مقاطعة محاكم الاحتلال ضرورة وطنية عليا

14.10.2021 09:47 AM

 كتب قدورة فارس – رئيس نادي الأسير : حرصت دولة الاحتلال الإسرائيلي منذ اللحظة الأولى لاحتلالها لفلسطين على اعتماد قواعد تشريعية تساعدها في تكريس احتلالها وتنفيذ برامجها التوسعية والاحتلالية، وفي نفس الوقت تكوين انطباعات تضليلية عنها باعتبارها دولة قانون في إطار مساعيها لتشريع احتلالها، والظهور بمظهر الدولة العصرية المتمدنة، فاعتمدت ثلاث أُسس للتشريع، أولها بعض ما ينفعها من القوانين الانتدابية البريطانية، والتي كان من بينها قانون الاعتقال الإداري، وثانيها جملة القوانين والتشريعات الصادرة عن الكنيست إضافة للأوامر العسكرية الصادرة عن قادة جيش الاحتلال، ثم بعد عام 1967 اعتمدت جزئياً على بعض القوانين الأردنية والمصرية المتعلقة بإدارة الشؤون الحياتية لأبناء الشعب الفلسطيني ثم عملت على تطوير منظومتها التشريعية استناداً إلى التجربة وواقع الحال الناشئ وتطورات الصراع مع الشعب الفلسطيني وبما يضمن لها استمرار احتلالها وتسهيل مهمة أدواتها القمعية،( الجيش والشاباك وفيما بعد ميليشيا المستوطنين) .

ولقد نجحت إسرائيل في استدراجنا إلى مربع التعاطي والتعامل مع ما يسمى منظومتها القضائية العسكرية والمدنية في محاولة منها إلى إضفاء قدر من الشرعية على قراراتها وعلى وجودها من حيث المبدأ، فحين تلجأ الضحية إلى مؤسسات الجلاد يبدو الأمر وكأنه أي الضحية يتوخى عدلاً لدى القضاء الإسرائيلي، ويسجل في وثائق الاحتلال بأنه قد حصل على محاكمة "عادلة" فما يهم الاحتلال هو أنه يوثق كل قضية والتي تحمل اسم الشخص ومحاميه والمراحل التي مرت بها محاكمته وأنه حظى بفرصة للاستئناف وحتى التوجه للمحكمة العليا، وهذه أكبر عملية تضليل تمارسها إسرائيل ونشارك نحن بتعزيزها ودعمها، ولو استعرضنا عشرات آلاف القضايا التي نظرت فيها محاكم الاحتلال وتحديداً العليا، والتي لم تقتصر على المعتقلين بل شملت قرارات مصادرة الأراضي وهدم البيوت وعمليات الإبعاد وتهجير الناس من بيوتهم كما يحدث في هذه الأثناء في قضية الشيخ جراح والخان الأحمر، إذ تقول الأرقام والإحصائيات أن معظم هذه القضايا التي نظرتها محاكم إسرائيل أصدرت فيها قرارات شرعت من خلالها قرارات الحكومة والجيش والمخابرات والشرطة الإسرائيلية والتي كانت من أجل تكريس المشروع الصهيوني وخطط إسرائيل في أحكام سيطرتها على الأرض والمواطنين، ولعل بعض القرارات القليلة التي حكم فيها لصالح المواطن أو المؤسسة التي توجهت للمحكمة إنما تم ذلك في إطار عملية التضليل وبما يوحي أن المحكمة تتخذ قرارات في صالح المواطن وبالتالي تضفي قدر من المصداقية على القرارات التي حكمت فيها ضد المواطن ومصالحة، وفي ذلك تأكيد على أن منظومة القضاء الإسرائيلي العسكري والمدني أنها هي ذراعاً قمعيه لشرعنة إجراءات غير شرعية وغير قانونية، فهذه المحاكم صادقت على مصادرة الأرض والاعتداء على المقدسات فبالأمس القريب سمحت بالصلاة لليهود في المسجد الأقصى المبارك كما وصادقت على هدم البيوت وإبعاد المواطنين واحتجاز جثامين الشهداء وبناءً المستوطنات والاعتقال الإداري وتعليق الاعتقال الإداري التي لا ينص عليها أي قانون على وجه الأرض، وفرض الغرامات الباهظة التي تقدر بمئات الملايين وكلها تذهب إلى ميزانية وزارة الجيش الإسرائيلي، وبذلك حولتنا الى مصدر تمويلي لجيش القمع الاحتلالي، بينما تقوم إسرائيل بتنفيذ قوانينها التي تتعارض مع مصالح مؤسساتها،  فعلى سبيل المثال كان الذين يصابون في الانتفاضة الأولى ويتعرضون لإصابات بليغة دون أن يكونوا مشاركين في فعاليات نضالية يتوجهوا للمحاكم ويطلبوا تعويضات عن الإعاقة التي لحقت بهم وذلك بناءً على نصائح من محامين كانوا يأخذوا قضايا التعويض على نسبة مئوية، وقد نجح المحامون في حالات عديدة فقامت إسرائيل في الانتفاضة الثانية "الأقصى" بإصدار أمر عسكري أي قانون يقضي بعدم تعويض اللذين يصابون دون أن يشاركوا ولكنهم دخلوا مناطق ساخنة بالصدفة، وقال الأمر العسكري بأن الذي يقع في منطقة اشتباك وأُصيب فلا يلومن إلا نفسه، وقد طرحت هذه المثال للتأكيد على أن إسرائيل تكيف القوانين وفقاً لمصالحها ومشروعها الاحتلال وليس من أجل أن تنسجم قوانينها مع محددات القوانين والاتفاقيات الدولية.

أن فكرة الثورة على الاحتلال تتمحور عملياً حول مقاطعته وعدم الالتزام بإجراءاته وقوانينه وأوامره من ثم قتاله والنضال في مواجهته، ولعل هناك إجماعاً فلسطينيا ولو بالمعنى النظري على مقاطعة الاحتلال وبضائعه ومؤسساته والعمل لديه،  وكلنا يعلم أننا لو قاطعنا الاحتلال بالمعنى الشامل للكلمة فإن خسائر الاحتلال ستكون كبيرة جداً تجعل من مشروعه مشروعاً خاسراً، وهذا فقط الذي سيقوده إلى إعادة النظر في سياساته وإجراءاته، وبناءً عليه وبما أن المعتقلين هم الطلائع وهم من مارس الثورة ودفع ثمن ذلك غالياً، فهم الأجدر بتعليق  الجرس وإيقاد شعلة مواجهة هذه المحاكم عبر مقاطعتها من خلال نقاش موسع تشارك به كافة الفصائل لبلورة قرار استراتيجي بالمقاطعة الشاملة لمنظومة القضاء الصهيوني أما المعتقلين الإداريين الذين يعتقلون بدون تهم وبصورة متكررة، حتى أن بعضهم أمضى ما يزيد عن العقد ونصف العقد وهم قيد الاعتقال الإداري ولم تنصفهم المحاكم التي شاركوا فيها من خلال وجود تمثيل لهم على شكل توكيل محامي يمثلهم أمام تلك المحكمة ومعظمهم استأنف على قرار محكمة التثبيت وعدد لا بأس به وصل المحكمة العليا، فهل لمس أي واحد منهم أي عدل أو إنصاف ؟؟؟ الجواب هو وبإجماع  كل من خاضوا هذه التجربة المريرة بالنفي لذلك فإن سؤال تلقائي يندفع للذهن إذن لماذا الإصرار على مواصلة التعاطي مع هذه المسرحية الهزلية التي تنتج للأسرى وعائلاتهم مآسي حقيقية، فالمستفيد الوحيد هو الاحتلال ولذلك أعتقد أنه آن الأوان لاتخاذ القرار الجريء والمسؤول بالمقاطعة الشاملة وليكن المعتقلين الإداريين هم الطليعة ثم تتسع الدائرة شيئاً فشيئاً حتى تصبح المقاطعة شاملة، وحينها سنكتشف أنه كان بحوزتنا سلاحاً مهماً لم نستخدمه لعقود من الزمن، ومن هنا فإنه على الفصائل كافة أن تنخرط في هذه العملية  وأن توفر لها أسباب النجاح، وأن تتعاطى مع الموضوع بمنتهى الجدية، فالقضية جديرة بأن تناقش في المؤسسات العليا للفصائل وأن تبلور منها قراراً قاطعاً ومن الضرورة بمكان أن يتبلور القرار بالتشاور والتنسيق مع الحركة الأسيرة في معتقلات الاحتلال .

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير