يوميات مواطن عادي : نبيل دويكات

15.06.2013 01:02 PM
يوميات مواطن عادي
(5)
المناشدات والصرخات الانسانية..

"فاعل خير يتبرع بتغطية تكاليف الدراسة"، "سيادة الرئيس يلبي صرخة أم لعلاج ابنها"، "الأمن الوطني يتبنى ترميم منزل إحدى العائلات"، "توزيع مكرمة رئاسية للعائلات المحتاجة". مناشدة لسيادة الرئيس، رئيس الوزراء، وزير الداخلية، وزير الزراعة، وزير الأوقاف، الشؤون الاجتماعية، المؤسسات والهيئات المختلفة، قائد الشرطة، رئيس البلدية، أهل الخير... الخ. من هذه العبارات والجمل التي أصبحت من الأمور المألوفة والمعتادة في واقعنا، وليس مبالغة القول أننا نشاهدها ونسمعها ونراها يوميا عبر وسائل الاعلام المرئية والمسموعة والمقروءة. ولا تقتصر هذه الاخبار والمناشدات على فئة أو شريحة محددة من المجتمع، كما أنها لا توجه الى مستوى معين من المسئولين وصناع القرار. باعتقادي أنها أصبحت "ظاهرة" هذه الأيام لأنها لا تنحصر أيضا في قطاع دون غيره، بل توجه إلى صناع القرار في مختلف المستويات مثلما توجه إلى "أهل الخير" وأصحاب "النخوة" عموما.

أحد الأبعاد التي يجدر تسجيلها في هذه المقالة هو أن "الخير" وبذوره لا زال موجودا في مجتمعنا الفلسطيني. ولا يكاد أحد ما يشتكي أو يطلق صرخة أو نداء أو مناشدة حتى تتداعى أطراف وجهات عديدة للتلبية وتحقيق المطلوب، وهذا باعتقادي أمر إيجابي ويجب باستمرار تقديره واحترامه والعمل على تكريسه وتعزيزه كأحد المكونات الأساسية لقيمنا وثقافتنا التي تستند إلى تعزيز روح التعاون والتعاضد والشعور تجاه بعضنا البعض. لكن هذا لا يمنع من النظر للموضوع من الجهة الأخرى، وأقصد الجهة السلبية.

جملة المناشدات والصرخات، وردود الفعل والاستجابات المختلفة تقدم لنا مؤشرات عديدة على ان هناك جوانب نقص أو تقصير، هذا إن لم نقل عجز لدى عدد من الجهات وسوف اشير لها بالتصنيف التالي:
أولا: المؤسسات الرسمية، وتشمل جملة الهيئات والمؤسسات التابعة للسلطة الوطنية الفلسطينية على اختلاف مستوياتها وتخصصات عملها.
ثانيا: المؤسسات غير الرسمية، وتشمل ما يصطلح على تسميته بمؤسسات المجتمع المدني. وهذه من الممكن تصنيفها لأغراض هذه المقالة إلى: الأحزاب والقوى السياسية، ومؤسسات العمل الأهلي.

بالنسبة للمؤسسات الحكومية فإنه من الواضح من حجم وطبيعة المناشدات ومجالاتها المختلفة أن هناك ثغرات، وربما نقص كبير في عملها باتجاه تقديم خدماتها للمواطنين وهو موضوع يستحق التوقف طويلا أمامه، وفحص أسباب وظروف وملابسات هذا العجز ونتائجه على كل المستويات. وهنا اقترح أن يؤخذ بعين الاعتبار خلال عملية الفحص مقارنة أداء المؤسسات في جانبين هما تقديم الخدمات يقابله استيفاء الرسوم والمتطلبات. وبمعنى آخر لماذا نسب نجاح المؤسسات الحكومية في مجال الجباية أكبر من نسب نجاحها في توفير الخدمات؟! وهذه وجهة نظري.

مؤسسات المجتمع المدني ليست بعيدة عن هذه الصورة أيضا، فالمؤسسات الأهلية على تنوع قطاعاتها ومجالات عملها لا تقوم بعملية سد الثغرات في مجال عمل المؤسسات الحكومية عبر تقديم الخدمات في القطاعات المختلفة، ومدى قدرة الخدمات التي تقدمها على التعبير عن احتياجات الفئات والقطاعات المختلفة. أما بالنسبة للأحزاب والقوى السياسية ينطبق عليها القول "حدّث ولا حرج". المفترض من ناحية نظرية أن تعبر الأحزاب السياسية عن مصالح الفئات والشرائح والطبقات الاجتماعية التي تمثلها، عبر "تعبئة" و"تنظيم" و"تأطير "و"قيادة" نضال الفئات والشرائح والطبقات من أجل مصالحها المباشرة والملموسة في اطار المجتمع او الدولة، وبتقاطع مع المصلحة العامة للمجتمع.

للأسف فإن مصلحات مثل: خدمة المجتمع، تنظيم، تعبئة، قيادة لم تعد تسمع بكثرة هذا الأيام، هذا إن لم نقل انها اختفت من خطاب المؤسسات والهيئات، الحكومية وغير الحكومية على السواء. وبدلا منها ترتفع يوما بعد يوم اصوات المواطنين الفردية والذاتية مناشدة وصارخة ومتضرعة إلى جهات عديدة لتحقيق مطلب هنا أو حل قضية هناك. وتتحول كل القضايا والحاجات الى مكرمات وتبرعات وعمل فاعل خير. آن الأون للتوقف أمام ذلك حتى لا نجد أنفسنا في يوم من الأيام ننحدر إلى ما هو أسوأ.


انتهى

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير