سد النهضة.. الصراع المائي في افريقيا

23.07.2021 05:09 PM

وطن- إعداد: الباحثة في الشؤون الاستراتيجية تمارا حداد

"من حق الشعوب العيش الكريم كالحفاظ على حق الماء وعلى الدول الحفاظ على هذه الحقوق لشعوبها وشعوب غيرها من أجل السلام العالمي وحماية البشرية وتحقيق الإنسانية والعدالة المجتمعية"

المقدمة

تُعتبر المياه رهاناً استراتيجياً تدخل في صميم الأمن القومي لأي دولة سواء على الصعيد السياسي والاقتصادي والجيوسياسي والاستراتيجي، وقد تنشأ نتيجة عدم التعاون والتنسيق بين دول حوض النيل على كمية المياه التي تستغل من نهر النيل حروبا نتيجة الوضع المائي بين دول " السودان ومصر وإثيوبيا " وقد يزداد احتمال شن الحرب بعد إنشاء سد النهضة الإثيوبي الذي يؤرق الجانب المصري بشكل كبير لما له مخاطر كبيرة على الجانب المصري،  وليس فقط للجانب المصري وللسوداني أيضا.

حسب الاتفاقيات الدولية فوجود مثل ذلك السد هو إخلال وانتهاك لاتفاقيات عام 1929 حيث تم الاتفاق بين بريطانيا ومصر والسودان وأثيوبيا بعدم تقسيم النيل وعدم إقامة أي مشروع على النيل الأزرق أو بحيرة السوباط أو بحيرة تانا وتم اقرار أن لمصر لها القرار في الإعتراض على أي قرار مشروع ينفذ على نهر النيل، واتفاقية 1959 أكدت اتفاق 1929.

ينبع نهر النيل من مصدرين رئيسين هما "النهضة الإثيوبية" من خلال نهر النيل الأزرق ونهر السوباط ونهر عطيرة ، تشارك الهضبة  ب85% من إيراد نهر النيل، المصدر الآخر لنهر النيل "هضبة البحيرات الاستوائية" تشمل بحيرات فكتوريا، كيوجا ، ادوارد، جورج ، ألبرت وتشارك ب15% من إيراد نهر النيل .

"سد النهضة" أو "سد الألفية الكبيرة "هو سد إثيوبي يقع على النيل الأزرق بولاية بني شنقول جوموز بالقرب من الحدود الإثيوبية السودانية، على مسافة تتراوح بين 20 و40 كيلومترا وتم الاعلان هذا العام 2021 عن اكتمال البناء، ليصبح أكبر سد كهرومائي في القارة الإفريقية، والعاشر عالمياً في قائمة أكبر السدود إنتاجاً للكهرباء، حيث تقدر تكلفة الإنجاز ب 4.7 مليار دولار أمريكي وهو واحد من ثلاثة سدود تُشيد لغرض توليد الطاقة الكهرومائية في إثيوبيا، يبلغ ارتفاع السد 145 متر، وعرضه ألف و800 متر، مكون من الخرسانة المضغوطة له محطتين لتوليد الكهرباء، يتسع خزان السد لحجم 74 مليار متر مكعب من المياه، وهي مساوية لحصص مصر والسودان من مياه نهر النيل، ومرة ونصف من إجمالي سعة النيل الأزرق من المياه، وقدرة السد على توليد 6000-7000 ميجاوات أي يعادل ثلاث أضعاف الطاقة الكهربائية المولدة من محطة أسوان الكهرومائية، والمقاول الرئيسي للمشروع هو شركة ساليني الايطالية.

خرجت فكرة إنشاء سد النهضة الإثيوبي من "رحم" الولايات المتحدة الأمريكية، عندما خطط مكتب الاستصلاح الأمريكي فى الفترة من 1956 إلى 1964، لتخزين المياه في إثيوبيا وليس في مصر، لكن قرار الرئيس الراحل جمال عبد الناصر للحفاظ على الأمن المائي المصري وإصراره على بناء السد العالي بعد رفض أمريكا تمويله، أحبط هذا المخطط لسنوات، وأسدل الستار على فكرة سد النهضة الإثيوبي.

عادت إثيوبيا لإحياء الفكرة عام 2009، بمسح موقع السد مرة أخرى، وأنهت تصميمه في نوفمبر 2010، وأعلنت في نهاية مارس عام 2011 عن بناء السد على النيل الأزرق بالقرب من الحدود الإثيوبية السودانية، ومضاعفة السعة التخزينية له من 14 مليارا ونصف المليار لتصبح 74 مليار متر مكعب.

في مايو 2011، أعلنت إثيوبيا أنها سوف تتقاسم مخططات السد مع مصر لدراسة مدى تأثيره على دولتي المصب، وفى الفترة من أغسطس حتى نوفمبر من العام نفسه تم تنظيم زيارات متبادلة لرئيس الوزراء الإثيوبي ميلس زيناوي  والدكتور عصام شرف، والاتفاق على تشكيل لجنة دولية تدرس آثار السد.

فى مايو 2012 بدأ عمل لجنة دولية تضم 4 خبراء دوليين إلى جانب الخبراء الوطنيين من الدول الثلاث، لتقييم الآثار المترتبة على بناء السد.

في 31 مارس 2013، أصدرت لجنة الخبراء الدوليين تقريرها بضرورة إجراء دراسات تقييم لآثار السد على دولتي المصب.

فى مايو 2012 بدأ عمل لجنة دولية تضم 4 خبراء دوليين إلى جانب الخبراء الوطنيين من الدول الثلاث، لتقييم الآثار المترتبة على بناء السد.
في 31 مارس 2013، أصدرت لجنة الخبراء الدوليين تقريرها بضرورة إجراء دراسات تقييم لآثار السد على دولتي المصب.

فى حالة عدم التزام إثيوبيا بنتائج الدراسات يمكن لمصر اللجوء إلى محكمة العدل الدولية، ليس للتحكيم وإنما للشكوى بغض النظر عن نتيجتها لكنها ستضاف إلى الملف دولياً، أما التحكيم فلابد أن يتم بموافقة إثيوبيا، يمكن أن تلجأ مصر للوساطة الإقليمية والدولية وإقناع المجتمع الدولي بالأخطار التى تهدد شعوب دول النيل الشرقي والدول المجاورة نتيجة إنشاء السد.

تمتلك مصر تقريرًا صادرًا من لجنة خبراء دوليين فى مايو 2014 يؤكد أن إقامة سد النهضة على النيل الأزرق بارتفاع 145 مترًا وسعة تخزينية 74 مليار م3 وتشغيله بشكل منفرد لا يراعى مصالح دول المصب سيمكن إثيوبيا من التحكم الكامل في إيراد النيل الأزرق.
قد يتسبب سد النهضة فى تأثيرات سلبية على الحصة المائية المصرية ونقص الكهرباء المولدة من السد العالي والذى يمكن أن يصل إلى حد توقف محطة توليد السد العالي تماماً لعدد من السنوات والتي تزيد في فترات الجفاف بصورة كبيرة، خاصة أن الدراسات الإثيوبية تقترح الملء فى فترة 6 سنوات بغض النظر عن إيراد نهر النيل.

نقص المياه المتاحة لقطاعات الري والزراعة والشرب فى مصر أثناء فترة الملء، خاصة في حالة الملء خلال فترات الفيضان تحت المتوسط أو الضعيف، وهو ما له تأثيرات اجتماعية واقتصادية كبيرة قد تؤدي إلى عدم القدرة على زراعة ملايين الأفدنة وفقدان الدخل لملايين المصريين المعتمدين على الزراعة فى دخلهم السنوي.
 

هناك تأثيرات اقتصادية نتيجة خسارة شبكة الطاقة فى مصر لجزء كبير من الطاقة المولدة من السد العالي وهو ما يعني أعباءً اقتصادية لتعويض هذا النقص، بالإضافة إلى أن عمر الغابات والأشجار عند ملء بحيرة سد النهضة سيقلل نسبة الأكسجين المذاب والذى يؤثر على نوعية المياه المنطلقة خلف السد، وهو ما سيؤثر بشكل مباشر على نهر النيل فى السودان وليس في مصر.
إعادة ملء الخزان بعد انتهاء فترة الجفاف بدون الأخذ فى الاعتبار الاحتياجات المائية لدول المصب سيكون تأثيره ربما أشد من حالة الملء الأول، لأنه بعد انتهاء فترة الجفاف يكون محتوى التخزين فى بحيرة السد العالي منخفضًا مما يزيد من التأثير السلبي الشديد على مصر.

نقص الطمي الوارد للسودان سيؤثر على خصوبة التربة، وبالتالي سيدفعها لاستخدام المبيدات الزراعية والمخصبات الزراعية ومع عدم وجود نظام صرف متطور جدًا بشكل مباشر سيؤثر على نوعية المياه الواردة لمصر، وهو ما يعني تدهور فى نوعية المياه المستخدمة سواء فى الزراعة أو الشرب، ما سيؤدي إلى تأثيرات جسيمة على صحة المصريين وما يستتبعه ذلك من آثار اجتماعية واقتصادية جسيمة.

 

للاطلاع على الدراسة كاملة اضغط هنا

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير