عام على اتفاقيات ابراهام والتطبيع

25.09.2021 03:25 PM

 

كتب: نهاد أبو غوش

مضى عام كامل على اتفاقية التطبيع بين دولة الاحتلال الإسرائيلي، وكل من دولة الإمارات العربية المتحدة والبحرين والمغرب والسودان، تلك الاتفاقية التي أعطيت اسما خادعا ومحتالا هو اسم "اتفاقية ابراهام" في إشارة للنبي ابراهيم الذي تقول الروايات الدينية بأنه جد اليهود من خلال ابيهم اسحق، وجد العرب من خلال أبيهم اسماعيل، وبالتالي فإن العرب واليهود ( المشروع الصهيوني في فلسطين الآن) هم ابناء عمومة، وبالتالي فإن السلام والتعاون هو مصيرهم وقدرهم.

وجرى لهذه الغاية احتفال رمزي من خلال لقاء جماعي افتراضي عبر تقنية الفيديو، شارك فيه وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكين، مع وزراء خارجية "إسرائيل" يائير لابيد، والإمارات أنور قرقاش، والمغرب ناصر بوريطة، والبحرين عبد اللطيف الزياني، اكدت فيه واشنطن بإدارتها الديمقراطية دعمها لمسار التطبيع، ودعا بلينكين باقي الدول العربية للتطبيع مع "إسرائيل".

النتائج التي تحققت حتى الآن كانت أدنى بكثير من التوقعات والآمال التي عقدتها "إسرائيل" والمطبعون، والتي كان من بينها أن تكرّ مسبحة التطبيع لتشمل باقي الدول العربية ويعود ذلك لعدة أسباب من بينها رحيل إدارة دونالد ترامب في واشنطن وحكومة نتنياهو في تل أبيب ( مع أن من جاء بعدهما لا يختلف موقفه من قضية التطبيع واهمتيها لكن الأولويات تختلف)، والمعارضة الجادة التي جوبهت بها اتفاقيات التطبيع في الدول المطبعة ذاتها، والتي اتخذت شكل احتجاجات جماهيرية، وتنامي نشاطات المقاطعة ومعارضة التطبيع، إلى درجة يمكن القول فيها أن أحد اسباب انهيار حكومة حزب العدالة والتنمية الإسلامي في المغرب هو حماسته للتطبيع مع "إسرائيل"، كما يمكن إضافة سبب الحرج الذي وقع به المطبعون بعد الحرب العدوانية الأخيرة على قطاع غزة وما تخللها من جرائم مروعة ضد الأطفال، والمواجهات الجماهيرية العارمة في القدس وباقي الأراضي الفلسطينية التي كشفت وجه "إسرائيل" الحقيق وأزالت الغشاوة عن عيون كثير من المطبعين وأعادت للقضية الفلسطينية بعضا من ألقها الذي فقدته.

من المؤكد ان التطبيع لم يكن اجتهادا خاطئا أو نزوة عابرة، بل هو نتاج حسابات ومصالح يقف في مقدمتها اتفاق الأطراف المعنية على بناء نظام إقليمي جديد حليف للولايات المتحدة والغرب الرأسمالي، لمواجهة إيران وحلفائها بحيث تكون "إسرائيل" في قلب هذا النظام، بالإضافة إلى حسابات سياسية واقتصادية وأمنية لدى الأنظمة والشرائح الحاكمة، تأمل من خلالها أن تساعدها إسرائيل في تحقيق أهدافها الأمنية والعسكرية وطموحاتها الإقليمية، كما تساهم في تزكيتها وتحسين مكانتها لدى الولايات المتحدة.

أما "إسرائيل" فهي تسعى منذ وقت طويل للالتفاف على القضية الفلسطينية باعتبارها جوهر الصراع في الشرق الأوسط، وحرمان الفلسطينيين من أهم أدوات القوة التي يملكونها وهي استحالة حصول سلام واستقرار وتطبيع من دون حل القضية الفلسطينية، ومن دون الموافقة الفلسطينية، وهذه الرؤية تجسدت في طرح نتنياهو عن "السلام الإقليمي" على حساب حل القضية الفلسطينية، وهو ما تمكن من تضمينه لصفقة القرن التي كانت في حقيقتها تبنيا من إدارة الرئيس ترامب لرؤية اليمين الإسرائيلي العنصري المتطرف.

كما ينسجم التطبيع مع مخطط "إسرائيل" لبناء نظام إقليمي جديد تكون لها فيه اليد الطولى، حيث تتحالف مع أنظمة إقليمية ضعيفة، تتكىء على حماية "إسرائي"ل الأمنية والعسكرية، وتشتري خدماتها في مجالات الأمن والتجسس( خصوصا  على المعارضين من مواطنيها)، وبعد ذلك ينشأ التكامل بين الإدارة والتكنولوجيا والخبرة الإسرائيلية مع الرساميل العربية ، أو مع الأيدي العاملة الرخيصة والأراضي الفسيحة، كما في حالتي المغرب والسودان، والأسواق المستباحة، وهذه الرؤية هي التي تجعل "إسرائيل" معادية بشكل شرس لأي توجه تنموي مستقل لدول المنطقة، فهي تريد كل هذه الدول ضعيفة ومنهكة وتابعة وفي حاجة ماسة لمن يحميها ويدعمها.

وإلى جانب ما ذكر تسعى "إسرائيل" من خلال التطبيع إلى إعادة تقديم نفسها كدولة طبيعية ومحبة للسلام، والتصدي لطوق العزلة الذي يفرض عليها بسبب سياساتها العدوانية والتوسعية، وهي تهدف كذلك إلى جذب الاستثمارات الخليجية، وفتح اسواق جديدة لمنتجاتها العسكرية والأمنية.

"إسرائيل" تطبع إذن مع أنظمة وشرائح حاكمة وليس مع الشعوب، فلا مصلحة لأي شعب عربي أو غير عربي في التطبيع مع دولة مارقة تتبنى رسميا سياسات الابارتهايد، وتنتهك القوانين الدولية صباح مساء، وتحتل أراضي ثلاث دول عربية، وتتآمر على باقي الدول وتستبيح سيادتها، وتجربة التطبيع في مصر بعد أكثر من اربعين عاما من معاهدة السلام، مع الأردن بعد اكثر من ربع قرن، تثبت أن المستفيد الوحيد من هذا التطبيع هي دولة الاحتلال، التي تستخدم التطبيع لتجميل وجهها وسياساتها المعادية للإنسانية.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير