مشروعية الإجبار على تلقي لقاح كورونا في ظل التشريعات السارية في فلسطين

24.09.2021 07:00 PM

 كتب نور الدين صريع : بعيدًا عن كل الآراء مع الاحترام، وفي إطار قانوني؛ هذا المقال: تناول مشروعية الإجبار على تلقي لقاح فيروس كورونا في ظل التشريعات السارية في فلسطين بشكل موجز.

مؤخرًا، وعلى ضوء التعليمات الصادرة من جهات الإختصاص، اتضح للجميع أنه لا مفر من تلقي لقاح كورونا، وبمعنى آخر أنه اجباري، إذ وعلى الأقل: لا يمكن التعامل مع الدوائر الرسمية دون تلقيه، الأمر الذي أثار غضب الكثير من أفراد المجتمع، وهذا تحديدًا ما شكل لدينا الدافع لهذا المقال الذي سيجيب بشكل أساسي عن التساؤل القائم حول ما إن كان يجوز إجبار المواطنين على تلقي لقاح فيروس كورونا في ظل التشريعات السارية في فلسطين؟

وللإجابة عن هذا التساؤل فإنه لا بد من التفرقة بين مرحلتين في تصنيع اللقاح؛ مع العلم أن عملية الإجبار استثناءً على الأصل في الإنسان أنه حري بالإختيار، والاستثناء لا يرد إلا بنص قانوني:

المرحلة الأولى: وهي المرحلة التي يكون في فيها اللقاح تجريبي (تحت التجربة)، وفي هذه المرحلة لا يمكن أن يجبر المواطن على تلقي اللقاح، وهذا عملًا بنص المادة (16) من القانون الأساسي الفلسطيني التي نصت على أنه "لا يجوز إجراء أي تجربة طبية أو علمية على أحد دون رضاء قانوني مسبق، كما لا يجوز إخضاع أحد للفحص الطبي أو للعلاج أو لعملية جراحية إلا بموجب قانون..." وهذا يعني أن تلقي اللقاح في هذه المرحلة لا يكون إلا بإرادة حرة بالمطلق.

أما المرحلة الثانية: وهي المرحلة التي يكون فيها اللقاح قد تخطى المرحلة التجريبية وبات معتمدًا ومرخصًا حسب الأصول. وبالحقيقة السهلة أنه وفي هذا المرحلة يجوز أن يجبر المواطن على تلقي اللقاح سندًا لنص المادة (10) من قانون الصحة العامة رقم (20) لسنة 2004 والتي نصت على أنه "على الوزارة اتخاذ التدابير الوقائية والعلاجية اللازمة لحصر انتشار الأمراض المعدية ومن ذلك: 1. فرض التطعيم الواقي أو العلاج اللازم". ولما كان من الثابت أن فيروس كورونا من الأمراض المعدية سريعة الانتشار، فإن إعمال هذا النص في هذه المرحلة يكون واقعًا في محله، ولوزارة الصحة أن تفرض على المواطنين تلقي اللقاح، وهذا عدا عن أن هذه المسألة تمس بالمصلحة والصحة العامة، والتي نشير في بصددها إلى نص المادة (62) من قانون العقوبات رقم (16) لسنة 1960 التي نصت على أنه : 1- لا يعد الفعل الذي يجيزه القانون جريمة. 2- يجيز القانون: ج- العمليات الجراحية والعلاجات الطبية المنطبقة على أصول الفن شرط أن تجري برضى العليل أو رضى ممثليه الشرعيين أو في حالات الضرورة الماسة"، ونرى بدورنا أن تلقي اللقاح ضرورة ماسة لا تحتمل التأخير لما وقع من كوارث إبان انتشار فيروس كورونا، وهذا مشروطًا بإن كان اللقاح فعال ولا يشكل خطورة على صحة المواطنين؛ فالذي يعاني من أمراض وأعراض لا يمكن معها تلقي اللقاح مثلًا، وهذا لكونه يعرض حياته للخطر و/أو الموت، لا يمكن البتة اجباره على تلقي اللقاح، ولكن يمكن أن يفرض عليه الحجر أو وسائل وقائية أخرى.

ومع هذا، فإننا لا نسلم بالمشروعية المطلقة لعملية الإجبار على تلقي القاح؛ إذ أن الإجبار يكون بوسيلة، والوسيلة بحد ذاتها يجب أن تكون مشروعة، وإن ما ذهبت إليه السلطات الفلسطينية من وسائل لعملية الإجبار هي غير مشروعة بالحقيقة، فالوسيلة التي استخدمتها تمثلت بعقوبات خارجة عن إطار العقوبة المشرعة؛ فالعقوبة إما أن تكون سالبة للحرية أو غرامة مالية، والعقوبات التى استضاحت لنا من التعليمات والتعميمات _ والتي ليس لها إلا أن تؤكد على العقوبات التي شرعت بالتشريعات العادية  تمثلت في حرمان المواطن من حقه في التقاضي والتنقل والإقامة والعلاج والتزاوج وممارسة الشعائر الدينية... وكل هذه الحقوق هي حقوق أصيلة لصيقة لا يمكن حرمان الإنسان منها. وهذا عدا عن المسألة الأهم في هذه الحالة، وهي أن العقوبة لا توقع إلا بحكم قضائي عملًا بنص المادة (15) من القانون الأساسي.

وعلى ذلك؛ فإنه من الأولى لا وبل الأصل أن تكون العقوبة هي ما نصت عليه المادة (81) من قانون الصحة العامة من أنه "مع عدم الإخلال بأية عقوبة أشد ينص عليها قانون آخر، يعاقب كل من يخالف أي حكم من أحكام هذا القانون، بالحبس مدة لا تزيد على سنتين، وبغرامة لا تزيد على ألفي دينار، أو بإحدى هاتين العقوبتين"، لكون عدم الخضوع لفروضات وزارة الصحة في جبر تلقي اللقاح هو مخالفة صريحة لنص المادة (10) من القانون المذكور. ومع أنه ورد عقوبات أخرى في قرارات بقوانين؛ إلا أننا لا نود الإشارة إليها لكونها محل بحث في دستوريتها.

وأخيرًا بقي أن نشير إلى أن صاحب السلطة في إصدار القرارات يجب أن يتحمل مسؤولية نتائج قراراته، فإذا ألحق اللقاح ضررًا بالأفراد فإن الدولة مجبورةً على جبر هذا الضرر في هذا الحال. وقد نصت المادة (5) من القرار بقانون رقم (11) لسنة 2021 بشأن تنظيم المنتجات الطبية لمكافحة فيروس (كوفيد _ 19) على أنه "تتولى الدولة جبر الضرر الناتج عن استخدام المنتج الطبي، من خلال صندوق تنشئه الحكومة لهذه الغاية بموجب نظام يحدد معايير وأسس التعويضات، ويكون برئاسة ممثلًا عن وزارة المالية"، وهنا نعارض أن مصدر القرار يحدد أسس ومعايير الجبر، وإنما خضوعنا للقانون في هذه المسألة وتحديدًا قواعد المسؤولية التقصيرية السارية في فلسطين. ونرى أيضًا أن عدم نشوء صندوق تعويض المتضررين من تلقي لقاح كورونا للآن ليس من شأنه أن يرجئ تعويض المتضررين؛ لكون أن ذمة الحكومة واحدة في هذه الحالة، وأن تنشئة صندوق من عدمه ما هي إلا مسألة تنظيمية داخلية ليس لها أن تتحكم في حق المتضرر بالتعويض.

وبالختام نكون قد توصلنا إلى أن عملية إجبار المواطنين على تلقي لقاح كورونا تختلف مشروعيتها بحسب المرحلة التصنيعية للقاح؛ فإن كان في مرحلة تجريبية فلا يجوز إجبار المواطنين على تلقيه، وإن كان قد تخطى هذه المرحلة وحصل على التراخيص حسب الأصول؛ فإنه يجوز الإجبار على تلقيه سندًا للمادة (10) من قانون الصحة العامة. وقد توصلنا أيضًا إلى أن الوسائل المستخدمة في عملية الإجبار على تلقي اللقاح هي وسائل غير مشروعة لكونها تمس حقوق أصيلة لصيقة بالإنسان.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير