حــــاكورة بيــــدِ نصـــارى الأرمـــن بين المُــــلكِ والحِكمةِ وفصلَ الخِطاب ِ

الباحث المقدسي فواز عطية يكتب لـوطن: "الشهير زريق السافوطي من أولاد دبوس "

16.09.2021 04:34 PM

أُسدي رسالة محبة ومقالة حق، فيها بيان الكلام وفهم العلم والحكمة والعدل والتبصر في درب الصواب، لذلك وجدت من الحكمة بزمان ومكان، في هذا المقام أن اضيف الأسم الكامل لعائلتي التي شرفني الله تعالى بالإنتماء إليها، منذ ستة قرون مضت وهي مرابطة في القدس الشريف، لأوجه عناية الطائفة الأرمنية المحترمة التي تقاسمت حلو الحياة ومُرها مع أهالي القدس، على مرِّ الزمان منذ قرون، ولأذكرها وعلى رأسهم أولي الأمر منهم من مسؤولين وحكماء، بأن الرجوع للصواب والسير في درب الفضيلة أهم وأجلُّ من مصالح ضيقة، لفئة لا تنظر إلى المستقبل، وانما همّها المصلحة الآنية لتحقيق منفعة مؤقتة غير دائمة.

تاريخ الأرمن في القدس الشريف تاريخ مشرف برّاق لامع، وهذا ما أنبأت عنه سجلات المحكمة الشرعية في القدس إبان الإمبراطورية العثمانية، إذ ليس من الحكمة طمس ذلك التاريخ، من أجل تحقيق منفعة مؤقتة من خلال إبرام اتفاقات من شأنها الإخلال بواقع قدسية المنطقة وتاريخها العربي.

من هذا المنطلق، لابد من توضيح واقع عدد سجلات المحكمة الشرعية في القدس، التي تعتبر أهم المصادر التاريخية في المدينة المقدسة، بل تعتبر في المقام الأول من حيث حقيقة الواقع الرسمي لحضارة وتاريخ القدس ومكانتها الدينية، بحيث تحتفظ تلك السجلات بأصول حجج وكتب الوقف الخاصة بالمدينة المقدسة، وأحوال أهلها ومواطنيها وزائريها وساكنيها بصورة منقطعة النظير وبأداء يفوق الوصف.

فإذا كانت السجلات قد أنبأت عن أسلوب شمولية الحياة، لواقع التعايش السلمي بين أهالي القدس وجميع مختلف الطوائف والملل، وأظهرت تلك السجلات عن قوة ومنعة الدولة في تحقيق الإستقرار المعيشي لجميع أهالي وسكان وزوار القدس دون تمييز أو محاباة، فإنه من باب أولى على كل من شرب وتآوى في ظلال أروقة المدينة المقدسة، أن يحافظ على ذلك الإرث الحضاري، من باب احترام المكان والمقام.

وعلى إثر ذلك الواقع البديع، تمكن العديد من أصحاب الحقوق بالإعتماد على تلك السجلات، في سبيل تثبيت حقوقهم الشرعية والقانونية، واستعملت في المحاكم الإسرائيلية، وتم اعتمادها والحكم بموجبها.

مما يستدعي في هذا المقام أن أذكر أولي الأمر في البطركية الأرمنية أن واقع تلك السجلات، ثبتت لهم الحقوق في نزاعهم مع كنيسة المسيح المقامة اليوم على أطلال وقف جدي لأبي المرحوم الشيخ ابراهيم السافوطي بن دبوس، حول ملكية الحاكورة الخلفية للكنيسة المذكورة، بحيث كانت السجلات أساس إرساء وترسيخ حقوق ملكيتهم للحاكورة التي تقع في محيط الأوقاف الذرية للعائلات التالية: دبوس – السافوطي، الديسي، والعسلي في حارة الريشة المقابلة للقلعة المنصورة.

فهل نسي أولي الأمر في البطركية الأرمنية واقع السجل رقم 323 ص 23، الذي أفصح عن واقع معاملة استبدال وقف الشيخ إبراهيم السافوطي بن دبوس، وبموافقة من القاضي الشرعي من خلال متولي الوقف المرحوم الحاج محمد زريق المتولي على وقف جده لأبيه الشيخ السافوطي في شهر رجب عام 1255هجري،  نتيجة الأحوال الجوية السيئة في تلك السنة، التي أدت هطول الثلوج إلى هدم عقارات الوقف المكونة من ثلاثة دور، واشترى دير الأمن الحاكورة والبيوت المنهدمة بعشرة آلاف قرش أسدي، وبالقيمة التي اشتراها الدير قام المتولي المذكور بشراء عقارات حددت اليوم في سويقة علون، بعدد من البيوت والمحلات التجارية.

ألم يكن واقع تلك السجلات التي احتضنت جميع المعاملات التي تمت في تلك الفترة، سببا في احقاق الحقوق وإرسائها لهم في نزاعهم مع كنيسة المسيح؟ ألم تكن تلك السجلات أساس الاستقرار لمعاملات الناس حتى اللحظة؟ ألم تكن تلك السجلات تشي بواقع سبب وضاعة اليد لكل من يضع يده على أي عقار من عقارات القدس القديمة؟

إن جميع الوثائق المحفوظة في سجلات المحكمة الشرعية ومؤسسة احياء التراث، التي تُعبّر عن حقبة زمنية استمرت لأربعة قرون، تحفظ بين دفاتها لجميع الحجج الوقفية الخيرية المسيحية والإسلامية وحجج الوقفيات الذرية للمسلمين واليهود- إذ لا يعيب الكاتب أن يذكر في مقاله هذا واقع قائم بأن لليهود أوقاف ذرية بعدد ضئيل في القدس القديمة عهد الدولة العثمانية- لأن نقل الحقيقة أساسه الأمانة العلمية، بما لا يؤثر على واقع العربي والإسلامي للمدينة العتيقة بجميع حاراتها، الأمر الذي لا يجوز أن نُساق إلى التقسيم الذي تبنته اسرائيل والدول المسوقة للسلام، بأن البلدة القديمة تقسم إلى أحياء، بل البلدة القديمة مؤلفة من حارات عديدة لها أسماء مازلت تحتفظ تلك الحارات بأسمائها، والبعض الآخر تغيير منذ الانتداب البريطاني للقدس، وطمست من خلال الاحتلال الإسرائيلي عام 1967 م.

وعودا على بدء، ولما كانت حاكورة الأرمن المعروفة اليوم بموقف الأرمن يحدها من جهة الشمال وقف الشيخ صالح بن الشيخ عبد الجواد العسلي "زاده" ومن الشرق الطريق السالك ومن الغرب سور القدس، وعلى ما أنبأ عنه السجل رقم 192 ص 58 الذي حدد الأوقاف الذرية للمرحوم صالح العسلي، بأن ورد فيها حدود إحدى الاوقاف الذرية المنشأ عام 1077 هجري في منطقة الواقعة بين حارة بني حارث وحارة صهيون بجانب القلعة على النحو التالي:" العقار هو الحاكورة بالقرب من القلعة المنصورة المشتملة على غراس لوز وزيتون ومشمش ورمان وشجرة توت وأربعة صهاريج (آبار مياه) معدات لجمع الأشتية وغير ذلك ومنافع ومرافق وحقوق شرعية الواقعة بمحلة صهيون الجوانية، ويحدها قبلة (الجنوب) حاكورة بيد نصارى الأرمن وشرقا الطريق السالك وبه بابها الأول وشمالا حاكورة بيد وارث أحمد آغا وتمامه الساحة الكائنة هناك وفيه بابها الثاني وشمالا خندق القلعة وغربا سور المدينة..... "، فإن عبارة أو مصطلح بيد الواردة في حجية وقف العسلي وجميع الأوقاف الذرية المختلفة، لا تعني البتة أنها تفيد الملكية، وانما تفيد واقع مادي دون تثبيت الملكية، لاسيما وأن الحاكورة التي بيد الأرمن المعروفة اليوم بموقف الأرمن تعود ملكيتها، لوقف مسجد العمري المعروف حاليا بمسجد الديسي كوقف خيري، وسابقا حظي بعدة اسماء منها مسجد المصبنة أو مسجد المعصرة لقربه من معصرة زيت الزيتون التي كانت تستخرج الزيت لصناعة الصابون.

كما أن السجلات أفصحت عن تولي عدة عائلات مقدسية  لخدمة المسجد منها: أبو السعود والعلمي والجاعوني والديسي، وهذا ثابت من خلال السجلات الشرعية التالية : 243 و 244 و271، كما وأن سجلات مؤسسة احياء التراث والبحوث الاسلامية "ميثاق"، تؤكد على أن مساحة الحاكورة التابعة للمسجد بمسمياته المختلفة تبلغ 12 دونما، الأمر الذي يُستدل من ذلك أنه لا صحة للشائعات التي يسوقها البعض بأن حاكورة أو موقف الأرمن تعود لعائلة العسلي، وانما فصل الخطاب بفهم سليم وكلام بليغ فاصل بين الحق والباطل، وبين الصواب والخطأ، وبين توفيق وتوقيف لواقع السجلات والمستندات المحفوظة في المحكمة الشرعية ومؤسسة احياء التراث، تؤكد بالحزم الذى لا يشوبه تردد أو تراجع، أن الحاكورة التي بيد طائفة الأرمن محكرة لهم منذ زمن بعيد الأمد من خلال الأوقاف الخيرية.

الأمر الذي يستدعي من أولي الأمر للطائفة الأرمنية حُسن استغلالها وفق أسس ومرجعيات تاريخية وحضارية، تعزز من عروبة المدينة وقدسيتها، وبالتوافق مع إدارة الوقف الإسلامي صاحب الولاية العامة على المساجد وممتلكاتها، وبما يعود على أوجه تصنيفها ضمن الوقف الخيري، وما تفرع عنها من حقوق مشتملة على أبنية وحواكير ومزارع تتبعها، لتحصيل الريع السنوي في سبيل خدمة تلك المساجد ولضمان استمرارية عبادة الله فيها، وبما يضمن استجابة النداء بإتباع الحق وحسن الاستماع إليه، والعمل بموجب الكتب الموجه لمسؤول و/أو مسؤولي الطائفة المحترمة، التي أُرسلت لهم عدة كتب ومناشدات مكتوبة وشفوية من خلال اللجان  والمؤسسات الفلسطينية التابعة للرئاسة الفلسطينية، ومرجعيات محترمة في القدس، بضرورة تجنب - وأشدد على كلمة تجنب-  كل ما يؤدي إلى تغيير المعالم والحقائق لتلك الحاكورة.

إذا العاقبة لمن اتقى، لأنه على كل مسؤول دائما أن يلتزم بفعل الأشياء الصحيحة، مهما كانت الظروف الفاسدة تحيط به، لا سيما وأن العاقبة الرائعة والنجاح سيكتب له بنفحات وسطور من ذهب.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير