لأن الزمن مختلف والأدوات الحالية مختلفة أيضاً، ولأن عساف سيحاط لعشرات السنين بعقود مع شركات عربية، ما يعني صعوده تدريجياً وزيادة شهرته على النطاقين العربي والعالمي، إنما نجاح الشاب يأتي من بيئته وبين أهله وشعبه الذين شدوا رحالهم إليه ودعموه بكل قوة.
من يتابع وصول عساف وشمله بآلاف المعجبين والمحبين، يدرك أن الناس في فلسطين "قرفانة" من السياسة ومن كل مداولاتها، وأكبر دليل على أهمية الفن عندنا، هو مدى محبة الناس لعساف واستقبالهم واحتفائهم به وتقديراً لفنه.
عساف قبل "آرب آيدول" لم يكن معروفاً إلا للقليلين من أبناء شعبه، لكنه مثل أي شاب فلسطيني تمكن بطموحه من الوصول إلى هذا البرنامج المشهور، وحلق بصوته إلى عالم الشهرة، وفلسطين حقيقةً ولادة وتمتلك مواهب كثيرة هي مدفونة وغير قادرة على النهوض، بسبب قلة الدعم وعدم وجود مؤسسات ترعى شبابنا.
إن التجربة العسافية تدعونا إلى ضرورة إعادة النظر في شبابنا ومستقبلهم، واحتواء ودعم المواهب والتركيز على التأسيس لجيل واعٍ ومثقف وصاحب إمكانيات تستلهم ما بعده من الأجيال، وأعتقد في هذا السياق أن من الضروري إنشاء صندوق لدعم أصحاب المواهب من شبابنا، وعدم الاكتفاء بذلك، وإنما تشكيل مؤسسات ترعى وتمكن الشباب كل من موهبته وإمكانياته.
مثلما نحتاج إلى عساف حتى ينقل معاناتنا ويجسد هويتنا في صوته الجميل، فإننا أيضاً بحاجة إلى أطباء مشهورين ومهندسين ورسامين وعاملين وكادحين يعرفون أصول المهنة، ذلك أن الاستثمار في الرأسمال البشري هو الخطوة المهمة جداً نحو التنمية المستدامة.
هذا الرأسمال المهم إذا ما استثمر جيداً وبعناية فائقة، فإنه حتماً يساهم في إنضاج الحالة الفلسطينية، لا بل إنه جزء حيوي ومهم، ودعامة في نضال الشعب الفلسطيني ضد الاحتلال الإسرائيلي، لذا واجب على القيادة الفلسطينية رعاية المتفوقين وتسهيل وضمان حصولهم على تخصصات تناسب قدراتهم.
اليوم نودع العام الدراسي نحو بداية مرحلة جديدة، تتطلب من قيادتنا البحث عن المتفوقين وتقديم الدعم المادي والمعنوي لهم، سواء عبر التكفل بدراستهم على نفقتها، أو إيفادهم إلى مختلف الجامعات وضمان حصولهم على دراسات وتخصصات مناسبة.
لقد كان بيننا عساف ولم نتعرف على صوته إلا عبر برنامج محبوب العرب، وهناك يقين كامل أن بيننا عشرات العسافيين الذين ينتظرون أن يأخذ أحد بيدهم ويدلهم على الطريق الصحيح، ولعل وعسى أن يفلح أصحاب الفن فيما لم يفلح به أصحاب الفكر والساسة، من تجميع وتوحيد كل الفلسطينيين.
شكراً عساف لأنك رفعت قضيتنا ووحدّتنا في فرحة نحن في أمس الحاجة لها، بعد سنوات من الضياع في مجاهل السياسة ومفاسد كل من يتغول فيها. شكراً لأنك أسعدتنا وأبكيتنا، وأدخلت العلم الفلسطيني و"علي الكوفية" إلى بيوت الملايين من العرب والمعجبين.
نتمنى على قيادتنا التي فرحت لك، أن تضع خلافاتها "التافهة" على قارعة الطريق، وأن تخطوا خطوات ملموسة نحو المصالحة والتوحد، حتى تتم الفرحة بعرس فلسطيني جماعي يحتفي به الكل الفلسطيني بصوت حنجرتك يا عسافنا البطل.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء