عقل أبو قرع يكتب لـ"وطن": في اليوم العالمي لمكافحة الفساد...أين دور الشباب؟

03.12.2021 09:51 AM

وطن: يصادف في التاسع من كانون اول من كل عام ما يعرف ب" اليوم العالمي لمكافحة الفساد"، حيث تم اعتماد هذا اليوم من قبل الجمعية العامة للامم المتحدة، وذلك من اجل التوعية حول مكافحة الفساد، وكذلك للتذكير بأهمية الاتفاقية الاممية لمكافحة الفساد والتي تم توقيعها في 31 تشرين اول من عام 2003، وفي عام 2021،  يتم الاحتفال في هذا اليوم من أجل " تسليط الضوء على حقوق الجميع ومسؤولياتهم في التصدي للفساد، بمن فيهم الدول والمسؤولين الحكوميين والموظفين المدنيين وموظفي إنفاذ القانون وممثلي وسائل الإعلام والقطاع الخاص والمجتمع المدني والأوساط الأكاديمية والجمهور والشباب".

وفي إطار حملة مكافحة الفساد هذا العام التي تقودها الامم المتحده وتستمر لمدة 6 اسابيع، يتم التركيز كل اسبوع على قطاع أو موضوع محدد، فيما يتعلق بمكافحة الفساد، ومنها القطاع الخاص، وجائحة كورونا، والتعاون الدولي، والرياضه،والتربيه والشباب والنوع الاجتماعي، حيث تهدف الحمله الى  تبادل الممارسات الجيدة والأمثلة على منع الفساد ومكافحته في جميع أنحاء العالم من خلال تعزيز التعاون الدولي في مكافحة الفساد،  واسترداد المصادر المسروقة وإعادتها، وتطوير حلول مبتكرة، فضلا عن تعزيز موضوع الوقاية بالتعليم، والاستفادة من مشاركة الشباب في مكافحة الفساد.

والفساد متنوع ومتشعب ومتراكم، وحسب تعريف الامم المتحدة، الفساد هو ظاهرة اجتماعية وسياسية واقتصادية، معقدة تؤثر على جميع البلدان، حيث يقوض الفساد المؤسسات الديمقراطية، ويبطئ التنمية الاقتصادية، ويسهم في الاضطراب الحكومي، ويؤدي الى انتشار الواسطة والمحسوبية على حساب الكفاءة والمهنيه، وفي المحصله يراكم الجهل والتخلف وتطبيق القوانين، ومنح الحقوق وبالاخص لفئات هشه أو ضعيفه، مثل المرأه وذوي الاعاقه. 

والفساد، وبأنواعه، من استغلال السلطة ومن رشوة، ومن اختلاس، ومحسوبية وواسطة، هو من اهم معيقات التنمية والتقدم بكافة انواعة، ونلاحظ ان معظم الدول، سواء في محيطنا العربي او العالم قامت بأنشاء هيئات او اطر او اجهزة لمكافحة الفساد، وباتت اي عملية تغيير سياسي في اي بلد تنادي اولا بمكافحة الفساد، سواء اكان فسادا سياسيا، او اقتصاديا، او فساد التعليم، او احتكار الاسعار، او المتاجرة بالاغذية والادوية الفاسدة، وبدون شك ان للفساد انعكاسات كثيرة، على البلد والمجتمع والمواطن والمستهلك. 

و في بلادنا، بينت دراسة نشرت قبل فترة، ان الواسطة والمحسوبية هما من اكثر انواع الفساد تفشيا في مجتمعنا الفلسطيني، وبالاخص في القطاع العام، او حتى في قطاع المجتمع المدني والاهلي والمؤسسات غير الحكوميه، وللعمل على مكافحة هذه الظاهرة،  فأن ذلك يتطلب وقتا وعملا وجهدا والاهم، العمل على ترسيخ ثقافة الاقتداء بمن يملك المنصب الاعلى والمسؤولية الاكبر والقدرة الاقوى، ويتطلب بث الوعي، ويتطلب تطبيق القانون على الجميع، وفي العلن، وبالنزاهة والشفافية، وبالتالي ازالة الانطباع عند الناس ان من يتم محاسبتهم او ملاحقتهم او محاكمتهم هم الصغار او الضعفاء او الفقراء، او الذين لا يوجد لهم حماية او دعم.

ولكي تنجح عملية مكافحة الفساد، فأنها يجب ان تركز على الشباب، حيث معروف ان المجتمع الفلسطيني، هو مجتمع شاب، وحسب الاحصائيات الفلسطينية الحديثة، فأن نسبة الاشخاص في فلسطين من الاعمار 15 سنة واقل تبلغ حوالي 40% من السكان، بينما تبلغ نسبة الاشخاص بين اعمار 15الى 29 عاما حوالي 30%، اوهذا يعني ان الاستثمار في هذه النسبة الهائلة من الشباب في بلادنا يعتبر الاستثمار الاهم، حيث يمكن تصور التأثير الايجابي المتواصل لذلك، في مجالات الاقتصاد والسياسة والتعليم والتربية والقيم والممارسة العادية في الحياة، وهذا يعني ازدياد الوعي  بضرورة الابلاغ عن الفساد من قبل جيل الشباب.

وتنبع اهمية توعية وتدريب وتثقيف وبناء الشباب الفلسطيني في مجال مكافحة الفساد، وبالاضافة الى النسبة الهائلة منهم في بلادنا، الى الاوضاع الخاصة التي نمر بها، من ازمات وصعوبات اقتصادية، ومن عدم وضوح الطريق او المسارات السياسية، ومن الازدياد المتواصل في اعداد العاطلين عن العمل وبالاخص الشباب والخريجين منهم، وفي ازدياد نسبة الفقر والحاجة، وفي تصاعد التأكل في شبة العلاقات الاجتماعية، وبالتالي فأن بناء جيل من الشباب من خلال ترسيخ مفهوم مكافحىة الفساد وبأنواعه وبالاخص ممارسات الواسطة والمحسوبية، سوف يؤدي ولو على المدى المتوسط او البعيد الى تحقيق ما يتطلع لة الشباب والمجتمع من بناء مجتمع على اسس النزاهة والمحاسبة ووضع الكفاءة المناسبة في الموقع المناسب.

والاستثمار المستدام في الشباب في مجال مكافحة الفساد يعني اتباع الاساليب الصحيحة لذلك، من الناحية النظرية ومن خلال الممارسة العملية، وسواء اكان ذلك كمن قبل الجهات الرسمية الفاعلة في مجال مكافحة الفساد في بلادنا، او من قبل الهيئات الاهلية التي تعمل في مجال مكافحة الفساد، وهذا يعني التوعية والتثقيف والتدريب وبأسلوب واضح وبسيط يظهر الايجابيات لمكافحة الفساد، بدأ من التجمعات المحلية والمدارس والجامعات والاطر المختلفة، وهذا يعني تبيان سلبيات الفلساد وتداعياتة والمعاناة التي يسببها ومن خلال الامثلة.

والاستثمار المستدام في الشباب الفلسطيني لمكافحة الفساد يعني ازدياد الوعي  بضرورة الابلاغ عن الفساد سواء اكان من قبل الافراد او من الهيئات، وعلى الافراد اوعلى المؤسسات، وان تم ذلك، فأن هذا يعني ان المواطن وبالاخص الشاب الفلسطيني، الذي في اعتقادي هو حجر الزاوية في هذه العملية ، المطلوب توفير الحماية المعنوية والمادية لة، والمطلوب ارساء ثقافة اهمية العمل في الابلاغ عن الفساد كثقافة راسخة في مجتمع مثل مجتمعنا، الذي بأغلبيتة الشابة، هو الاساس للوصول الى ما نطمح لة من رؤيا، من بناء مجتمع فلسطيني خال من الفساد.

وبالاضافة الى العمل على ازالة الخوف عند المواطن او الشاب للابلاغ عن الفساد، فالعمل مطلوب كذلك من اجل تطبيق القانون وبسرعة، والابتعاد ولو تدريجيا عن الواسطة التي ما زالت تستشري في اجسادنا ونمارسها في حياتنا، وهذا كلة يتطلب زيادة التواصل مع الشباب الفلسطيني الذي هوالاساس لنجاح مستدام لعملية مكافحة الفساد،  وبدون شك ان الفساد متنوع وسوف يبقى، وهو من اهم معيقات التقدم والتنمية، وبدون شك ان الاستثمار في العدد الهائل من الشباب في مجال مكافحة الفساد في بلادنا، سواء من حيث بث الوعي او من خلال الاجراءات على الارض، سوف يؤتي ثماره عاجلا أو اجلا.

ولا يوجد هناك جدال او شك، ان عملية مكافحة الفساد، هي عملية معقدة وطويلة وشاقة، لان الفساد بحد ذاتة، هو ممارسة وتصرف متشعب ومتجذر ومتنوع، بل واصبح في العديد من المجتمعات والبلدان، اسلوب حياة، ونمط من التعامل، واصبح وسيلة من اجل الحصول على الفائدة والمصلحة والربح، ومن اشكاله او انواعه، وبالاضافه الى  الواسطة والمحسوبية، استغلال النفوذ، وعدم النزاهة، والاستهتار بالمصادر العامة، والالتفاف على الحقوق والكفاءة وعدم الاستقامة والجدية في العمل، وهدر الاموال العامة بدون حق، والاتجار بالاغذية والمواد الفاسدة.

حيث في بلادنا، يواصل المستهلك متابعة فسادا يقلق الجميع، وهو فساد الاغذية، وعدم صلاحيتها، او عدم سلامتها، وكذلك ارتفاع الاسعار والتلاعب بها، وقد يكون ذلك لاسباب كثيرة، ولاهداف متعددة، ولكنة في المحصلة يسبب الضرر للمستهلك وللمجتمع، سواء من خلال الاضرار الصحية او المادية ، وهذا بحد ذاتة فسادا، والمطلوب تطبيق القانون وبحزم على من يمارس هذا النوع من الفساد، الذي يتلاعب بحياة وبجيوب الناس، ومحاسبة الفاسدين في هذا المجال يعطي الثقة اكثر للمستهلك للاخبار عن الاغذية الفاسدة، وللتواصل بشكل انجع مع الجهات ذات العلاقة.

وقبل فترة في بلادنا، كان الفضل لاكتشاف ومن ثم اتلاف كمية كبيرة من الاغذية الفاسدة، لوعي ويقظة احد المواطنين، ولو لم يتم ذلك لوصلت هذه الكمية الى افواة ومن ثم الى بطون المستهلك، وما لذلك من تداعيات، وقبل ذلك قام احد المواطنين بالابلاغ عن ادوية منتهية الصلاحية والتي كان من الممكن ان تصل الى المرضى ومن ثم تضاعف المرض بدل من الشفاء منة، وهذه امثلة عن اهمية تشجيع المواطن للابلاغ عن الفساد وبأنواعة، وهي بالطبع ليست بديلا لما من المفترض ان تقوم بة الاجهزة الرسمية للحد من الفساد، ولكنة عنصرا مكملا وهاما، بل اساسيا لنجاح حملات مكافحة الفساد وبأنواعة في مجتمعنا.

وفي بلادنا، ورغم ان هناك تنامي ملموس في عملية فهم الفساد، سواء اكان فسادا اداريا اوماليا اوصحيا اوبيئيا، اوغير ذلك، وكذلك هناك تنامي في الاهتمام في عملية مكافحة الفساد والاهم في اهمية الابلاغ عن ممارسات او عن اوضاع فاسدة، او امور اوقضايا لا تتماشى مع القانون، حيث اشارت احدى الدراسات ان حوالي 70% من المواطنين الذين تم استطلاع ارائهم سيبلغون عن الفساد في حال معرفتهم بة، ورغم ذلك، الا ان التصرفات والوقائع وانماط التعامل، تؤكد الحاجة لمواصلة ولتعزيز عملية مكافحة الفساد، وربما الى تغيير في فلسفة او في خطط مكافحة الفساد.

ومن ضمنها التركيز على أكثر اشكال الفساد عندنا، وهي الواسطه والمحسوبيه، حيث أن مكافحة  ثقافة الواسطة والمحسوبية يحتاج الى وقت والى جهد والى طاقات والى مصادر، ومن المفترض اعتبارها اولوية في اية خطة لمكافحة الفساد، لان  امور الفساد لا تنتهي بالانتهاء من قبول الواسطة، ولكن تستمرمن خلال نتائجها او ما يترتب عليها، سواء اكان ذلك من خلال الحصول على المنصب او الموقع غير المناسب، او الحصول على الخدمة غير المستحقة، او الحصول على شئ كان من المفترض ان يحصل علية غيرة.

ولكي تنجح اية خطة وطنية فلسطينية لمكافحة الفساد بشكل مستدام، فأنها تحتاج الى ان تعتمد على ثقافة المتابعة والتقييم والمراقبة والشفافية والوضوح، وبأن تتم في اطار الاستدامة، اي لا تنهار او تنتهي نتائج الخطة في مجال مكافحة الفساد مع انتهاء الخطة، وبأن يتواصل التأثير بدون الحاجة الى تدخل او دعم جديدين، وبأن يكون هناك تركيز على الاستثمار المستدام في البشر، وما لذلك من تواصل اثار هذا الاستثمار، وفي مختلف الاصعدة في مجال مكافحة الفساد، وبأنواعه، من الفساد الاداري، والفساد المالي، مرورا بفساد الاغذية والادوية، الى الفساد المتعلق بتلويث البيئة من مياة وهواء واراضي واستخدام مبيدات خطيرة  وما الى ذلك. 

وبالاضافة الى دور الاجهزة الرسمية في مكافحة الفساد، فأن هناك دور مكمل لمنظمات المجتمع المدني، كأطار يسلط الضوء وينشر الوعي ويقدم الدراسات وربما الادلة، وكذلك هناك لوسائل الاعلام دورا هاما في عملية مكافحة الفساد برمتة، وبالاخص حين القيام بذلك بشكل موضوعي بعيدا عن التهويل او التزويق او الاثاره المقصوده أو غير المقصوده.

ومع الانتهاء من الاحتفال باليوم العالمي لمكافحة الفساد، فإن الفساد كان وسوف يبقى من اهم معيقات التقدم والتنمية، في اي مجتمع او بلد والامثلة على ذلك كثيرة، وبدون شك ان المواطن الفلسطيني وبغض النظر عن مكان تواجده او عملة هو الاهم في عملة مكافحة الفساد، سواء اكان موظف في القطاع العام اي الحكومة او القطاع الخاص، او في مؤسسات مجتمع مدني واهلي، او ان كان احد المستهلكين لخضار او للحوم او لمعلبات فاسدة او ادوية او مستحضرات او منتجات غير صالحة.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير