ماذا تحقّق من اهداف نفق الحرية (جلبوع)؟!

22.09.2021 04:13 PM

كتب وليد الهودلي: ساحاول الجمع بين تجربة نفق سجن كفاريونا وهذه التجربة، وبالمناسبة نفق سجن كفاريونا نجح فيه اثنان من الاسرى من انتزاع حريتهم سنة 1996 وهم توفيق زبن وغسان مهداوي حيث كنت في ذاك السجن حينها كشاهد عيان واطلعت فيما بعد على كافة التفاصيل فكتبتها في قصة سمّيتها النفق وفيما بعد أخرجت مسرحية عام 2010.

بداية لست من الذين يحوّلون كلّ شيء الى انتصارات، بل مع التقييم الموضوعي بعيدا عن العواطف والمشاعر وكذلك مع التريّث قليلا حتى تنجلي الصورة ونتمكّن من رؤية الحدث من أغلب زواياه بعيدا عن الوقوع في براثن اعلام الأعداء المغرض والموظّف بطريقة شرسة ومخادعة وكاذبة بامتياز.

والسؤال المهم في حدث تمكّن فيه ستة أسرى من التحرّر من سجن جلبوع عبر نفق حفروه هو: ماذا حقّقوا وهل نجحوا في الوصول الى أهدافهم كلّها أو جزء منها؟

بلا شك أنهم لم يصلوا الى أهدافهم بنسبة مائة بالمائة إذ أن الهدف الواضح هو الحريّة بكل ما تعنيه الكلمة والاستمرار في الحياة خارج السجن؟ ولكن هل هناك ثمّة أهداف أخرى تحقّقت؟ وهي بالمناسبة قد لا تقلّ أهمية عن حياة ستة فلسطينيين خارج السجن، لنا ان نسرد بعضا منها لنرى الحياة التي تحقّقت بخروج هذا النفر من سجنهم ولنا أن نسرد ذلك على لسان حالهم حيث يقول:

- أولا بخصوص الهزيمة الأمنية التي منيت بها استخبارات السجون فقد أوصلتهم الحضيض، وحيث هم في حالة من الهوس الأمني في الوضع الطبيعي فماذا وقد اخترقت كل تحصيناتهم وهنا أقارن بين النفق الذي شقّ طريقه تحت سجن كفار يونا عام 1996 حيث كانت الأرض هناك رملية يسهل حفرها ويسهل تسريب رملها في دورة المياه، بينما في جلبوع منطقة جبلية. إضافة الى انهم بعد هروب سجن "كفاريونا" اتخذوا قرارا بصبّ طبقة مسلحة من الباطون والحديد لكل ارضيات الطوابق الارضية في كل السجون اضافة الى طبقة من مادة بلاستيكية (وهذا كلّفهم مئات الملايين) مع مضاعفة الجهود الالكترونية واليدويّة ومع هذا حفرنا النفق وخرجنا من هذه القلعة المحصّنة. هذا من شانه أن يضاعف درجة الهوس الأمني الذي يعيشونه بطبيعة الحال وهذا سوف يكلّفهم كثيرا ماديّا ومعنويا. 

- لقد أرينا العالم كلّه خاصة أحراره وبأم عينيه أن هناك ظلما رهيبا من احتلال غاشم ويمارس الظلم بكل أشكاله البشعة ومنذ فترة طويلة من الزمن على شعب محتل وأسرى قابعون في سجونه منذ عشرات السنين، وهذه مهمة لضرب صورة الاحتلال الذي ينفق على اظهارها بصورة حسنة أموالا طائلة وجهودا جبارة، وهذا ما حصل فترة عملية سيف القدس والتي وقف معظم أحرار العالم فيها مع القضية الفلسطينية، فلا بدّ بين الحين والأخر أن يطرق الشعب الفلسطيني جدران الخزان بكل قوة، لقد طرقنا نحن الستة نفر جدران الخزان ليسمع العالم كله صداه وقبل العالم لنسمع شعبنا وكل عربي ومسلم ولتسري الدماء في العروق وليستيقظ الغافلون من غفلتهم ولنعيد البوصلة اتجاه هذه القضية العظيمة قضية الانسان الفلسطيني العاكف منذ عشرات السجون في زنازين القهر والعذاب، فهل وصلت أحرار شعبنا الرسالة كما وصلت كلّ آفاق الدنيا وأقطارها وهل نجحنا في تسليط الضوء بقوّة من جديد على قضيتنا قضية فلسطين، وهل نجحنا بتسليط ضوء مثله على هذا المشروع الفاشي النازي المجرم فنجحنا بإظهاره بالصورة التي يستحفها؟ . أعتقد أننا نجحنا أيما نجاح ونحن نظهر هذا الفلسطيني الذي يخترق حديد جبروت قهرهم ويخرج للعالم بكلّ عزّة وغباء بروح مثابرة قويّة شامخة تستحق الحياة. 

- أمّا عن رسالتنا الثانية فلم نشأ كتابتها على الورق وإرسالها كبسولة: كان بالإمكان أن نسطّر ببلاغة اللغة والبيان أقوى العبارات وأعمق الكلمات وأعظم التشبيهات: كان بإمكاننا مثلا أن نقول: أما آن لنا أن نتحرّر بعد هذه السنوات التي تجاوزت على بعضنا الثلاثة عقود، لقد كلّ وملّ منّا حديد السجن دون أن تنال من أرواحنا، لقد عملت سنوات السجن في أعمارنا، أشعلت الشيب في رؤوسنا ودبّت الشيخوخة في أجسادنا، أمّا آن لفرسانكم أن يترجّلوا ولو قليلا، لقد فقدنا كثيرا من أحبابنا دون أن نلقي نظرة وداع أخيرة، أتدرون ماذا يعني عقد من الزمان خلف القضبان؟ ماذا عن عقدين أوثلاثة؟ لا اريد الاستمرار في رسالة كلامية إذ آثرنا أن نصدّر رسالة تكتب بملعقة، رسالة طولها نفق خمس وعشرين مترا، رسالة تخترق جدران الامن الصهيوني وتصل بعنفوان إرادة رجالها العالم أجمع، لقد آثرنا أن تكون رسالتنا رسالة عزة وكرامة وانتصار، رسالتي تثبت أن هذا المعزول والمجرّد من كلّ شيء يستطيع الانتصار فما بال من هم طلقاء ويملكون كثيرا من الإمكانات؟ رسالتنا بهذه الطريقة ستكون أبلغ واقوى وأعمق وأوسع انتشارا، وقد تحقّق هذا تماما كما أردنا وزيادة.

-  لقد نجحنا أيضا نجاحا منقطع النظير في رفع المنسوب الثوري لدرجة عالية في قلوب أبناء شعبنا، رفعنا راية الثورة والتحرير وأثبتنا أن هزيمة هذا العدوّ ممكنة، وأن عدونا مهما كانت قوته فإن بإمكان الضعيف أن يضرب بنقاط قوّته نقاط ضعف عدوّه فينتصر ويتفوّق عليه وهذه هي قاعدة هامة من قواعد الاشتباك، لقد نجحنا في اظهارها للناس وبأبهى صورها الممكنة.

- ولقد نجحنا أيضا في أن نتفوّق على هذا العدو المجرم بأخلاقنا فأظهرناه بصورته الحقيقة كالضباع الضالّة التي فاحت رائحتها وظهرت مخالبها بعيدا كلّ البعد عن الصورة التي يدّعيها، انقلب بكلّ توحّش وشراسة ينكّل بالمعتقلين في كلّ السجون والذين لا ناقة لهم ولا بعير فيما جرى في جلبوع، أخرج مخالبه وعوى عواءه القذر بكلّ صلافة وصفاقة في عدوان سافر على أناس أسارى ليسوا في ميدان معركة وقتال وإنما في سجون دون أية امكانيّات للمواجهة بينما هو مسلّح بكلّ إمكانيات البطش والتنكيل. أصبحت الصورة واضحة بمجموعتين من البشر: أسرى مكبّلين ومحاصرين ووحوش مفترسة تتناوشهم بأنيابها المفترسة من كلّ مكان.   

- ولقد نجحنا أيضا في ارسال رسالة بليغة لفصائلنا ومن جنّدنا وجنّد اسرانا (وهذه حق يجب أن يقال) إلى متى تنتظرون الافراج عنا؟ ماذا أنتم فاعلون لاخراجنا من هذه السجون؟ ماذا فعلتم وماذا تخططون ؟ وماذا تبذلون؟ صحيح أن هناك من يحاول ويفرغ جهدا كبيرا من جهده في هذا المضمار ولكن ماذا تفعل البقيّة الباقية. ماذا فعلت لاسراها الذين أمضوا العشرات من السنين؟ هذه رسالة داخلية نقولها لكم بلغة لا لبس فيها.

فهذه هي الرسائل التي كتبناها بلغة عرقنا ودمنا وأعصابنا وصبرنا ومصابرتنا ومثابرتنا وقدراتنا العقلية والجسدية وخبراتنا الأمنية مقدمين بين ذلك كله سنوات عمرنا التي أفنيناها في السجون، فهل وصلت الرسالة؟ وهل تحقّق ما كنا نرجوه؟ لقد تحقّق على ما نعتقد أكثر من تسعين بالمائة وأن مسألة إعادة الاعتقال لم تكن غائبة عن أذهاننا لان نهاية كلّ مطارد معروفة لنا اعتقال أو شهادة. الاهم أن المنسوب الثوري والتحرّري قد ارتفع في نفوس أحرار شعبنا وهذا هو الذي يبشّر بحرية عزيزة لنا ولكلّ أسرانا.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير