الهروب الأمريكي من أفغانستان

01.09.2021 06:04 PM

كتب الكاتب الصحفي جلال نشوان : برحيل ٱخر جندي أمريكي من مطار كابل ، أشرقت شمس الحرية على ربوع أفغانستان ، وعمت الفرحة ربوع هذا البلد ، وتنفس الناس الصعداء ، وما أشبه اليوم بالأمس ، فالهروب الأمريكي المخزي والضربات التي تلقتها القوة العظمى في العالم ، تذكرنا بمشاهد الهروب الأمريكي من فيتنام ، حيث خرج العلم الأمريكي ملطخاً بالدماء وهنا يداهمنا سيلُ من الأسئلة :
وماذا بعد ؟
هل استوعب الكابوي الأمريكي الدرس ؟
وهل التكاليف الباهظة لهذا الاحتلال ا الأمريكي الإجرامي الذي جثم على صدور الأفغانيين لعقدين من الزمن ، سيجعل الأمريكان يفكروا جيداً قبل احتلال بلاد أخرى
أميركا تنسحب من أفغانستان ، مهزومة كجزء من سياسة إعادة تموضعها في العالم كله ، للتفرغ لمجابهة العملاق الصيني الذي بات بين قوسين او ادني من التربع على عرش الاقتصاد العالمي ، لأن الصين أصبحت تؤرق كل صناع القرار في أمريكا ، ويأتي الهروب الأمريكي من أفغانستان وكذلك الشرق الأوسط ، والهدف تركيز القوى والموارد على العدو الأكبر والمنافس الذي يهددها بفقدان قيادتها للعالم، وهو الصين، ولكن ما حدث يمكن أن يؤدي إلى بما لا تشتهي سفن بايدن وفريقه بحيث أن ذلك يحتاج إلى الكثير من الموارد التي بإمكانها استخدامها في مناطق أخرى.
لم تعد الترسانة العسكرية الهائلة التي تمتلكها تجدي وحدها ، والدليل على ذلك كانت تقصف الكهوف و ضفاف الوديان بالصواريخ المدمرة ومن قاذفاتها الاستراتيجية ، ومع ذلك كان الأفغان يوجهون ضربات موجعة إلى الجيش الأمريكي ، فمن كان يتخيل أن الدولة العظمى في العالم تهرب من مقاومين أفغان ، لا يملكون شيء والتسليح بدائي
لكنها إرادة الشعوب التي لاتقهر.
وكالعادة في خضم هذه الأحداث المتلاحقة ، تنهال علينا التحليلات حول ما يجري، فهناك من رأى أن ما حدث هو اتفاق بين الأمريكيين وطالبان في الدوحة ، وان طالبان ستكون جزء لا يتجزأ من السياسة الأمريكية وان ما حدث ربما لجر الصين وروسيا وإيران إلى مربع المواجهة المستقبلية.
ومهما كانت الأمور فإن المشروع الأمريكي في أفغانستان قد مُني بهزيمة كبرى وستتبعها هزائم أخرى؛ ، لأن سياسة قهر الشعوب ونهب خيراتها ، سياسة أثبتت فشلها ، ويبقى السؤال هل ستغير طالبان من تكتيكها بهدف العودة إلى المجتمع الدولي ، والسير بخطىً حقيقية نحو احترام حقوق الإنسان وترسيخ مبادئ احترام المرأة والتعددية وإشراك كل ألوان الطيف الأفغاني ؟
كافة المعطيات تتجه إلى أن اللاعب التركي سيقوم بمقام الوكيل وسيتولى إدارة الأمور ، وما يؤكد ذلك أن هناك اتصالات وجهوداً كبيرة تجري لتحقيق الغاية الأمريكية ، وإذا انسحبت أمريكا ، فإن وكلائها سيقومون بالدور ذاته.
إن تغيير حركة مثل طالبان ذات فكر عقائدي ليس بالأمر الهين ، خصوصًا أن طالبان لها امتداد مع الاستخبارات الباكستانية وهناك تنسيق كبير بين الطرفين بحكم الجغرافيا ، كما أن التغيير ستحكمه عوامل إقليمية وتناقضات دولية كبيرة ، وربما تكون الولايات المتحدة قد أجرت توافقات إقليمية كبيرة وخاصة تركيا وباكستان .
ويبقى السؤال : ماذا عن القبائل الأفغانية التي تختلف مع طالبان ؟ وهل ٱن الأوان لترتيب البيت الأفغاني ؟ خاصة أن البيت الأفغاني يحتاج إلى الكثير لترميمه وإعادة الحياة إليه.
انسحب الأمريكان ولكن أطماع دول أخرى مازالت حاضرة ، لأن أفغانستان بحكم موقعها الٱسييوي المرموق ، وبلد يمتلك الغاز والمعادن والبترول.
صناع القرار في الصين يراقبون الوضع عن كثب ، وينتظرون الوقت المناسب لضخ الاستثمارات ، ووضع القدم الصينية ، في مواجهة تحديات إقليمية ودولية .حقاً رحيل ٱخر جندي أمريكي من مطار كابل ، وهزيمة امريكا وهروبها المخزي أعاد بنا الذاكرة إلى حرب فيتنام ، حيث خسرت الولايات المتحدة الأمريكية أكثر من خمسين ألف جندي أمريكي ومئات الآلاف من الجرحى ، ولعل مشهد الفتاة الفيتنامية التي حُرقت بالنبالم المحرم دوليا وهي تخرج من المعبد ، والذي جعل العالم يهتز على وقع تلك الصورة ، والتي جسدت بشاعة الكابوي الأمريكي الذي قتل الملايين من الأبرياء ، ولعل جلوس الأمريكيين مع الفيتناميين في باريس ، يؤكد مقاومة الشعب الفيتنامي الذي أمده الصين والاتحاد السوفييتي بالسلاح وبكل أساليب الدعمالعالم كله ينتظر من أفغانستان ، العودة إلى الحلبة الدولية ، وستعمل قوى دولية كبيرة ، لترويض الأفغان ، وإجراء انتخابات حرة ، واختيار الشعب الأفغاني ممثليه ، بطريقة حرة ونزيهةستظل التجربة الأفغانية ، لها تداعياتها على العالم ، بأسره ,لأنها حقا هي من قهرت الامبراطوريات العتيدة
 

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير