هاني عرفات يكتب لـوطن: لا تفقدوا الثقة بأنفسكم

20.09.2021 10:34 PM

 

يقول مدير مكتب رابين: تلقيت اتصالًا هاتفياً، وكان على الجانب الآخر ياسر عرفات، طلب الحديث الى رابين، قلت له إن رابين ليس في المكتب في تلك اللحظة، قال أنا في طريقي إلى مصر، قل لرابين أن يتصل بي في المطار هناك في الوقت الفلاني. قلت له :حاضر.

قال: حينما وصل رابين المكتب، قلت له إن ياسر عرفات اتصل به، وإنه سيكون في المطار في الساعة الفلانية، وأنه يريد منك الاتصال به هناك... وعند سماع رابين الجملة الأخيرة، يقول مدير مكتبه، تسمر مكانه والتفت إلي محدقاً في وجهي وصاح مزمجراً: لماذا فعلت هذا؟

قلت: فعلت ماذا؟

قال: وعدت عرفات أني سأتصل به؟

يقول مدير مكتب رابين: فهمت لحظتها الخطأ الذي قمت به، قلت له: لا عليك أنا سوف أصلح هذا الخطأ. ويضيف: فلما حان الوقت، اتصلت على عرفات من مكتب رابين، وعندما تكلم عرفات، قلت بصوت عال مخاطباً رابين الذي كان في المكتب نفسه: السيد رئيس الوزراء، السيد ياسر عرفات يطلب الحديث معك عبر الهاتف.

منذ إعادة أسر أبطال الحرية، لم تتوقف الهجمات الإعلامية عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ما بين تهجم وتخوين وخلافة، تارة تجاه الناصرة وأهلها، ومرة أخرى تجاه جنين ومخيمها... الخ. المهم جل ما يكتب يدعو للإحباط، واليأس. وقبل ذلك شكك كثيرون في صحة العملية من أصلها، بحجة استحالة تنفيذها، نظراً للترتيبات الامنية المعقدة للسجن.

لن أدعي المعرفة بتفاصيل الحدث، كل المعلومات التي لدينا، إما صادرة عن دوائر استخباراتية لدولة الاحتلال، أو ما نقل عن الأسرى من خلال المحامين، وما نقل عن الأسرى، لا أظن أنه كامل الحقيقة، لأنه من غير المعقول أن يكشف الأسرى عن كل ما يعرفونه بحيث تستفيد منه أجهزة الاحتلال. لذلك أقترح أن نترك هذه الأمور جانباً الآن ونتخلى عن فطرة حب الاستطلاع، هناك أمر أهم من ذلك بكثير، هؤلاء الأبطال تمكنوا من كسر حاجز المستحيل، وقصتهم أصبحت جزء من الموروث الشعبي والتاريخ، أسمائهم سوف يكتبها التاريخ بحروف من ذهب، وسوف تخلد إلى جانب الأبطال العظام، وهم يعرفون ذلك جيداً، من يقدم على عمل كهذا يعرف أن هناك احتمال كبير جداً لأن يستشهد أو يعاد أسره، ومع ذلك ركبوا موج المخاطرة غير آبهين، رسالتهم واحدة: نحن نستطيع...

دأبت دولة الاحتلال منذ البدء، على تثبيت وترسيخ قناعة لدى الفلسطينيين خصوصاً، ولدى باقي شعوب المنطقة عموماً، مفادها أنها دولة لا يمكن هزيمتها، وأن من تسول له نفسه القيام بنشاط معادي لها، لن يستطيع الإفلات من قبضتها، باختصار هم يريدون زرع فكرة في رؤوس الأجيال، أنهم القدر ولا جدوى من المقاومة، وما على شعوب المنطقة إلا الاستسلام لهذه الفكرة. أي قصة نجاح فلسطينية، هي كارثة بكل المقاييس بالنسبة لدولة الاحتلال، يريدون للفلسطيني أن يبقى أسير فكرة الدونية والعجز أمام دولتهم الجبارة، يريدون للفلسطيني أن يشعر دائماً بالخوف من الفلسطيني الآخر، حتى لا يتمكنوا من العمل كجماعة وكشعب، عندما يحاول الفلسطيني اجتياز المعبر، يعملون على أن يعيش المسافر حالة فوضى وصراع مع المسافرين الآخرين، كذلك الأمر عند مراجعة أي دائرة من الدوائر، يريدون أن ينهزم الفلسطيني من الداخل، وأن يفقد إيمانه بشعبه هذه هي إحدى أهم المعارك التي يتوجب على الفلسطيني أن يخوضها.

يجب على الفلسطيني أن يتخلص من عقدة النقص والضعف والدونية، والعيش الدائم في حالة من الشك بجاره أو صديقه، وابن الفصيل السياسي الآخر. أنا لا أنكر وجود الخونة، هم موجودون في كل زمان ومكان، ولدى كل الشعوب التي اختبرت ما نختبر، لكن التعميم وتكبير الموضوع لا يصب في مصلحة القضية الوطنية. هذا لا يلغي فكرة التنافس أو الصراع السياسي طالما كان قائماً على أساس علمي وصحيح.

من سوف يستفيد من تخوين حركة فتح مثلاً، وأنا لست عضواً فيها بالمناسبة، وهي من أكبر التنظيمات الفلسطينية، ونصف الأسرى منها؟ لكن من الصحيح انتقاد سياساتها أو بعضها علي الأقل، حينما تكون مضرة بالقضية الوطنية، بل إن ذلك واجب لا مفر منه، مثلها مثل باقي الفصائل الاخرى.

يجب على الفلسطيني أن لا يفقد الثقة بنفسه وقدراته، لديه أبطال أسطوريين، وأبطال النفق خير دليل على ذلك، وهذا يتأتى فقط من خلال التخلص من بعض الآفات التي ألصقت به، ورفع منسوب الوعي الجمعي.

مدير مكتب رابين في حينه، أدرك سر غضب رابين، فهو لا يريد أن يشعر الراحل ياسر عرفات بأنه نداً له، بحيث يقوم هو بالاتصال به، إلى هذه الدرجة مهمة اللغة والتفاصيل بالنسبة لهم، ويجب أن تكون مهمة بالنسبة للفلسطينيين أيضاً.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير