خالد بطراوي يكتب لوطن .. توسعة الطرق فلسطينيا

20.09.2021 09:41 AM

ثمة قضايا هامة كان الاحتلال الاسرائيلي يدركها حتى قبل إبرام اتفاقيات " أوسلو" ومع ذلك حرص على أن تتضمنها هذه الاتفاقيات كسبا لعامل الوقت ليس أكثر.

وكما تقول القاعدة الفلسفية " كل شىء يحمل في داخله ... ضده" فقد شكلت  - فيما بعد - هذه القضايا الهامة عبئا على الاحتلال نفسه، فأصبح هناك حاجة لأن يقلب الاحتلال البغيض المعادلة ليتمتع بهذه القضايا بأقل تكلفة ممكنة.

هناك العديد من الأمثلة، ولكنني أكتفي في مقالتي هذه بلفت النظر الى قضية هامة تشكل عصب الحياة بين كيان الاحتلال في الأراضي المحتلة عام 1948 والمستوطنات ( المستعمرات) المقامة على الأراضي المحتلة عام 1967، ألا وهي الطرق الرابطة.

في الماضي، حرص الاحتلال على إنشاء ثلاث طرق شريانية رئيسة من الشمال الى الجنوب، الطريق الأول بموازاة كامل الشرق من أقصى الشمال الى أقصى الجنوب مرورا بنهر الأردن والبحر الميت حتى النقب جنوبا. والثاني في الوسط من الأعلى في الشمال الى الأسفل في الجنوب مرورا بالقدس، والثالث في الغرب بموازة البحر الأبيض المتوسط مرورا بهذا البحر و انتهاءا بالجنوب أيضا.

إذا لكم أن تتخيلوا أيها الاحبة خارطة فلسطين وبها ثلاث طرق شريانية واسعة العرض طريق على يمين الخارطة، وطريق في وسطها، وطريق على يسارها وجميعها تبدأ من الأعلى، أي من الشمال وتنتهي في الأسفل، أي الجنوب.

ثم قام كيان الاحتلال بإنشاء طرق شريانية من الشرق الى الغرب، فأصبحت الضفة الغربية مقسمة الى مربعات تقريبا وأهل الأرض ( أي نحن الفلسطينيون)  نعيش داخل هذه المربعات ( الكانتونات) مع حظر إنشاء وتعمير على عمق 150 مترا من جانبي كل طريق، ونعيش في المناطق المنخفضة، بينما أقيمت المستوطنات ( المستعمرات) على قمم الجبال المرتفعة والتلال.

ماليا، استنزفت هذه الطرق كيان الاحتلال عند إنشائها وكذلك حاليا في نفقات صيانتها وإنارتها. والأدهى من ذلك، أن الاحتلال كان ينشد أن تكون هذه الطرق خالصة ومنفردة الاستخدام للاسرائيليين، لكنه فشل في أن يفعل ذلك خوفا من أن يتهم في العالم بانه " دولة عنصرية" بامتياز تكرر تجربة الفصل العنصري في جنوب افريقيا، فاستخدم الفلسطينيون هذه الطرق أكثر من الاسرائيليين حيث لا يستخدمها من بينهم الا من يسكن المستعمرات ويتنقل من الى الداخل المحتل.

انتبه كيان الاحتلال لذلك، انتبه انه هو الذي يقيم هذه الطرق، انتبه انه هو الذي يقوم بصيانة هذه الطريق وإنارتها وانتبه أن الفلسطينيين في الضفة الغربية هم الأكثر استخداما لها، فكان لا بد من قلب المعادلة.

لذلك، يلجأ كيان الاحتلال حاليا، وفي المناطق التي تصنف وفق اتفاقيات أوسلو على أنها مناطق (C) أي تحت السيطرة الكاملة للاحتلال، الى أسلوب جديد أزاء الطرق، أولا بإبقاء السيطرة الكاملة عليها، وثانيا بالسماح أو غض الطرف عن السعي الفلسطيني لتوسعة تلك الشوارع التي تقع تحت السيطرة الإسرائيلية والتي تخدم مدخل هذه المدينة أو القرية برمتها أو تلك أو ذلك التجمع من القرى الواقع في منطقة (C) تحت السيطرة الكلية للاحتلال أو المنطقة (B) تحت السيطرة الأمنية فقط للاحتلال أو المنطقة (A) تحت السيطرة الكلية للسلطة الفلسطينية، وبذلك يشعر الفلسطينيون أنهم قد حققوا نصرا وانتزعوا توسعة للشوارع في تلك المناطق، وتغدق عليهم الأموال من قبل الدول المانحة، بينما يتحرر الاحتلال من أعباء وتكلفة إنشائها وصيانتها وإنارتها لاحقا، ويستخدمها الاحتلال وقطعان مستوطنيه من ناحية أخرى وبالمجان، ودولة الاحتلال التي حاليا تنتقل تدريجيا الى أن تدفع كل حافلة رسوما عند مرورها على تلك الشوارع السريعة داخل الأراضي المحتلة عام 1948 تجنبا للازدحامات المرورية تريد أن تستخدم طرقنا بالمجان ودون أي تكاليف صيانة دورية.  وفي ذات الوقت، سيقوم الاحتلال في بقاط نقاط التماس بين الفلسطينيين والإسرائيليين بترتيب خصوصية ما فمثلا مشروع الطريق الجديدة التي يعملون عليها ما بين بلدة حوارة وحتى مفرق زعترة / نابلس ستكون مخصصة للاستخدام المنفرد للاسرائيليين وعند حاجز زعترة سيتم تخصيص ممر للمشاة الفلسطينيين مفصول عن ممر المشاة الطبيعي المخصص للاسرائيليين.

وفيما يتعلق بهذا الموضوع يدور الحديث أيضا عن موافقة فلسطينية على طلب اسرائيلي بتأهيل مقطع بطول ٥٠٠ م من الشارع الالتفافي وانشاء "دوار" وذلك قرب حاجز بيت ايل / مدينة البيره، بالطبع تحت إشراف علوي اسرائيلي.

خلاصة القول، ينبغي الحذر، فليس كل ما يلمع ذهبا، ولا تعني موافقة الجهات الاحتلالية الإسرائيلية أو غض طرفها عن مشروع شق و/أو توسعة أي طريق يسعى الى تنفيذه الجانب الفلسطيني هو كمن ينتزع نصرا ويرغم الاحتلال، بل ان ذلك النصر قد يكون وهميا مقصودا من قبل الاحتلال للتخفيف من تكاليف سيطرته على الضفة الغربية والنفقات التشغيلية السنوية ونفقات الصيانة والإنارة ... لكنه سيبقى مسيطرا ... وبـ " البسطار".

الاحتلال أيها الأحبة ومن خلفه الدول المانحة، لديهم كل الاستعداد لدعم وتطوير البنية التحتية في الضفة الغربية وتحت إشراف الجهات الرسمية الفلسطينية شريطة أولا ضمان سيطرة الاحتلال على هذه البنية التحتية وحتى تصميمها والى حد ما الاشراف العلوي عليها، وثانيا أن تنتفع منها المستوطنات ( المستعمرات) الاسرائيلية، تحت مسمى أن مشاريع البنية التحتية يجب " أن تخدم سكان المنطقة" وهم بذلك يستبدلون مصطلح " أصحاب الأرض" بسكان المنطقة لتشمل المواطن الفلسطيني وكذلك المستوطن ( المستعمر)، ويركز الاحتلال في مسألة البنية التحتية، على الطرق ومعالجة مياه الصرف الصحي والنفايات حيث لا يخفى على الكثيرين أن مياه مجاري المستوطنات اما انها حاليا تصب في الاراضي الزراعية الفلسطينية أو أن جزء منها قد تم ربطه فعلا مع خطوط المجاري العامة لبعض المدن، وينطبق ذات الأمر على النفايات وغيرها من الامور المتعلقة بالبيئة، وذلك بالغ الخطورة حيث يسعى الاحتلال والدول المانحة من خلفه الى جعل حالة " التعايش السلمي" أمرا واقعا على الأرض.
فالحذر .... الحذر.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير