نموذج جون كيري لليبرالية الجديدة - الدكتور احمد جميل عزم

01.06.2013 03:02 PM
ربما تنتهي قريبا قصة التمويل الأميركي للمنظمات غير الحكومية، ومساعداتها للحكومات. الشركاء والوكلاء الذين سيقررون الآن كيف تُدار الدول وتُبنى، هم رجال الأعمال.

ربما تنتهي "موضة" ما يعرف باسم "شركة غير ربحية"، والتي صارت تُسجّل مؤخرا لجلب بعض أموال المانحين؛ بل يمكن أن تحصل شركة خاصة ربحية على دعم مالي وسياسي أميركي وغير غربي، وعقود من حكومات مانحة مباشرة.إذا كانت "الخطة" المزعومة للاقتصاد الفلسطيني، في كلمة وزير الخارجية الأميركية جون كيري، في المنتدى الاقتصادي العالمي في البحر الميت، هذا الأسبوع، استأثرت بالاهتمام، فإنّ الفلسفة النظرية التي تقف خلف الخطة بالغة الأهمية، ولم يلتفت إليها المراقبون، وهي تمس دول العالم ككل، وليس فلسطين وحسب. وقد حظيت هذه الفلسفة بفقرات صريحة في خطاب كيري، تجعله يبدو أقرب إلى الليبرالية الجديدة التي تجعل الدولة معتمدة على رجال الأعمال.

وهذا افتراق كبير عن الليبرالية الكلاسيكية التي كان رائدها آدم سيمث (1723-1790)، ويجعل طروحات كيري تنسجم مع طروحات المحافظين الجدد وغلاة مفكري الليبرالية الجديدة، من أمثال ميلتون فريدمان.إذا تذكّرنا آدم سميث، رمز اقتصاد السوق، ونحن نرى اجتماعات المنتدى الاقتصادي الأخير، فسنتذكره يتحدث عن رجال الأعمال والتجار بأنّه، من حيث المبدأ، لا يثق فيهم. ويقول تحديداً: "المهندسون الأساسيون" للسياسة في إنجلترا هم التجار وأصحاب المصانع الذين استخدموا سلطة الدولة لخدمة مصالحهم، بغض النظر عن "فداحة" ضرر النتائج على الآخرين، بمن في ذلك شعب انجلترا. ويقول: "نادرا ما يجتمع أهل تجارة واحدة مع بعضهم، حتى للمرح والترويح. ولكنهم عندما يجتمعون، فإنّ النتيجة مؤامرة ضد العامة، أو تواطؤ على رفع الأسعار". رغم هذا، دافع سميث عن السوق الحرة بلا هوادة، شريطة أن لا تكون خدمة لمصالح نخبة محدودة.

وكان ما يطرحه عمليا هو فصل الدولة (كجهاز ومؤسسات) عن السوق. ولكن الليبرالية الجديدة التي تزعم أنّها تتبنى نظريات سميث وغيره، تقوم في التطبيق العملي السياسي بتسخير الدولة لصالح الشركات ورجال الأعمال. ومن الأمثلة، ديك تشيني الذي كان يتنقل بين الشركات والمواقع السياسية؛ فيخدم الشركات من موقعه السياسي. فهو، مثلا، كان مديرا لشركة "هالبيرتون" حيث جنى عشرات الملايين من عمله هناك.

ثم استقال ليصبح في العام 2000 نائبا للرئيس الأميركي، وليقدم لهالبيرتون عقودا هائلة في العراق، منها عقود تجسس وحماية وسجون.

في كلمته في البحر الميت، قال كيري إنّ هناك "نموذجا جديدا للتنمية". وهو لا يوضح هذا النموذج تماما، ولكنه يحدد النظام القديم، ويقدم إشارات على الجديد، فيقول: "إنّ النموذج القديم كان حيث تُرى الحكومة تعطي منحا أو أموالا. حكومة (تعطي) إلى حكومة أو تستثمر مباشرة في بعض البنى التحتية". ويوضّح: "في العصر الجديد، عندما يكون هناك مثل هذا القدر الكبير من الثروة، والكثير من الأموال على الجانب، وحيث نرى الكثير من الضغط على الحكومات بشأن الميزانيات، وحيث نرى أنّه ما يزال هناك قدر كبير من الفقر، فإننا نحتاج إلى التشارك مع القطاع الخاص، لأنّه من الواضح أن أغلب الحكومات لا تمتلك المال. وفي أماكن معينة، يمتلك القطاع الخاص قدرة أكبر على تحريك الأمور أسرع مما تستطيع الحكومات".

يتحدث كيري، إذن، عن "نموذج جديد"، وعن مساعدات ومنح وحكومات وقطاع خاص؛ عن قطاع خاص قد يأخذ دور الحكومات، ويكون جزءا من شراكة.هناك معانٍ عدة لهذا؛ ليست متناقضة، وقد تكون مجتمعة. مثلا، هل ستصبح المنح الأميركية والغربية لمشاريع يبدأها ويقررها وينفذها القطاع الخاص، الذي بدوره سيجد مشاريع ترضي المانحين، تماما مثلما تفعل جمعيات غير حكومية تتقصى ما قد يوافق عليه الممول الأجنبي؟ أم سيعمل توني بلير وغيره وسطاء يضغطون، أو يأتون بالضغط على الحكومات لتقدم لرجال الأعمال تسهيلات مختلفة وإمكانيات ليقوموا بالمشاريع التي يقررونها ويحلمون بها؟ وهذا سيشمل مجالات في صلب عمل الدول، مثل الأمن والجيوش والتعليم والصحة والطرق وغيرها.

هل يواصل كيري مشروع المحافظين الجدد: خصخصة الدول لصالح رجال الأعمال، ويستخدم رجال الأعمال والمدراء ليقوموا بمهمات سياسية؟!

* محاضر جامعة بيزيت

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير