هاني عرفات يكتب لوطن: حينما خُدِعَ بعض الثوار….

26.10.2021 09:58 PM

قبل حوالي العامين، شعرت اللجنة الامنية المحيطة بالرئيس البشير، أن الثورة تزداد إشتعالاً وتجذراً يوماً بعد يوم، وأدركوا أنهم إن لم يقوموا بعمل ما، فإن نهايتهم ستكون حتمية مع نهاية عهد الطاغية البشير. إتخذ القرار بسرعة… إزاحة البشير مقابل بقائهم في السلطة، نصبوا أحدهم ( الجنرال عوف ) قالوا أنه أطاح بالبشير تجاوباً مع مطالب الثوار، لم تنطلي الحيلة على الثوار، وعوف هذا معروف بقربه من الطاغية، عادت لجنة البشير الامنية لتنحي عوف وتضع بدلاً منه البرهان، إلا أن الثورة واصلت إشتعالها، ولم تنطلي عليها الحيلة أيضاً، وأعتصم المتظاهرون أمام القيادة العامة للجيش.

لم يتعود جنرالات لجنة البشير الامنية على أن تعصى أوامرهم، لا سيما قوات الجنجويد العنصرية بقيادة حمدان تقلو(حميدتي) المسماة قوات التدخل السريع، فقامت بالانقضاض على المعتصمين السلميين أمام مقرات القيادة العامة للجيش في الثالث من حزيران ٢٠١٩م وقتلت العشرات منهم، وألقت ببعض الجثث في النيل بعد أن ربطتهم بسلاسل حديدية.

كل هذا لم ينل من عزيمة الثوار، طالبوا بلجنة تحقيق مستقلة ، رفض العسكر، عرضت قطر المساعدة للتوسط ، ارسلت مبعوثا للخرطوم، أعاد العسكر المبعوث من المطار، بينما تم استقبال وفد إماراتي برئاسة قيادي فلسطيني منشق، الذي حث العسكر على التمسك بالسلطة وعدم التهاون مع الثوار، وأنهم سوف يمدوهم بالمال اللازم، والدعم السياسي لتثبيتهم في الحكم.

ما كانت لخطة العسكر وحلفائهم الإماراتيين أن تنجح، لولا أنهم استطاعوا استمالة حزب الأمة الى جانبهم، والذي كان حتى ذلك الحين جزء من تحالف قوى الثورة ، لكنه ينتمي فكرياً وسياسياً الى المنظومة الرسمية الخليجية ، وله صلات تاريخية معها، وكان طوال مسيرة الثورة متردداً. وافق هذا التيار على الحوار مع الطغمة العسكرية التي سفكت دماء الثوار، وبدأت جبهة الثوار تتصدع، بعد أن وجه حزب الأمة اتهامات إلى الحزب الشيوعي والبعث والناصري ، بأنهم متطرفون ويحملون أجندة خارجية. أما ما زاد الطين بلة، فهو موافقة تجمع المهنيين على الانضمام إلى الحوار مع العسكر، مما أدى إلى كشف ظهر القوى الثورية الجذرية ، التي أرادت الاستمرار في الثورة حتى تحقيق غاياتها والوصول إلى حكم ديمقراطي مدني بعد التخلص من الطغمة العسكرية الانقلابية، حينها كانت حجة تجمع المهنيين، بأن الوضع لا يسمح بعصيان مدني شامل، وإنه من الضروري تجنب إراقة المزيد من الدماء ، وإتباع سياسة التدرج في تحقيق المطالب.

ربما كان بعض هذه التقديرات صحيحاً على الأرض ، لكن تاريخ الطغمة وطبيعتها، وارتباطها بأنظمة معروفة التوجهات، كان من المفترض أن يحول دون خوض مغامرة الصلح مع الجنرالات، فقد كان واضحاً أن الطغمة لن تسلم مقاليد السلطة فور انتهاء المدة الزمنية المتفق عليها، وأن كل ما تم فعله ، هو تأجيل حسم الصراع لمرحلة لاحقة.

من ناحيتهم ، ظن جنرالات اللجنة الأمنية للبشير، أن تهدئة الثورة في الوقت الحالي، وتسليم حكومة للمدنيين، سوف يفاقم من الوضع الاقتصادي للبلاد، وسوف يوقع السلطة المدنية في أخطاء، وأنهم طالما يمتلكون القرار في الأشهر الثلاثة والعشرين الأولى حسب الاتفاق، سوف يعملون على تعميق أزمتها، وأنهم بذلك سوف ينجحون في فض الناس من حول القوى المدنية والثورية.

ولما فشلت كل محاولاتهم ، واقترب موعد تسليم السلطة الى المدنيين ، لم يجد العسكريون بداً من الانقلاب مرة أخرى على الثورة بالشكل السافر الذي رأيناه في الأيام القليلة الماضية.

بالنسبة للكثيرين وأنا منهم ، كان هذا الانقلاب متوقعاً ، وأطرافه هم أنفسهم من احتالوا على الثورة بادئ ذي بدء، ومن السذاجة الاعتقاد بأن الامارات، إسرائيل ، والإدارة الأميركية فوجئوا بتطورات الموقف، على الأقل من غير المنطقي أن لا تعلم اميركا ، صاحبة اقوى أجهزة تجسس في العالم بنية جنرالات الخرطوم. أما إسرائيل والامارات، فإنني لا أتجنى على الحقيقة إذا ما قلت أنهم متواجدون على الأرض بالفعل، بكافة إمكانياتهم لخدمة الانقلابيين .

لا يجب أن ينخدع أحد ما بالتصريحات الإعلامية، هذه كلها فقط لتسجيل المواقف والاستهلاك المحلي ، أما الأفعال على الأرض فتقول غير ذلك. ليس من مصلحة إسرائيل وحلفائها ، أن ينتصر الشعب السوداني، ويبدأ في بناء وطن حر ومستقل، قابل للتطور والازدهار. هم يعدون دوراً آخر للسودان، دور الخاضع الذليل الذي يستجيب لكل ما يطلب منه، الأمر الذي سوف يكون من الصعب تحقيقه، إذا ما حكم الشعب السوداني نفسه بنفسه.

لا يحدوني الشك ، بأن الشعب السوداني العريق قادر على اجتراح المعجزات، والتعلم من الأخطاء السابقة، لا سيما الوثوق بعهود الطغمة العسكرية، لا يوجد أي شئ مشترك بين أهداف الثورة والعسكريين على الاطلاق.

أما باقي شعوب المنطقة فعليها أن تتعلم وتتعظ من تجربة الثورة السودانية، وأول هذه الدروس هو عدم الانجرار خلف القوى المترددة، التي تضع رجلاً هنا وأخرى هناك، وأن التحالفات التي تحاول إيقاف الزمن مهما كانت المبررات ، هي في النهاية خيانة لمصالح الشعوب.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير