تقسيم: بعد الأيديولوجيا.. سقوط النماذج؟: الدكتور احمد جميل عزم

06.06.2013 11:19 AM
إذا كان سقوط الاتحاد السوفيتي قد رافقه تراجع هائل، أقرب إلى السقوط، لدور الأيديولوجيا في الحياة وفي التنظيم السياسي، فإنّ البلدان العربية، وتحديدا على المستوى الشعبي، ازدادت قربا من الفكر الديني. وحتى خمسة أعوام خلت، بدا أنّ أمام الشارع نموذجين إسلاميين للاختيار بينهما، هما: الإيراني والتركي.

وفي العام 2009، تلقى النموذج الأول نكسة ضخمة، وبدا أنّ النموذج الثاني هو الصاعد. وإذا كانت الأيام الأخيرة واضطرابات ميدان "تقسيم" باسطنبول وباقي أنحاء تركيا، شكلت ضربة للنموذج التركي، فإنّ عوامل تراجع هذا النموذج سابقة.

في الأيام التي سبقت اندلاع الثورة في سورية، تحدث بشار الأسد لصحيفة "وول ستريت جورنال"، قائلا إنّ بلاده محصنة من الاضطرابات، لأنّ لديه أيديولوجيا، ولأنّ هذه الأيديولوجيا لديها قوى تعبوية تعوّض مشكلات الاقتصاد والتنمية.

كانت انتخابات 2009 الرئاسية في إيران، وادعاءات المعارضة بوجود تزييف واسع، محطة بارزة في تراجع دعاة النموذج الإيراني. قبل هذا، كان ممكنا الادعاء بأنّ إيران تحقق نهضة اقتصادية وعسكرية؛ كان ممكنا تناسي معاناة إيران في مجالات عديدة صناعيا واقتصاديا، وتناسي أنّها هزمت عسكريا على يد قوة إقليمية هي العراق، والتي هزمت على يد قوى دولية تواجهها طهران؛ وكان يمكن غض النظر عن مشكلات اجتماعية مثل وجود واحدة من أعلى نسب إدمان المخدرات في العالم رغم الفكر الديني. ولكن الصدامات والاحتجاجات الشعبية التي سميت "الثورة الخضراء"، وما فيها من مطالب ديمقراطية، جعلت الكثير من أصدقاء إيران، من أمثال صحفيين وكُتّاب معروفين، يجدون حرجا في استمرار تأييد هذا النموذج. وأدت الاضطرابات إلى وضع فكرة ولاية الفقيه موضع نقد واضح، خصوصا مع دخول الفقيه (المرشد الإيراني الأعلى) النزاع، وتحوله من مكانة تتسامى فوق الخلافات، إلى أن يكون جزءا منها.

ولعل قيام الإخوان المسلمين المصريين قبل ذلك، في العام 2007، بتبني مسودة مشروع سياسي يتضمن تأسيس هيئة لكبار العلماء تقوم عمليا مقام المرشد الأعلى، وما شهده المشروع من هجوم من قوى مدنية وعلمانية أدت إلى تراجع الإخوان عنه، كان ضربة ثانية غير مباشرة للنموذج. ثم تلقى النموذج ضربة إضافية بدخول الوكيل العربي الأهم لهذا النموذج "حزب الله" خلافا كبيرا مع القوى السياسية الإسلامية السنيّة.

بدا النموذج التركي صاعدا بقوة؛ نموذج لليبرالية الإسلامية التي نهضت بالاقتصاد. وقبل أيام فقط، أُعلن أنّ تركيا سددت آخر أقساط قروضها لصندوق النقد الدولي. ومن جاذبية هذا النموذج أنّه يمكن تسويقه غربيا؛ أميركيا وأوروبيا، أي أنّ الإسلاميين العرب يمكن أن يزعموا أنّ تركيا نموذج يثبت أنّ الإسلاميين يمكن أن يقودوا دولة ما بدون الدخول في صراعات دولية.

تركيا لم تستطع الحفاظ على مبدأ "صفر مشاكل مع الجوار"، الذي رفعته سابقا، وشكّل رافعة لتحسن علاقاتها الإقليمية ولدورها الدولي، وبابا لتجارتها الخارجية. فقد كانت سورية محطة إجبارية للخروج عن هذا الشعار. ولم يستسغ الإسلاميون المصريون رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، وهو يحاضرهم عن العلمانية في أيلول (سبتمبر) 2009 لدى زيارته القاهرة، واصطدموا معه، وهاجمه متحدث باسم جماعة الإخوان، محمود غزلان، وقال "إن تجارب الدول الأخرى لا تستنسخ".

هناك الكثير من الشكوى والتحفظات في تركيا بشأن دور القطاع الخاص ورجال الأعمال المقربين من الإسلاميين في الحكم، وكذلك تقييد لحريات صحفيين وسياسيين بضغوط من الحزب الحاكم، وبشأن مدى الاحترام للعلمانية في البلاد على المدى البعيد.

ما تزال الاضطرابات في تركيا في مرحلة مبكرة، وقد تتعدى أنقرة هذه الأزمة، بل وأن تؤدي الاحتجاجات إلى نتيجة إيجابية تخدم النظام السياسي، على قاعدة "الضربة التي لا تقتلني تقويني"، وعلى أساس أنّ الاعتراضات الشعبية تساعد على منع تطرف الإسلاميين الحاكمين في تقدير قوتهم ومدى التوكيل الشعبي المعطى لهم، وبالتالي العودة إلى المزيد من الواقعية والديمقراطية، ما يخدمهم ويخدم تركيا عموما.

على أنّ الأكيد، في حالة مثل العالم العربي، أنّ فكرة الإعجاب بنموذج خارجي تتراجع وستتراجع، تماما كما تراجعت الأيديولوجيا. وسيكون هناك ميل لتطوير تجارب خاصة بناء على طروحات وبرامج وأفكار واقعية، مع شعارات شعبية وشعبوية أقل

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير