التفاوض على المفاوضات!.. قصة حكومتين : الدكتور احمد جميل عزم

13.06.2013 09:38 AM
إذا بحث المحلل السياسي عن مادة تساعده في فهم ما يحدث على "جبهة" التفاوض الفلسطيني–الإسرائيلي، وخصوصا الموقف الفلسطيني؛ فسيضطر ربما إلى الانسحاب من عالم السياسة إلى الشعر، ويتذكر أنّ لفظة "التفاوض" بكل ما فيها من جمود وبراغماتية قد دخلت الشعر، كما سيستذكر كلمات محمود درويش "إن هذا السلام سيتركنا حفنة من غبار..، من سيدفن أيامنا بعدنا: أنت .. أم هم؟ ومن سوف يرفع راياتهم فوق أسوارنا: أنت..، أم فارس يائس؟ من يعلق لأجراسهم فوق رحلتنا، أنت.. أم حارس بائس؟ كل شيء معدّ لنا، فلماذا تطيل التفاوض، يا ملك الاحتضار؟".
انتهى منذ نحو أسبوع، ما قيل سابقا إنّه الموعد الذي اتفق عليه وزير الخارجية الأميركي جون كيري، مع الرئيس الفلسطيني محمود عبّاس، ليكون قد جرى بلورة تصور لعملية تفاوضية جديدة. أو بكلمات أدق، بلورة كيفية العودة إلى العملية القديمة، وامتناع الفلسطينيين عن الذهاب للهيئات الدولية لترجمة الاعتراف الدولي بهم في الأمم المتحدة، من خلال الانضمام للمحاكم والمنظمات الدولية التي تمكّن في جزء منها من ملاحقة إسرائيل قانونيا ودبلوماسيا.
ما يحدث عمليا هو انتقال من مفاوضات عبثية بشأن القضية الفلسطينية، وحل قيام دولة فلسطينية على 22 % من فلسطين التاريخية، إلى تفاوض حول كيفية التفاوض؟!
النمط التفاوضي الفلسطيني هو الانتظار الطويل، وإعطاء ألف فرصة قبل الإقدام على حركة واحدة. في الأثناء، يبني المستوطنون الإسرائيليون آلاف الوحدات الاستيطانية، ويصادرون آلاف الدونمات الجديدة، ويتوسعون في فرض حقائق أمر واقع على الأرض. ولعل الوضع الإسرائيلي المريح للغاية هذه الأيام، يعبّر عن نفسه بأنّ مسؤولي الصف الثاني، الطامحين إلى نصيبهم في كعكة السلطة الإسرائيلية، يقدّمون أوراق اعتمادهم للجمهور بالتنافس في التطرف، وفي تقديم سيناريوهات الهجوم السياسي والاحتلالي المقبلة.
مرت ذكرى نكسة حزيران (يونيو) 1967 في الأراضي الفلسطينية والشتات، وعلى غير المتوقع، بهدوء نسبي. وانشغل الشارع الفلسطيني بحكومة جديدة. وبدل المقاومة الشعبية والاحتجاج في ذكرى النكسة، خرجت مظاهرات تحتج على استثناء مدينة الخليل من التشكيل الحكومي!
في الأثناء، تقدّم نائبا وزير الدفاع ووزير الخارجية الإسرائيليين بتصورات حول المرحلة السياسية المقبلة. قدّما خطط هجوم جديدة لإثبات أهليتهم بمناصب أهم مستقبلا. نائب وزير الدفاع الإسرائيلي، داني دانون (مواليد 1971، وتصفه صحف عالمية بأنّه النجم الصاعد)، قال للإعلام: "يمكن للمجتمع الدولي أن يقول ما يريد، ونحن سنفعل ما نريد"؛ مؤكدا أنّ الحكومة الإسرائيلية لا تناقش حل الدولتين، وأنّه لو تم التصويت عليها في الحكومة فلن تحظى بتأييد. وأتبع دانون تصريحاته بالقول إنّ حلا يمكن بلوغه بالتعاون مع مصر والأردن. وجوهر فكرته أن تضم إسرائيل أي أرض فارغة (أو يمكن تفريغها بالطبع)، وأن يكون الأردن مسؤولا عن السكّان، وربما منحهم جنسيّات أردنية ومصرية. وربما يكون وزير الدفاع الإسرائيلي موشيه يعلون عبّر عن غضب من تصريحات نائبه، وطلب من رئيس الوزراء كبح جماحه، لكن صحيفة "يديعوت أحرنوت" وصفته بالصادق الوحيد في الحكومة، الذي يقول الأمور كما هي؛ وأنّه كما في قصة دنماركية شهيرة، الطفل الذي يخبر الإمبراطور بحقيقة أنّه عارٍ لا يرتدي ملابس، بينما تمتدح بقية الحاشية زي الإمبراطور!
من جهته، فإن زئيف ألكاين، نائب وزير الخارجية، والذي هو الوزير التنفيذي عمليا (في ظل أن المنصب بيد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو)، وهو أيضا مواليد 1971، ومستوطن في الضفة الغربية، ولا يتحدث الإنجليزية تقريبا؛ لا يخفي أنّ هدفه الأساسي هو كيف يحمّل الفلسطينيين مسؤولية عدم التفاوض.
وفي ظل وضع الحكومة الإسرائيلية، يجري الحديث عن انسحاب تسيبي ليفني وزيرة العدل، رئيس حزب "الحركة"، من الحكومة الإسرائيلية.
يُعتقد أن انشغال كيري بالشأن السوري أدى إلى تأجيل زيارة كانت مقررة للمنطقة لمناقشة الشأن التفاوضي. وفي الأثناء، يتسابق سياسيون إسرائيليون مغمورون للوصول إلى المجد السياسي بإعلان التطرف، وينشغل الفلسطينيون بحكومة جديدة، وبماذا تعني مبادرة "كسر الجمود" الأخيرة، وتتراجع المقاومة الشعبية على الأرض، وتغيب أنباء التحركات على ساحة المنظمات الدولية عن الشاشة، شأنها شأن أنباء المصالحة الداخلية.


يدرك عباس جيدا ، وكذلك تدرك زمرته في رام الله أن تكرار نداءات التسول والتوسل للعدو الصهيوني بالعودة للمفاوضات العبثية أصبحت اسطوانة مشروخة ، ومن خلال الشروط التي وضعها عباس وزمرته أمام العدو الصهيوني ، والتي أصبحت حجر عثرة والعودة للمفاوضات العبثية ، والتي سبق أن فشلت لمدة عقدين متتاليين من الزمن ، وان المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين .... حيث لا زال عباس يجهل ، أو يتجاهل ، أو يغفل ويتغافل ، وكذلك زمرته ، وبكل صلف أن الشعب الفلسطيني ليس بذلك الغباء كي يصدق أن عباس جاد في تحقيق ما يسمى بالسلام ، والذي ليس في حقيقة الأمر سوى استسلام ، وذلك ما يتضح من خلال تنازلات أوسلو المجانية التي تم تقديمها للعدو الصهيوني ، وعلى حساب الحقوق الوطنية والشرعية للشعب الفلسطيني ..... وان عباس وزمرته يدرك جيدا أن أسلوب استمرار تضييع المزيد من الوقت بحجة رفض وعدم قبول العدو الصهيوني بشروط العودة للمفاوضات العبثية ليس سوى حجة أو مبرر قد يوفر للعدو الصهيوني فرصة ذهبية وسانحة كي يتم من خلالها تسمين وإقامة المزيد من المستوطنات لقطعان أبناء وأحفاد القردة والخنازير ، وذلك من خلال تهويد كامل أراضي الضفة الغربية المحتلة كي يجد عباس وزمرته في نهاية المطاف أن سبب أو مبرر فشله وفشل زمرته في تحقيق ما يسمى بالسلام من خلال ادعاء أن العدو الصهيوني من يرفض السلام ، ومن يرفض العودة للمفاوضات العبثية ، بسبب رفض العدو الصهيوني لقبول شروط عباس وزمرته في العودة إلى مسار المفاوضات العبثية ، وانه لا يوجد ما يتم التفاوض عليه بعد أن تم سرقة واختلاس واغتصاب وتهويد كافة أراضي الضفة الغربية من خلال تسمين وبناء مستوطنات صهيونية جديدة على كامل أراضي الضفة الغربية ، وكما حدث في أراضي عام 1948 من قبل .... وبذلك يقدم عباس وزمرته خدمة مجانية لا تقدر بثمن للعدو الصهيوني ، ولا يجد عباس وزمرته سبب أو مبرر سوى تحميل العدو الصهيوني فشل العودة للمفاوضات العبثية ، وفشل تحقيق السلام ، وذلك من خلال المطالبة بإعادة الملف الفلسطيني لما يسمى بالجامعة العربية ، أو الأمم المتحدة ، أو مجلس الأمن .... وبذلك تضييع الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 كما ضاعت الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948 من قبل .... وما على الشعب الفلسطيني إلا أن ينتظر (65) سنة قادمة كي يتم المطالبة بإعادة الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 ونسيان الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير