مهندسة زراعية: أثبتنا نجاعة "صمغ الغوار" في إطالة عمر الفراولة

25.07.2021 07:56 AM

وطن- حسناء الرنتيسي

يتكبد المُزارع خسائر فادحة بفقدانه كميات كبيرة من الفراولة، وهي المحصول الرئيسي محلياً، والذي يُعد واحدًا من المحاصيل التصديرية في فلسطين.

فبعد عملية الحصاد، سرعان ما تتلف الفراولة إما بسبب طول فترة العرض، أو بسبب عمليات التصدير عندما تطول مدة وصولها إلى الدول المستوردة.

أمام مشكلة ليست بالهيّنة، راحت المهندسة الزراعية ندى بني مطر؛ تبحث عن طريقة علمية، لتُفضي محاولاتها إلى أن مُعاملة الفراولة بــ "صمغ الغوار" تحقق الهدف المنشود بإطالة عمرها لمدة تتراوح بين أسبوع وثلاثة أسابيع، لما يتمتع به الصمغ من خواص الحفظ والتثخين.

تفاصيل مثيرة للاهتمام، في التجربة التي أثبتت نجاعة "صمغ الغوار"، إذ أجرتها ندى بإشراف د. معن شقوارة عميد كلية الزراعة في جامعة القدس المفتوحة، وبمساعدة مختبرات وزارة الزراعة.
وقد اختارت هذا الموضوع مشروعًا لتخرجها، وخاضت التحدي حتى يتسنى للمزارع التسويق بشكلٍ يحقق الربح، ويحميه من الخسارة؛ كونه محصولًا سريع التلف.

ماذا تعرف عن الغوار؟
تقول المهندسة بني مطر، إن إطالة عمر "الفراولة" سيمكن المزارع أو التاجر من تجنب خيار صعب يتمثل في عرض محصوله دفعة واحدة، وبالتالي ينخفض السعر بشكلٍ كبير، موضحة: "طريقتنا تتيح للمزارع عرض المحصول على دفعات دون أن يتلف، وعندئذٍ يقل العرض ونحمي سعره، ومن ناحية أخرى تُمكّن المصدّرين من الحفاظ على سلامة محصولهم من التلف لفترة لا بأس بها، بسبب إجراءات التصدير الطويلة غالبًا".

وفي إضاءة سريعة على صمغ الغوار "موضوع البحث"، فإنه يُستخدم في العديد من المجالات سواء في إطار الزراعة والاستهلاك الغذائي أم في مجالات أخرى.

و"الغوار" عشبة حولية غزيرة التفرع، منتصبة، يصل ارتفاعها إلى حوالي متر، والجزء الذي يستخدم منه هو القرون والبذور والصمغ، كما أنه مُضاف غذائي يُستخدم لتكثيف وتثبيت المُنتجات الغذائيّة، إذ يُستخدم في العديد من الأطعمة المُصنّعة، كالجبن، والزبادي، والمثلجات، والصلصات، والمخبوزات الخالية من الغلوتين، وحبوب الإفطار، والعصائر. كما يوجد في مستحضرات التجميل والأدوية والصناعات الورقية والمنسوجات، وهو قابلٌ للذّوبان وقادرٌ على امتصاص الماء، ويساعد في تشكيل الهُلام الذي يُمكن أن يثخن ويربط المُنتجات.

علاوة على ما سبق، يُعد مُكمِّلًا غذائيًّا لاحتوائه على نسبةٍ عاليةٍ من الألياف، ممّا يجعلهُ مُفيداً في الكثير من الحالات الصحيّة.
ويُعرف أيضاً باسم "الغواران"، علمًا أن صمغ الغوار يُصنع من بقوليّاتٍ تُسمّى حبوب الغوار تشبه نبات الفاصولياء، ويتألّف من اثنين من السُّكريّات تُسمّى "مانوز" و "جلاكتوز".

آمن للاستهلاك
وعن السبب الذي دفع المهندسة بني مطر؛ لاختيار هذا المنتج العضوي على وجه الخصوص، تحدثنا بقولها: "للغوار دور في حفظ الأغذية، فهو آمن للاستهلاك كونه جزء من المنتجات الغذائية، وتشير التجارب إلى أن الاستهلاك الآمن من صمغ الغوار يصل إلى 15 غراماً يومياً، وهذا معدل يفوق بكثير مما قد يستهلكه معظم الناس في المنتجات الغذائية على مدار اليوم".
كما تؤكد إدارة الأغذية والأدوية (FDA)أنّ صمغ الغوار مُعترف به بشكلٍ عام، من حيث أنه آمن للاستهلاك بكميّاتٍ مُحدّدة في مختلف المنتجات الغذائيّة.

إجراء التجربة
بما أن الفراولة تتلف بعد بضعة أيام من حصادها، فقد تمت زراعة محصول في "مركز البحوث الزراعية" في أريحا، ليتمكن الطلبة من إجراء تجاربهم في استخدام المنتج بأقل التكاليف.

سألناها عن المعايير التي يجب تحققها في الفراولة استعدادًا لتنفيذ التجربة، فقالت: "المحصول يجب أن يتوفر في وقت باكر، ويخضع للتجربة في اليوم نفسه حتى لا يَفقد خصائصه، وثمة شروط يجب أن تنطبق على الفراولة، من حيث الحلاوة والحموضة والصلابة والوزن، وكذلك النضوج الذي لا يفترض أن يكون تامًا، على أن يكون المذاق حلوًا بوضوح".

وتجدر الإشارة أن ندى، حصلت على صمغ الغوار من "المركز الوطني للبحوث الزراعية" التابع لوزارة الزراعة، وكان على شكل مسحوق بمقدار 120 غرام فقط.

الفراولة التي أجرت عليها التجربة، كانت بكمية 12 كغم، منها ما كان جزء تالف ومنها ما هو غير مطابق للمواصفات،  فيما تبّقى 9 كغم، قسّمتها لثلاثة أقسام، ووضعت في قسمين نسب مختلفة من الغوار( 50% / 0.75% ) فيما القسم الثالث للمقارنة، وأجرت عليها كافة الفحوص اللازمة من حيث الوزن والصلابة واللون.

في فترة انتشار جائحة كورونا لم تتمكن المهندسة وزملائها من زيارة المحصول يوميًا لإجراء التجارب، لذلك ذهبت بتاريخ 4/4/2021 وكانت المرة الثانية، وفيها حصلت على عينات، كل عينة تتكون من 6 حبات قياسية، وأُجريَ عليها فحص الوزن واللون، وبما أن الصمغ يذوب بالماء الساخن أو البارد، تمت إضافة لتر ماء مع التحريك، ومن ثم نقع الفراولة بالصمغ المحلول بالماء لخمس دقائق، ثم التخزين بدرجة صفر بالثلاجة (درجة التخزين الطبيعية للفراولة)، واستمرت فترة التجربة من 29/3 حتى 22/4، وفي الأيام الموافقة لهذا التقويم 29/3 و4/4 و11/4 و15/4 و22/4 كان تؤخذ القياسات كل يوم فيها وتُسجّل، إلى حين اليوم الأخير، حين بدأ يظهر عليها علامات تلف المحصول.

النتائج
ووفقًا للتجربة في هذا الصدد، تؤكد م. ندى أن انخفاضًا في وزن حبات الفراولة بشكل عام كان ملحوظًا، بسبب فقدان الرطوبة فيها، ولكن المُلاحظ أيضًا أن الحبات التي نُقعت بصمغ الغوار كان فقدان الوزن فيها أقل وبالتحديد القسم الذي يحتوي على نسبة 0.75%.
كما لاحظت أنه طرأت زيادة في الصلابة، نظرًا لاكتساب الثمار "الخاصية الإسفنجية"، والتي تزيد من مقاومتها للعوامل الخارجية وبالتحديد القسم الذي يحتوي على غوار بنسبة 0.75%.

كما زادت الحموضة بشكل عام داخل الثمار بسبب التدهور العام للحبات، والزيادة البكتيرية ونقص الرطوبة، وكانت معاملة 0.75% غوار هي الأقل تضررًا من بين المُعاملات.

وفي اليوم الخامس عشر من الدراسة لوحظت بداية شحوب على الثمار، بعد أن فقدت لمعانها وبدأت البذور تبرز من الحبات، ما يدل على بدء فقدان الرطوبة واكتساب الخاصية الإسفنجية، وفي نهاية المطاف أُثبت نجاح هذه الطريقة لإطالة العمر التسويقي للفراولة لمده 22 يوم بعد القطاف.

التشبيك البحثي
وردًا على سؤالنا فيما إن كان هذا الحل مجدِ عملياً للمزارعين، قالت ندى أن إنجاح هذا النوع من التجارب يستلزم التعاون المشترك والتشبيك البحثي مع الجامعات، ومع مراكز الأبحاث في وزارة الزراعة وتفعيل الاتفاقيات بينهم وبين الباحثين، من أجل أن توفر المختبرات مستلزمات الأبحاث، مع وجود طلبة وخريجين في المجال الزراعي مصرين على النجاح، إلى حين الوصول لتحول تجاري تطبيقي يمكنه التعامل مع نتيجة نهائية.

وفي ختام حديثها قدمت هذه التوصية لــــ "آفاق البيئة والتنمية": "محصول الفراولة مرشح قوي لأن يكون على رأس صادرات البلدان التي تنتجه إذا ما تم الاهتمام به وبتخزينه وتسويقه، وصمغ الغوار أحد أهم الأصماغ الذي يمكن الاستفادة منه في مجالات واسعة وتطبيقات عدة، وبناءً عليه أرى أنه يتعين علينا الاستمرار في المحاولة في استخدام هذا الصمغ على محاصيل أخرى، ما قد يؤدي لنتائج جيدة كما حدث مع الفراولة.

 

خاص بآفاق البيئة والتنمية

تصميم وتطوير