محمد أحمد سالم يكتب لوطن .. عودة لزمن الدجل الجميل

30.11.2021 09:28 AM

 قالوا قديما :"الصبر طيب وطبيب". الصبر مفتاح 18؛ وهناك مثل عامي يقول "ما اسخم من ستي إلا سيدي"، وهو مثل ينطبق تمامًا على واقعنا المعاصر، الذي يحفل بالعديد من الأمثلة التي تثبت أن "سيدي اسوأ من ستي" بالفعل. وسيدي هذا يمكن أن يكون شخصا من عموم الناس، أو شخصًا يشغل منصبا، وكان الناس يعقدون عليه آمالاً كباراً، أو يتوسمون فيه الخير- مقارنة بمن كان قبله- ولكنه تبين من خلال التجربة العملية، أنه لا يختلف عنه، بل أنه اسوأ وأضل سبيلاً.

وفي أجواء لا تساعد كثيرين على إلا إذا تحولوا إلى حواة، وهبطوا بالأداء لمستوى الشعبوية،بيد أن الأولين كانوا أكثر ثقلاً ورصانة من "فهلوة " اشباه الساسة الجدد الذين ربما تستهويهم العناوين، دون المتون، لأن أياً منهم لا يستطيع أن يصيغ فكرة مكتملة، لذا فهم يعتمدون على الخطاب الشفهي، وباعتماد السوقية في الأداء، فلا تعرف ما إذا كان حديث قضية وطن. ووحدة واستقلال، أم منازلة حواة ودجالون!

لكن علينا مع هذه اللفتة المتميزة من الدجل والتشرد السياسي، أن نؤمن بأن البعض  يتمتع بروح الفكاهة والدعابة، السمجة. إضافة إلى صفة الإصرار وعدم اليأس، والدليل على ذلك أنه بعد مشاهدة هؤلاء، أيقنت أن الناس هنا، يستحقّون الجنّة، لسبب أساسي، هو أنهم يتعرضون للكذب والنفاق والخديعة كلّ يوم وعلى مدى سنوات طوال، فحوار الوحدة الوطنية والانتخابات، وغيرها. واحدة من ملايين الاكاذيب التي تم قصف هذا الشعب بها، ونشعر بالاستغراب ونحن نرى مسؤولا في بلدان العالم يُقدم الى المحاكمة لأنه كذب كذبة صغيرة ، في الوقت الذي يعيش المواطن هنا وسط بحور من الخديعة والدجل السياسي.

صحيح أننا نعيش عصر السخرية السياسية، والتشرد السياسي الذى طال  كثيراً، إلا أن سخرية عن أخرى تفرق، فهناك من يسخر معنا وهناك من يسخر منّا، وهناك من يريد أن يجمع السخرية بالتسلية . هكذا وبكل بساطة يخترع لنا البعض كل يوم حكاية جديدة كي يلهي بها الناس عن الخراب الذي يحيط بهم، إنها قمة السخرية. غير أن المحيِّر أكثر هو هذا التناقض الواضح بين أن تعلن معارضتك للسادة الطين والهباب، والسخام والتراب ،وفي الوقت نفسه تستولي، وبالمحاصصة، على مناصب في كل مؤسسات؛ و بين الدفاع عن حقوق المواطنين، وبين القتال العنيف من أجل حصتك في الكعكة الحرام، ناهيك عن تناقضات أخرى مضحكة بين سيل الكلمات الحماسية عن حق المواطن، والخدمات، والانتخابات و الالتهابات والانتهاكات والانتهابات،لابتهالات؛ والوحدة والديمقراطية، وبين الخراب الذي يحاصرنا من كل مكان.

ولكن..سيظلّ الخطأ الأبرز لمعظم القوى أنها لا تريد أن تؤمن بأحقية الوحدة الوطنية، وحق الناس  في الرفض والاحتجاج، ولهذا نراها تتصرف بمنطق القوة والتخوين لكل من يطالب بالوحدة الوطنية الحقيقية.. بالعدالة وإنصاف فقراء الوطن؛ في كل احتجاج مشروع أسأل نفسي: ماذا ستفعل الجهات الرسمية - الشبه رسمية؟ فأجد الجميع يفتقرون إلى رؤية سياسية تبني جسوراً إلى المستقبل، ولا تعود بنا إلى عصر الاستعراضات الكلامية  التي يدّعي أصحابها أنّ كل شيء تحت السيطرة، فيما تنتشر البطالة، وتزداد معدلات الفقر!

هذه يا سادة قصتنا في الثمانية عشر سنة الماضية، حيث تكتلاتنا تدعو للمشاركة والوحدة الوطنية على الورق، لكنها في الواقع تحرّض ضد كل من يهتف برأي مغاير! ولا يريد ساستنا أن يعترفوا بأنّ هذا الشعب يملك شجاعة الاحتجاج، فهم يريدونه تابعاً لهم، مثلما هم تابعون لبلدان الشرق والغرب، لكنهم رغم ذلك يوزّعون "الأجندات الأخرى" على المدعيين، فيما يحاول "جهابذتهم" تلقيننا دروساً في فنون الوطنية. وبرغم من ذلك لم تقدّم التجربة السياسية خلال الثماني عشرة عاما الماضية للناس معنىً واحداً للتوافق السياسي، لا وحدة وطنية لا عدالة ولا انتخابات  لا خدمات، لا اقتصاد .. ولا سياسة راشدة مع انجازات  نتباهى بها. مقابل  مظاهر هذا البعث؟!

كل الأسئلة مشروعة،وهل لهذه البروباجندا انعكاس أو ترجمة مادية على أرض الواقع؟! وهل ينعكس ذلك على نسبة الفساد؟ على نسبة البطالة؟ على نسبة الفقر؟ على حجم الفساد السياسي؟ على الحريات؟ على التقدم العلمي- التقني؟ على إنتاج العلوم والمعارف؟ ما هي تجليات هذه "البروباجندا" التي تقدم لناس لديهم مشاكل حقيقية، على رأسها الحصار الصهيوني النازى ومخطط الانقسام الاسود، والفقر والبطالة والمرض والفساد السياسي والإداري؟!

ولكن ما العمل اذا اساءت الحكومة واشباه الحكومات استخدام السلطة؟ انها الثورة، التي لا تعتبر خيارا، بل واجبا شرعه الله ، وذلك عندما يثبت في ضمير الاغلبية ان قوانينهم ومعها حرياتهم وحياتهم  وقضايا وطنهم  قد اصبحوا في خطر! كيف يمكن اثناؤهم او اعاقتهم عن مقاومة الاحتلال الصهيوني النازي والقوة غير الشرعية تلك المصوبة ضدهم؟ لا استطيع ان اخبركم ولكن "عندما يفقد الناس الأمل في استخدام حقهم الدستوري لتغيير الحكومة/ اشباه/ حكومات وموالسة . فإنهم سيمارسون حقهم الثوري لتفكيك تلك الحكومة والإطاحة بها".  مَنْ جارَ أهلكَهُ جَورُهُ.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير