وداعاً آمنة الريماوي

05.12.2021 09:05 AM

 كتبت ريما كتانة نزال : كنتُ وكلما التقينا وغالباً نذرع ذهاباً وإياباً شارع عصب الحياة المعتاد في "رام الله"، يطيب لي ممازحتك قائلة: أنت ريماوية وأنا ريما.. ماذا تقولين في ذلك؟ تضحكين وتقولين يسرني أن أنتسب إلى "ريماوياتك" بشرط أن أعرفها، وأقول: أنتسب إلى ريماوياتك دون شروط! وأضيف: إنها مجموعة أحلام أخطبوطية لا نطالها لكنا نعرفها جيداً، قد أكون بحاجة إلى الذهاب إلى النوم الأبدي، قد يتضح بعض الغموض وما غاب ونعثر على إجابات مغلقة على أسئلة مفتوحة..

رحلت رفيقتي قبل الأوان، لم يمهلنا نومك الأبدي الوقت لشرح المعاني وكُنْه الأحلام المحمولة على أكتاف حياة مثقلة بوافر الأحمال. وحين غيبك الموت قبل أن تقرع ساعة الرحيل، سارعتِ إلى جمع جميع أشيائك وحزمت قصتك قاصدة الرحيل، رحيل دون وداع الشارع المتلهف لوجودك.

لقد تركت خلفك الجميع مغرقاً في التفكير بكتابة نص يشبهك، نص يليق برحيل النبيلة، حصين منيع، بسيط ومتواضع كالذي يُطْلق عليه السهل الممتنع. رثاء يستطيع أن يجسد الأفكار الممكنة كما يتطلع نجو الأحلام المستحيلة. رِثاء خاص يناسبك دون غيره، بسيط ومتواضع، يحقق الرضى بسهولة، نص أبيض دون سواد.. لرفيقة فريدة استمرت واقفة خلف متراس فلسطين، لم تغادر مواقعها النضالية، الوطنية والنقابية والنسوية، رافعة راياتهم بقوة حالمة.

خسارتنا بك ليست نسوية أو عمالية فقط، بل خسارة انسانية وقيمية جادة دون بلاغات أو إعلانات أو مظاهر قشرية سائدة. "آمنة الريماوي" من الأقمشة المتينة والصلبة، أضافت للانجازات العمالية والنسوية حَجَر الأساس وقاتلت من أجلها.
وداعاً آمنة الريماوي، وداعاً لحضورك في الصورة التي لطالما أطَّرها وجودك بالنضال الوطني والحقوقي، وعند التقاط الصور سنتذكر غيابك الحاضرر وأنك خارج الإطار فقط، حالياً.

ولمن لا يعرفها، أولت الرفيقة "آمنة" الأولوية الأولى للنضال الوطني جنباً إلى جنب مع وقوفها بلا هوادة مع الفقراء والكادحين والبسطاء من شعبنا وعلى الأخص حقوق المرأة العاملة، عاشت من أجل الدفاع عن حقوقهم المعيشية والمطلبية، أخلصت لرؤيتها بما وهبتها الطبيعة من مناقبية فذة. اختارت الفقيدة الأبعاد الداخلية للعمل الدؤوب كما تحركت في الأبعاد العربية للعمل المشترك دون تنميق أو تزويق أو ادِّعاء.. بكل ما تملك لأنها امتلكت الكثير جامعة بين الأصالة والحداثة، فعبأت الفراغات بما تمتلكه من مخزون العطاء دون أن ترتهن إلى الأفكار السطحية والمغريات الزائفة، بل استمر انشغالها بالقضايا المتناسبة مع محيطها، متمسكة  بمبادئها حتى الوجع الأخير.

منح رحيلك "آمنة الريماوي" وجوهنا ملامح الفخر الحزين، فقد رحل عنا وجه جميل من بقايا فلسطين.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير